اليوم كانت ركلتكِ الأولى.. ما زلتُ أحفظ تاريخها.. تاريخ يوم أن تواصلتِ معي بيديكِ أو قدميكِ.. لا أدري تحديداً.
في غرفة المعيشة يوم الجمعة ونحن نحتسي شاي العصرية، والدكِ مشغول في كتاب ما، والشمس تعاكسنا من نافذة قصرنا الصغيرة، ضغطتُ على زر تشغيل الحاسوب لأشاهد فيلماً، اقترح عليّ اليوتيوب أن أشاهد وثائقياً عن مقامات الأذان في تركيا.. فركلتِني مع صوت أول مقام!
ربما أعجبكِ ما سمعته فأردتِ أن تقتربي أكثر ليصير الصوت أوضح، أو ربما أردتِ أن تخترقي حواجز جسدي لتكتشفي ذاك الذي يقولونه، فصرتِ مع كل أذان تصمتين قليلاً ثم تبدأين بالحركة وكأن ركلاتكِ تسبيح.
تتقدم الأيام وأصبحتِ تميزين صوت مفتاح الباب عندما يأتي والدكِ من العمل، فتعومين جيئة وذهاباً سعادةً ربما أو شوقاً لضمّة منه، تهدئين بمجرد أن يضع يديه على بطني تحية وقُبلة لكِ.
ولكنكِ عنيدة بعض الشيء يا عزيزتي.. تتحركين وتركلين كما لاعبي الكرة وما إن يضع أحدهم يده ليتواصل معك تصمتين!
هل تحاولين اكتشاف مَن الشخص الغريب هناك.. أم يضايقك تطفل الناس حولنا؟!
الأيام تمر وتتوالى.. وصار جسدي ثقيلاً جداً، بطني يشبه البطيخة، والدكِ يخدعني ويخبرني أنني ما زلت رشيقة كما أنا، أنفي كبير جداً، يقولون إن من تحمل في ولد يصير منخارها بحجم حبة القلقاس.. ولا أدري لمَ كبر منخاري هكذا وأنتِ فتاة!
الآلام تتتابع.. صارت حركتي ثقيلة، النوم أصبح معجزة، ركلاتكِ صارت أقوى، ربما ستملكين قدماً قوية كوالدكِ.. ربما سترغبين في لعب كرة القدم، أو أن ضرباتك بالقدم أثناء لعب الكاراتيه ستكون الأقوى على الإطلاق، أو ربما ستقررين أن تصبحي عدّاءة وتفوزين بميدالية أولمبية، أياً كان ما تختارينه فسنكون جدّ فخورين بكِ يا عزيزتي.
مرت الآن عدة أشهر، أخبرني الطبيب أن أنتظر قدومك في أي لحظة، حسناً.. كم أنا مشتاقة لمجيئك وكم أنا خائفة في نفس الوقت، تجربة الوضع والولادة مجهولة بالنسبة لنا أمهات الطفل الأول، لا ندري بالتحديد ما سيحدث، ومهما قرأنا عنه وتثقفنا فيه سيبقى خيالنا محدوداً جداً بالنسبة للواقع، قرأت أشياء أصابتني بالمزيد من التوتر والخوف، سمعت أشياء أكثر رعباً، لم يهوّن عليّ الأمر سوى امرأة مجهولة لا أدري مَن هي.. كتبت تدوينة تصف آلام المخاض والتي ملأتها بالذكر والدعاء والاستغفار، وختمت حديثها قائلة: "لو خيّروني لتمنيتُ عودة تلك اللحظات مرة أخرى.. كانت مؤلمة نعم، ولكنها مملوءة بلهفة وسعادة انتظار صغيري الذي أتى في ختام ليلة مرهقة".. طمأنني كلامها بعض الشيء وتيقنت أن الحل في دعاء الله، ولكن أحسست أن في كلامها مبالغة، فكيف لامرأة طبيعية أن تتمنى الرجوع إلى ليلة مخاضها المملوءة بكل تلك الآلام؟!
يحاول طبيبي طمأنتي بكل ما أوتي من رحابة نفس، توتري يؤخر قدومك، أو ربما قد آنستِ المكوث عندك آمنة مطمئنة في دفء وراحة.
أعلم أنكِ قد ضقت ذرعاً بالمكان وصار ضيقاً عليك.. وقد ضاق بي الأمر أيضاً يا عزيزتي.
الأنثى كائن عجيب يا بُنيّتي.. نتلهف للحمل والإنجاب ونبكي كل ليلة مما نعانيه من آلام وتغير في الأمزجة وصعوبة في الحركة والأكل والتنفس والنوم، وبمقدار ما نبكي.. نضحك عند الشعور بركلاتكم وشراء ثيابكم الصغيرة جداً، وتخيلكم تكبرون يوماً بعد يوم، وربما أتخيل يوم أن أصطحبكِ إلى المستشفى لإنجاب طفلك الأول.
نشتاق لقدومكِ عزيزتي.. رغم كل القلق والتوتر الذي أواجهه، يقولون إن المرأة عندما ينتابها المخاض تكون في معيّة الله.. حتى وإن ماتت فإنها شهيدة وكل دعاء تدعوه يُجاب لها، بل إن الله يغفر ذنوبها مع كل ألم تشعر به.
ما زلتُ جاهلة للشعور وأنتِ تخرجين منّي.. ولكنني اختبرتُ الشعور وأنتِ تتكونين داخلي.. يمتزج معه الألم والفرح.. ولقد وصلتُ الآن إلى أقصى درجات القلق يا عزيزتي.
يقولون إن المرأة التي لا تلد تظل طفلة إلى الأبد، فما نختبره نحن معشر النساء كفيل بقتل كل براءة وطفولة داخلنا، ربما لهذا السبب شُبّهنا بالقوارير.. فمن قسوة وألم ما نمر به نفسياً وجسدياً نحتاج إلى أن نُعامل كالقارورة، يهاب المرء أن يكسرها حتى لا يفقد جمالها ورقتها.
أريدكِ أن تأتي حتى أنسى كل ما مررتُ به، أشم رائحتكِ، وألمس أناملكِ الصغيرة، وأسمع صوت بكائكِ، وأتحسس نعومة جلدكِ، ربما سأعتبركِ عروسي الصغيرة وأبدل ملابسكِ كل دقيقة، وأضعكِ بين الدباديب وأعينكِ حاكمة لمملكتي السرية، سنطبخ معاً طعاماً لوالدكِ، ونحيك كوفية صوف له، وسنصنع المؤامرات ضده، ونُشكل حزب معارضة لحكمه، ربما سنقود معاً حملة حقوق نسوية ليرضخ لمطالبنا ويستسلم لرغبتنا في خوض مغامرة تسوق جديدة، سيمتلئ المنزل بفساتين الأميرات ومساحيق التجميل وفناجين الشاي المُزهِرة وخيوط الصوف والعرائس الشقراء، سنشاهد معاً أفلام ديزني ونحرمه من مشاهدة المباريات.
هلّا أتيتِ يا عزيزتي لنفعل كل هذا معاً؟!
الصبر من شِيَم الأمهات.. ربما لهذا السبب جعل الله الحمل في تسعة أشهر؛ ليُفقّهنا الصبر والتحمل مع الأولاد.
في انتظاركِ يا ابنتي الصغيرة.
ملحوظة:
التدوينات المنشورة في مدونات هاف بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.