نعيشُ في مجتمعِ فرض علينا الكثير من القيود والعادات والمعتقدات، بعضُها صحيح، ومعظمها خاطئ.
فمعظم الأجيال تسير في الحياة بمبدأ "بَلْ وَجَدْنَا آَبَاءَنَا كَذَلِكَ يَفْعَلُونَ"، فلا هم يفكرون في الأشياء المتعارف عليها قبل التسليم بها، ولا هم يستخدمون عقولهم، فليس للمنطق في عُرفهم مكان.
توغلت تلك الأفكار في العقول، وغرَسَت جذورها كما تغرس الشجرة جذورها بقوة في جوف الأرض، فأصبحنا نسير وفقاً لـ"الناس هتقول علينا إيه!".
فتجد الناس يهتمون بكيف ينظر إليهم العالم، بدلاً من كيف يرون أنفسهم أو ما الذي يريدون تحقيقهُ في هذه الحياة.
فترى ذاك الفتى قد كبلتهُ القيود إذا ما أراد الزواج بإحداهن لثقل ما يجب عليه توفيره من "القايمة والمهر والشبكة والمؤخر" وغيرها.
وترى تلك الفتاة لا تستطيع التخلص من تلك الأشياء غير المفيدة التي عليها شراءها، وتجد الآلاف بل وأحياناً الملايين تُنفق في ليلة واحدة، كل هذا وأكثر تحت غطاء "عايزين نفرح بيكم، دي ليلة العمر".
ومن أكثر تلك الأفكار سخافة، ارتباط اللون الأسود بالعزاء أو الحزن والفقدان، لطالما كان اللون الأسود رمزاً للأناقة والرقي، إلى أن جاء أحدهم ذات يوم وقرر أن يربطه بالموت، فيصبح اللون الأسود رمزاً للمأساة، فترى الناس يتنافسون في العزاء لارتداء الملابس السوداء باختلاف أشكالها.
وإذا ما فكرت يوماً بارتداء الملابس السوداء في يوم عادي تبدأ المعاناة، تنهال عليك التعليقات في اللحظة التي تغادر فيها غرفتك لتبدأ بـ"لابسة اسود ليه؟ انتي رايحة عزا؟"، "إيه الكآبة دي يا بنتي؟!"، "يا ساتر انتي رايحة تنكدي ع الناس"، وتستمر في كل مكان لتسمع "انتي لابسة اسود ليه فيه حاجة حصلت؟"، "شكلك مكتئب، انتي كويسة؟"، "هو الأسود ده عادي ولّا فيه حاجة؟" إلى آخره، فتشعر كأنك ارتكبت جريمة دون أن تدرك.
ما بال هؤلاء لا يتركون المرء بحاله؟ لماذا تبرمجت عقولهم على تلك الأفكار الغريبة التي لا يستطيعون التخلص منها؟ بل لماذا ارتبط اللون الأسود بكل ما هو سيئ، بالأشرار، بالفشل، بالسخط على الحياة "الدنيا اسودت في وشّي".
لطالما كان الأسود لوناً فريداً من نوعه منذ أن تمرد على باقي الألوان، بعدم وجوده في ألوان الطيف، لطالما كان الأقوى بامتصاصه جميع الألوان، لطالما كان الأكثر رقياً في كل ما يتلون به، حتى الليل دائماً ما تشتدّ حلكتُه (أي سواده)، فتزينه النجوم بنورها وينتج عنهما آية من آيات الجمال في خلق هذا الكون.
لطالما كان جميلاً حين يكتسي به البحر بأمواجه بعد مغيب الشمس، كما أصبح جميلاً في كل ما صنعه الإنسان، من ملابس وحُلي وسيارات ومبانٍ وأدوات، فلا شيء يحملُ مثل رونقه.
إذا كنت ممن يحلمون بعالم أفضل، فعليك أن تدرك ما تفعله بنا تلك المعتقدات وكيف تؤثر على حياتنا.
ابدأ بنفسك أولاً، وتعلم التمييز بين ما يجب أن نكون عليه وما نفعله اقتداء بالغرب أو تشبهاً بهم.
لتكن هذه الكلمات دعوة لمن يقرأها، أن يُعملَ عقلَه في التفكير في كل ما يأخذه كمسلّمات، ليُعِد النظر فيما ترسخ داخله من أشياء فرضها عليه مجتمعنا، ليخلع ثوب الحزن والعزاء عن اللون الأسود، ويترك محبّيه في سعادة وسلام.
ملحوظة:
التدوينات المنشورة في مدونات هاف بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.