الأسباب الجذرية للعمليات الانتحارية الإرهابية

ولكن، تحت جميع هذه الدوافع دافع محرك آخر وهو اليقين بالجنة، بمعنى أننا لو أزحنا هذا الوعد اليقيني من عقلية الانتحاري الإرهابي فلن ينتحر، ففي عقلية الانتحاري، هو لا يقوم فعلاً بالانتحار، ولكن بالانتقال إلى مكان أفضل؛ حيث تتم مكافأته على فعله.

عربي بوست
تم النشر: 2017/05/22 الساعة 01:51 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2017/05/22 الساعة 01:51 بتوقيت غرينتش

ما الذي يجعل شخصاً في كامل قواه العقلية يُقدم على قتل نفسه وغيره طواعية في عملية انتحارية ارهابية؟

السرد العام المقبول عموماً يرسم هذه الهجمات كظاهرة حديثة يرتكبها أشخاص يعانون من إعاقة نفسية أو أخلاقية وغير متعلمين، أو أنها نتيجة عوامل اقتصادية وسياسية.

ولكن، تحت جميع هذه الدوافع دافع محرك آخر وهو اليقين بالجنة، بمعنى أننا لو أزحنا هذا الوعد اليقيني من عقلية الانتحاري الإرهابي فلن ينتحر، ففي عقلية الانتحاري، هو لا يقوم فعلاً بالانتحار، ولكن بالانتقال إلى مكان أفضل؛ حيث تتم مكافأته على فعله.

العوامل الاجتماعية والسياسية والنفسية قد تلعب دوراً، ولكننا لا نستطيع الهروب من حقيقة أن الانتحاريين متيقنون في كثير من الأحيان أنهم ذاهبون إلى الجنة لأفعالهم القاتلة مهما كانت دوافعهم الأخرى.

في عام 1997م أقدم 39 شخصاً من أتباع طائفة "بوابة السماء" على الانتحار الجماعي في ولاية كاليفورنيا، الطائفة تأسست على يد "مارشال هوايت"، الذي ادّعى أنه من سلالة النبي عيسى، وأقنع أتباعه بأن عليهم الانتحار؛ لكي تذهب أرواحهم إلى الجنة في رحلة على متن سفينة فضائية قادمة خلف مذنب هيل – بوب.

ما الذي يجعل فرداً في كامل قواه العقلية، مثل أفراد طائفة "بوابة السماء"، يُقدم على قتل نفسه طواعية؟ في اعتقادي، هو الإيمان الأعمى بالقائد واليقين التام بأن هناك جنة في انتظار أن تكافئه على فعله.

بعد عشرين سنة من انتحار أعضاء طائفة "بوابة السماء"، قد تبدو اعتقاداتهم سخيفة لنا ومجرد خيال علمي، ولكن، وفي جوهرها، كيف تختلف عن دوافع أعضاء الجماعات الإرهابية الانتحارية؟

أقرب مثال لنا هو عقلية الإرهابي الانتحاري محمد عطا، الذي أنهى حياته مع 19 آخرين في هجمات 11 سبتمبر/أيلول الدامية، وهو مثال جيد في كيف أن اليقين بالمكافأة الأخروية يدفع إلى مثل هذه الأعمال الانتحارية.

قد تعتقد الأغلبية أن 11 سبتمبر/أيلول كانت دوافعه سياسية، ولكن وكالعادة مع كل حدث إرهابي، لم يكلّف أحد نفسه أن يقرأ ماذا قال الإرهابي نفسه، في هذه الحالة محمد عطا في مذكراته الانتحارية التي عُثر عليها في سيارته.

محتوى رسالة محمد عطا ووصيته الدنيوية الأخيرة كانت تتحدث عن الجنّة وحدائقها ومجالسة نسائها الجميلات، ودعوة الناس لجهاد الكفار بشكل عام، وكيف أن لا أحد يدخل الجنة إلا بعد أن يختبره الله، فالرجل كان منغمساً في الجنّة ونسائها وحدائقها، ولم يذكر السياسة.

يبرر البعض أيضاً وجود داعش وأفعالها الإرهابية بأنها مجرد ردة فعل على التدخلات الغربية المستمرة في المنطقة، وبسبب الفراغ الذي تركته أميركا في العراق.

ولكن في مقال تحت عنوان "لماذا نكرهكم ونقاتلكم؟"، طرحت داعش في مجلتها "دابق" الصادرة باللغة الإنكليزية 6 أسباب تُبيّن سبب كرههم للغرب وشنّهم أعمالاً إرهابية حول العالم، تقول داعش في المجلة:

نكره الغرب، في المقام الأول وقبل كل شيء، لأنكم كفار، ترفضون وحدانية الله من خلال جعل شركاء له في العبادة، نكرهكم بسبب علمانية وليبرالية مجتمعاتكم التي تحل ما حرّم الله وتحرّم ما أحلّه، نحن نكرهكم ونقاتلكم؛ لأنكم ملحدون تنكرون وجود خالق.

لم تذكر داعش في رسالتها اجتياح الغرب لأراضي المسلمين وقتلهم إلا في الأسباب الأخيرة، ولكن داعش من خلال المقال كانت حريصة جداً كذلك على التذكير بأن السياسة والعلاقات الخارجية التي يُجادل بها البعض هي سبب ثانوي لكرههم للغرب وقتاله.

تقول داعش في نفس المقال بأنهم يحاربون الغرب ليس لمعاقبتهم أو ردعهم، بل لجلب الحرية والحقيقة في هذه الحياة والخلاص في الآخرة، هنا تظهر لنا الآخرة مرة أخرى كهدف جامع بين طائفة بوابة السماء، ومحمد عطا، وداعش.

ومع أن أغلب المسلمين يؤمنون بأن الانتحار يحرّمه القرآن، فإِن العقلية الانتحارية الإرهابية لن تجد صعوبة في تطويع وفهم بعض النصوص الدينية بما يدفعها للإقدام على تنفيذ عملية انتحارية إرهابية.

كما أننا في نفس الوقت نرى نسباً متراوحة ومخيفة من المسلمين العاديين تعتقد أن العمليات الانتحارية الإرهابية ضد مدنيين مبررة غالباّ أو في بعض الأحيان.

هل يمكن لتنظيم القاعدة وداعش أن يجنّدوا أعداداً كبيرة من الناس في عبادة الموت لولا وعد الحياة الآخرة؟ هل كان يقوى محمد عطا على أن يحلّق بالطائرة في برج التجارة العالمي لولا إيمانه ويقينه التام بأن نساء الجنة في انتظاره كما ذكر؟ هل كان يمكن لمارشال هوايت أن يقنع 39 شخصاً بشرب السم والموت لولا إيمانهم بانتقال روحهم لعالم أخروي؟ بالتأكيد لا.

مهما كانت الدوافع الأخرى التي تُلهم التفجيرات الانتحارية الإرهابية، تحت هذه الدوافع مُعتقد يحمله الجميع، وهو أنهم لا ينتحرون فعلاً، بل ينتقلون إلى مكان أفضل؛ حيث يُكافئون على أفعالهم؛ لذلك يجب على المعتدلين والإصلاحيين المسلمين أن يفسدوا الحقيقة الزائفة بأن الجنّة تنتظر أولئك الذين يقتلون أنفسهم وغيرهم.

ملحوظة:

التدوينات المنشورة في مدونات هاف بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.

علامات:
تحميل المزيد