قال خبراء قانونيون إن الدعوى ببطلان نظر البرلمان المصري في اتفاقية تيران وصنافير لا تغير شيئاً على أرض الواقع، وأن مجلس النواب سيمضي قدماً في مناقشة الاتفاقية بغض النظر عن الحكم المنتظر صدوره في يوليو/تموز 2017.
وأوضح المتحدثون أن قرار المحكمة الثلاثاء 23 مايو/أيار بإحالة القضية إلى هيئة المفوضين وإعادة المرافعة في جلسة 13 يونيو/حزيران "يعني رفض الشق المستعجل في الدعوة، وأن كافة إجراءات مناقشة الاتفاقية داخل البرلمان متوافقة مع رؤية القضاء المصري".
وكانت محكمة القضاء الإداري المصرية قد قررت إعادة المرافعة في جلسة 13 يونيو/حزيران في الدعاوى الـ3 القضائية المطالبة بوقف وإلغاء قرار مجلس الوزراء بإحالة اتفاقية ترسيم الحدود البحرية بين مصر والسعودية إلى مجلس النواب، وهي الاتفاقية التي سيترتب عليها التنازل عن جزيرتي تيران وصنافير للمملكة العربية السعودية، وشمل القرار إحالتها للمفوضين لإعداد التقرير القانوني فيها.
الدعاوى الثلاث التي أقامها عدد من المحامين من بينهم خالد علي المرشح السابق لرئاسة الجمهورية، جاءت عقب قرار الحكومة المصرية بالموافقة على الاتفاقية في أواخر شهر ديسمبر/كانون الأول 2016، وإحالتها إلى مجلس النواب لمناقشتها، وذلك عقب عودة الرئيس من زيارة إلى دولة الإمارات ساهمت في إنهاء حالة التوتر بين مصر والمملكة نتيجة التصعيد الإعلامي بين البلدين في تلك الفترة.
وتأتي تلك الدعاوى ضمن معركة التقاضي بين محامين ونشطاء مصريين وبين الدولة المصرية لوقف إجراءات إقرار الاتفاقية التي وقع عليها الرئيس المصري مع العاهل السعودي في أبريل/نيسان 2016.
متى بدأت تلك المعركة القانونية؟
عقب توقيع الاتفاقية بأيام قليلة في شهر أبريل/نيسان 2016، أقام عدد من المحامين دعاوى قضائية أمام محكمة القضاء الإداري بمجلس الدولة تطالب بإصدار حكم قضائي بوقف تنفيذ اتفاقية ترسيم الحدود بين مصر والسعودية.
شرارة المعركة كانت 21 يونيو/حزيران 2016 عندما قضت محكمة القضاء الإداري، برئاسة المستشار يحيى دكروري، ببطلان اتفاقية ترسيم الحدود البحرية مع المملكة العربية السعودية وما ترتب عليها من التنازل عن جزيرتي تيران وصنافير للسعودية.
هل يؤثر الحكم على تمرير الاتفاقية؟
صدور الحكم كان بمثابة العقبة الأساسية أمام الحكومة المصرية في إرسال الاتفاقية إلى مجلس النواب المصرى لإقرارها، وذلك وفقاً لمراحل إقرار الاتفاقيات الدولية بالدستور المصري.
كيف خططت الدولة لتنفيذ الاتفاقية وتخطي عقبة القضاء الإداري؟
بعد سجالات قانونية بين الحكومة والمحامين داخل محكمة القضاء الإداري، لجأت الحكومة المصرية في منتصف أغسطس/آب 2016، إلى إجراء تقديم استشكال ضد الحكم لوقف تنفيذ الحكم الصادر بإلغاء الاتفاقية، وهو الأمر الذي يعطي الحكومة حق إحالة الاتفاقية للبرلمان، خصوصاً بعد قبول الطعن الذي تقدمت به في نهاية سبتمبر الماضي.
متى تمت إحالة الاتفاقية إلى مجلس النواب؟
في نهاية ديسمبر/كانون الأول 2016 استبقت الحكومة المصرية موعد الفصل في نظر المحكمة الإدارية العليا للموقف النهائي ببطلان الاتفاقية، وقامت بالموافقة على الاتفاقية وإحالتها إلى مجلس النواب قبل صدور حكم نهائي من الإدارية العليا في يناير/كانون الثاني الماضي بإلغاء الاتفاقية واعتبارها "هي والعدم سواء".
كيف تعامل رافضو الاتفاقية مع تلك الخطوات؟
تحرك الحكومة المفاجئ دفع خالد علي وعدداً من المحامين لإقامة الدعوة المنظورة حالياً طالبوا فيها بوقف وإلغاء قرار الحكومة المصرية بإحالة الاتفاقية إلى مجلس النواب تحسباً لتحصن الدولة بمقولة "أعمال السيادة".
