علم الخرافة “1 – 2”

بدأت الحكاية عندما حاول أجدادنا القدماء تفسير الظواهر الغريبة بناءً علی قدر المعرفة الضئيل آنذاك. فأصبحت الخرافة هي الحل الأمثل لأي شيء يجهلونه. ما هذا أقلتُ (خرافة)؟ هل تعرف أولاً ماذا نعني بالخرافة ها هنا؟

عربي بوست
تم النشر: 2017/05/27 الساعة 02:38 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2017/05/27 الساعة 02:38 بتوقيت غرينتش

* سلام عليكم، أستاذ مصطفى الكتاتني.
– نعم، مع سيادتكم.
* أنا دكتور (ريهام)، من مصر، 30 سنة، لم أتزوج بعد، وأريد منك أن تفك لي الأعمال التي هي سبب العزوبية بالطبع!
* إممم دكتور؟ أها.. إمم.. بسيطة جداً.. هل ستأتين للسعودية؟
– بالتأكيد، (اطلبوا العلم ولو في الصين).

بالتأكيد سمعنا عن المريض (عم نو) الذي ذهب إلی الشيخ (كذا)؛ كي يُعالج علاجاً روحانياً، وعن الدكتور (عبد اللطيف) الشغوف الذي يهتم جداً بالعلم، ولكن – للأسف – تركزت قراءاته "العلمية" على البللّورات الزجاجية والطلاسم والاتصال بالموتى!

وسمعنا أيضاً عن المريض المصري الذي – والحمد لله – عالج سرطان القَولون بالأعشاب في الصين، دعنا من أنه مرِض بعدها بانسدادٍ معدي وتسريب والتهاب بريتوني ومات، المهم أنه عالج السرطان!

بدأت الحكاية عندما حاول أجدادنا القدماء تفسير الظواهر الغريبة بناءً علی قدر المعرفة الضئيل آنذاك. فأصبحت الخرافة هي الحل الأمثل لأي شيء يجهلونه. ما هذا أقلتُ (خرافة)؟ هل تعرف أولاً ماذا نعني بالخرافة ها هنا؟

الخرافة: هي الاعتقاد القائم علی مجرد تخيلات "وهمية" دون وجود سبب عقلي منطقي مبني علی العلم يفسرها.

بعض الناس كـ"السياسيين والدجالين، وكبار الدولة، والإعلام" يستخدمون العاطفة كمدخل للناس وأداة حشد؛ كي يصدقوهما وكما نعرف "إذا دخلت العاطفة من الباب، هرب العقل من الشباك".. وليست العاطفة فقط بل لذلك عوامل وأسباب كثر، منها:

1. عدم رغبة الناس في التعب المعرفي، فقد يتبنى بعض الناس -أو كثير منهم- مقولة "وهمٌ مريح أفضل من حقائق مرهقة".
2. رغبة الناس في التصديق، فيا لَمتعة الجهل!
3. رغبة البشر المستمرة في إلقاء مشاكلهم وأعبائهم على كواهل الآخرين (كالدجالين مثلاً).
4. وكذلك التربية، وتعلُّق الطفل الشديد بأبوَيه وتصديق كل ما يقولانه.

لا تقتصر الخرافة علی مكان أو دولة محددة، فالجهل في كل مكانٍ، ولكن يمكن أن ننسب ذلك أكثر للمجتمعات المنغلقة التي لا تقرأ ولا تبحث، والتي لا بد أن تضفي المسحة الدينية علی كل شيء يواجهها، وتزداد الخرافة أكثر مع ازدياد ظروف الحياة الصعبة، وانتشار الجهل، والعجز عن مواجهة المشكلات، لا تخَف لن أقول علی اسمك يا (مصر).

ينقسم الناس في تصديق الخرافة إلی:
1. ساذج: يصدق كل ما يسمع، بل ويؤمن به.
2. إنسان لا يصدق، ولكنه لا يستطيع الخروج عن القطيع، وبالتالي يتظاهر بالتصديق.
3. آخرهم أسوأهم، فهو الذي لا يصدق ولا يقتنع، ولكنه يروج للموضوع وينشره بشدة وكأنه حقيقي (كالسحرة والدجالين).

وقد ضرب (كارل ساجان) مثلاً وهمياً في كتابة (عالم تسكنه الشياطين) يوضح مفهوم الخرافة وكيفية تعامل العلم مع تلك الادعاءات:

فلنقل إنني ادعيت أن (جراجی) يحتوي على تنين، ساعتها ستتشكك في كلامي وتصحبني (للجراج) للتأكد، سنفتح الجراج فنجده فارغاً، سأتعلل أنا بأنه تنين خفي! فتفكر أنت ثم تقترح أن نرش الأرض بالدقيق لالتقاط آثار أقدامه، فأقول إنه تنين طائر! فتقترح أن نركب كاميرات حرارية لالتقاط الموجات تحت الحمراء الصادرة عنه، فأتعلل بأنه بارد وكذلك ناره فلا يشع حرارة! لكنك لا تيأس فتقترح أن نرش الجو بالدهان لجعله مرئياً، فأنبهك إلى أنه كيان غير مادي لا يلتصق عليه شيء! ستستمر أنت في اقتراح الاختبارات وسأستمر أنا في التملص منها، والآن.. ما الفارق بين تنين لا يرى ولا يسمع ولا يتحرك على الأرض ولا يصدر حرارة وليس له كيان مادي وبين تنين غير موجود؟!

لكن من باب التيسير ستخبرني بأن من حقي أن أؤمن بوجود التنين لكن ليس من حقي أن أعترض على عدم إيمان أحد به.. يجدر بي حينها أن أتفق معك.

الخرافة آفة من الصعب إبادتها؛ إذ إنها جزء من الطبيعة، وبما أن الطبيعة لا تتغير، فالخرافة ستظل جزءاً من ثقافتنا شئنا أم أبينا، على الرغم من تقدم الحضارات.

اللافت هنا أن هذه الموروثات الخرافية قد تتشابه من بلد لآخر، بسبب تشابك الثقافات وتداخل الحضارات، وعلى الرغم من إنكارنا لوجودها، فإنها ثابتة ومترسخة في حياتنا لدرجة أننا عادةً لا نلاحظ أن بعضاً من أكثر سلوكياتنا وتصرفاتنا شيوعاً هي جزء من خرافات نعتبرها بائدة.

من فضلك يا صديقي، من الآن لا تصادق إنساناً یخبرك بأن الشبشب المقلوب يجلب الفقر، وأن كسر المرآة يجلب الحظ التعِس، أو أن الرقم (13) نذير شؤم، ولا تسمع لمن يأمرك بأن تمسك الخشب؛ كي لا تصاب بالحسد.
(يُتبَع)

ملحوظة:

التدوينات المنشورة في مدونات هاف بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.

علامات:
تحميل المزيد