الحاجة للأمان، للسند، للدعم وللحماية هي شعور غريزي يحتاجه الإنسان في أي عمر ليعيش حياته بمختلف مراحلها وبشكل طبيعي.
وحده الإحساس بالأمان يجعلك تغمض عينيك مساءً وتنام قرير العين لتستيقظ صباحاً وتمضي بخطى ثابتة نحو الأمام، تواجه تقلبات الحياة بحزم وثقة بعد كل سقوط أو تعثّر.
قيمة الأمان هي نفسها، والحاجة إليه واحدة، لكن مفهومه نسبي، يختلف ناس في تعريفه ويتفق آخرون، فمثلاً عند الرجل والمرأة تتعدد وجوه الأمان:
الأمان عندها قد يتمثل في رجلٍ تفقد من دونه كل طعم للحياة والعيش الهني، سواء كان أباً، أخاً، زوجاً أو ربما ابناً، تضع فيه كل أحلامها وآمالها وطموحاتها، تتحمل لأجله كل ما قد يواجهها من صعوبات على أمل أن يكبر يوماً ويكون خير سند.
في حين ترى أخريات أن الأمان وديعة بنكية أو بضع قطع ذهبية، لا تقترب منها أو ربما لا تتزين بها طوال حياتها فهي للزمن وليست أبداً للزينة، دون أن تضع أبداً في بالها فكرة أنها ستموت يوماً وهي لم تستفِد منها ولم تتمتع بها.
وقد يختلف فريق ثالث مع كل هذا (وهم الأغلبية الساحقة حالياً)، ويؤكدون أن الأمان الوحيد للمرأة في هذه الأيام هو شهادة عليا ومنصب مهم ليس لها أن تتخلى عنه لأي سبب كان، حتى لو كان المقابل البقاء بدون زواج، الطلاق أو التخلّي عن حلم الأمومة.
أما عنده فالأمان يتمثل عموماً في عائلة كبيرة، عمل مستقر، امتلاك سيارة الأحلام، بيت خاص، أطفال ذكور يحملون اسمه ويضمنون استمرارية العائلة ورصيد بنكي مهم أو ربما تأشيرة ذهاب إلى كندا أو أميركا لبناء مستقبله أو للاستقرار الدائم.
كما قد يكون الأمان عند آخرين رجالاً كانوا أو نساءً، نابع من إيمان قوي بأن الله وحده هو الرزاق والحافظ وربما مرتبط بأشخاص ومشاعر ومبادئ.. كدائرة أصدقاء أوفياء لم تفرّقهم الظروف ولم تؤثر فيهم تقلبات الزمن، قد يكون مثلاً هواء الوطن الذي يملأ رِئتيك بكل ذكريات الطفولة البريئة، والذي تخاف أن تفقده في أي لحظة يتعرض فيها وطنك لتهديد يمس أمنه واستقراره، قد يكون أيضاً مرتبطاً بأهلك: كصوت أمك في البيت، حضنها وخوفها عليك، كبراءة ضحكة أصغر إخوتك، كطيبة أختك وحنيتها وقد يكون حباً استطاع أن يبقى صامداً في وجه الرياح العاتية والأمواج، وكل الكوارث الطبيعية وغير الطبيعية، أو أملاً كبيراً في غد أحسن وإيماناً قوياً بأن القادم أجمل.
وقد تكون أنت نفسك مصدر أمان للكثيرين من حولك: أباً كنت أو أماً، أخاً أو صديقاً، معلماً، طبيباً، رب عمل.. وهنا تكون مصدراً لسعادة أناس أو لتعاستهم وسبباً لتغيرهم للأفضل أو للأسوأ، يؤثر وجودك في مزاجهم واتخاذ أهم قراراتهم وحتى سير يومهم.
والممكن جداً أن يصبح البحث عن الأمان والسند هوساً يجعلنا نخاف من كل تغيير في حياتنا ولو كان بسيطاً فلا نستطيع البدء بأي خطوة جديدة، ونمشي جنب الحائط طوال الوقت خوفاً من التعثر أو السقوط كطفل صغير يتعلم المشي، فنقبل في حياتنا بعلاقات تتعبنا، وأشخاص يستنزفون كل قوانا، ويقتلون كل شيء جميل فينا، فقط لأن قرار تركهم يرعبنا ويهدد الأمان بداخلنا!
لهذا، فالإحساس بالأمان عليه أن يكون نابعاً من داخلنا؛ لكي نستمر بثبات ولا نسقط كلما تعرضنا لغدر أحدهم أو خيانته فقط لأنه كان مصدر أماننا الوحيد.
لا يجب أن يتعلق عندنا الأمان بشخص أو بشيء، وبالتالي يضيع ونضيع بفقدانه ونفقد كل طعم للحياة من بعده فلا يحلو لنا عيش ولا تنام لنا عين؛ لنجعل الأمان إنتاجاً داخلياً لا ينفد! قد يقل أو يزيد بحسب ظروف الحياة اليومية وذلك بشحنه بالطاقة الإيجابية، الثقة في الله والنفس، حسن الظن بالله والرضا بقضائه وقدره والسعي للخير وتحقيق الأهداف، لكن المهم أن يظل حاضراً، لا ينضب ولا يتعلق بمخلوق أياً كان.
لا تجعل حياتك قائمة على محور واحد فتضيع بضياعه، لا تتكئ على عمود واحد، فتنهار بانهياره، لا تضع أبداً البيض كله في سلة واحدة، فتنكسر بانكساره.
ملحوظة:
التدوينات المنشورة في مدونات هاف بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.