وطالبوا في الدعوى منع مجلس النواب من الموافقة على أي اتفاقية من هذا النوع، كونها معاهدات يترتب عليها التنازل عن جزء من إقليم الدولة، وحتى لا يقدم على هذا العمل تحت ضغوط أو مواءمات سياسية، ذلك أن إقليم الدولة ليس ملكاً لدولة وإنما تلتزم فقط بحمايته وعدم التفريط فيه.
ما هو سلاح "أعمال السيادة" الذي تستخدمه الحكومة لتمرير الاتفاقية رغم أحكام القضاء؟
المستشار محمد نور الدين الفقيه الدستوري يقول إن الحكومة تستند إلى الرأي القانوني القائل بأن عرض المعاهدة للمناقشة على مجلس النواب يعد عملاً برلمانياً سياسياً ومن أعمال السيادة وفقاً للرأي الراجح من الفقه الدستوري والقانوني، ووفقاً للنصوص الدستورية فإن أعمال السيادة لمجلس النواب تكون محصنة من الأحكام القضائية التي صدرت، أو التي من الممكن أن تصدر في المستقبل.
من يحدد الأعمال التي تندرج في "أعمال السيادة"؟
نور الدين يقول في تصريحات لـ"عربي بوست" عبر الهاتف، إن القضاء هو صاحب السلطة في تحديد العمل البرلماني إن كان أمراً سيادياً سياسياً أم عملاً من أعمال الإدارة التي يجوز تعرض القضاء لها، والنموذج الفرنسي الذي أخذ المشرع المصري منه فكرة أعمال السيادة خلا من وجود قائمة محددة لأعمال السيادة تاركاً الأمر للقضاء.
هل تؤثر القضية الحالية في مصير الاتفاقية وإنهاء هذا الجدل؟
الفقيه الدستوري يوضح إننا أمام إشكالية قضائية غير مسبوقة، حيث أن مجلس النواب يناقش اتفاقية القضاء قال كلمته بها بشكل نهائي بات وإعلان أنها اتفاقية هي والعدم سواء، وفي نفس الوقت الحكومة المصرية لجأت إلى الحصول على وقف مؤقت لتنفيذ الحكم لتمرير الاتفاقية إلى مجلس النواب.
وهنا إذا ما انتهت المحكمة في نظر تلك الدعاوى المقامة حالياً وقررت التوافق مع أحكامها السابقة والنظر إلى الاتفاقية كونها ليست من أعمال السيادة لتعرضها التنازل عن جزء من أرض الوطن، فإن هذا الحكم لن يضيف جديداً في المسألة، والبرلمان عقد النية على مناقشة الاتفاقية بغض النظر على ما يصدر من أحكام متحصن باستقلاليته وقدرته على عدم تنفيذ الحكم، وتلك إشكالية خطيرة في النظم السياسية القائمة بمصر" .. هكذا يرى نور الدين الموقف النهائي من السجال القضائي للاتفاقية.
هل يمكن لمجلس النواب مناقشة الاتفاقية قبل الحكم في القضية؟
الدكتور صلاح فوزي أستاذ القانون وعضو لجنة الإصلاح التشريعي التابعة لمجلس الوزراء يوضح أن قرار المحكمة اليوم بإحالة القضية إلى هيئة المفوضين وإعادة المرافعة في جلسة 13 يونيو/حزيران 2017 يعني رفض الشق المستعجل في الدعوة، وأن كافة إجراءات مناقشة الاتفاقية داخل البرلمان متوافقة مع رؤية القضاء المصري.
هل للقضاء الإداري دور في تلك المعركة مرة أخرى؟
يرى عضو لجنة الإصلاح التشريعي التابعة لمجلس الوزراء في تصريحات خاصة لـ"عربي بوست"، أن القضاء الإداري لم يعد له سلطة في نظر الاتفاقية، وأن القضية الحالية مصيرها محسوم، وأن المحكمة ملزمة بأن تقضي بعدم الاختصاص لأن الإحالة تدخل في الاختصاص الدستوري ما بين السلطة التشريعية والتنفيذية.
ويكمل "القرار المطلوب وقفه في الدعوى المقامة قد تم بالفعل والبرلمان يناقش الاتفاقية الآن، والدعوة موضوعها تم تنفيذه، وأياً كان الحكم فإن البرلمان سيسير في المناقشة، وقد يقوم بالتصديق عليها وفي هذه الحالة لا تستطيع المحاكم العادية أن تفصل فيها لأنها أصبحت بمثابة قانون".
ما هي الخيارات القضائية المتبقية لرافضي الاتفاقية؟
"وإذا ما انتهى البرلمان من إقرار الاتفاقية قبل الفصل في الأحكام يحق لرافضي الاتفاقية الطعن بعدم دستوريتها باعتبارها قانوناً، ويكون الفصل هنا أمام المحكمة الدستورية، ويكون القضاء الإداري خارج نظر أزمة تيران وصنافير".. هكذا يرى صلاح فوزي المشهد القانوني المستقبلي للاتفاقية.