لماذا يحزن المثقف بعد قراءة رواية يوتيوبيا؟

وعلى الرغم من الكره المتبادل فإن الطبقتين جمعتهما اهتمامات وأفكار مشتركة، كالاهتمام بالدين، ولكن كل له طريقته الخاصة، فالغني يذهب للعمرة والحج؛ ليطلب من الله أن يغفر له خطاياه في سعيه للحصول على المال والمتعة، أما الفقير فيعبد الله حتى يحصل على الجنة في الآخرة، فلا يريد الشقاء في الدنيا والآخرة.

عربي بوست
تم النشر: 2017/05/22 الساعة 01:42 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2017/05/22 الساعة 01:42 بتوقيت غرينتش

إن رواية يوتوبيا للرائع الدكتور أحمد خالد توفيق تحكي لنا ما بعد ذوبان واختفاء الطبقة المتوسطة؛ حيث يجتمع الأثرياء في مكان منعزل يسمى يوتوبيا تؤمّنه قوات المارينز الأميركية، وهو مجتمع لا يضم فقط المصريين، ولكنه متعدد الجنسيات، فتجد الأميركان والإنكليز والإسرائيليين، ويضم ما تبقى من البلد، الطبقة الفقيرة في غياب الحكومة، وجميع مؤسسات الدولة؛ حيث يكون البقاء للأقوى، ويسود الفقر بشدة، فيخرج لنا بقايا بشر يتظاهرون بالحياة وهم في الحقيقة موتى منذ أن تركوا الأغنياء يفوزون بكل شيء؛ ليصبح قول الأبنودي حقيقة مؤلمة: إحنا شعبين.. شعبين.. شعبين.. شوف الأول فين والتاني فين؟ وآدي الخط ما بين الاتنين بيفوت.

إنني لن أتوقف عند أسلوب الدكتور أحمد خالد توفيق الرائع الذي يجبرك على قراءة الرواية في يوم واحد، ويعطيك فكرة واضحة حول عالم اليوتيوبيا والديستوبيا في بلد واحد، ولكن الرواية أخذتني إلى فكرة الحوار بين الطبقات، حوار لا ينتهي في كل زمان ومكان، الطبقة الغنية المسيطرة، والطبقة الفقيرة المتبهدلة، والاحتقار والحقد المتبادل بين الطبقتين، ولكن أصر الكاتب على بقاء القيم وبعض الأخلاق المتمثلة في جابر الفقير؛ ليكون أيقونة الثورة بقتله على يد أحد الأغنياء، وتظهر روعة الرواية في توضيح الصورة التي ترسمها كل طبقة عن الأخرى، فالأغنياء ينظرون للفقراء على أنهم السبب في فقرهم وليس جشع الأغنياء، فالغني جمع أمواله بسبب اقتناص الفرص التي أتيحت له، وأيضاً لأنه فهم اللعبة مبكراً، أما الفقراء فينظرون للأغنياء على أنهم اغتصبوا كل شيء منهم؛ معاشهم ورجالهم ونساءهم، وسخروها لقضاء حاجتهم المادية والجنسية.

وعلى الرغم من الكره المتبادل فإن الطبقتين جمعتهما اهتمامات وأفكار مشتركة، كالاهتمام بالدين، ولكن كل له طريقته الخاصة، فالغني يذهب للعمرة والحج؛ ليطلب من الله أن يغفر له خطاياه في سعيه للحصول على المال والمتعة، أما الفقير فيعبد الله حتى يحصل على الجنة في الآخرة، فلا يريد الشقاء في الدنيا والآخرة.

ويسيطر على رجال الطبقتين تصور غريب؛ حيث ينظر كل منهما للآخر على أنه ليس رجلاً، وأن نساء كل طرف يردن أن يستمتعن مع رجال الطبقة الأخرى؛ لأنهن يرين فيهم الرجولة التي لا يجدنها في رجال طبقتهن، والحقيقة أن نساء الطبقتين بريئات من ذلك.

وعندما يدور حوار بين مثقف من الطبقة الفقيرة والغنية؛ حيث استحالة الاتفاق؛ لأن الثقافة ليست كالدين، فهي لا تجمع الناس بل تفرقهم، فالغنى المثقف يدرك جيداً قيمة ما هو فيه من نعيم، وأنه سيفقد الكثير إذا انتصر الفقير، أما المثقف الفقير فهو حزين دائماً؛ لأنه توقع الكارثة منذ البداية، وحذر الناس، ولكنهم رفضوا أن يسمعوا له، ثم عاش معهم في فقر، ودفع نفس الثمن، والآن يدفعهم للفهم والرفض، ولكن لا يسمع أحد أيضاً.

وأنت يا صديقي إذا قرأت رواية يوتيوبيا، وشعرت بالحزن، فاعلم أنك مثقف، ولكن يا ترى هل أنت مثقف من الطبقة الوسطى التي ستختفي قريباً؟! أم أنت مثقف فقير، فحزنت على مصير جابر الذي ينتظرك؟! أم أنت مثقف غني علمت أنك ستفقد الكثير قريباً؟!

ملحوظة:

التدوينات المنشورة في مدونات هاف بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.

علامات:
تحميل المزيد