“الرعب الأحمر” يهاجم 5 ملايين نخلة في تونس.. أكثر بلاد العالم تصديراً للتمر مُهددة بفقد ثروتها الثمينة

عربي بوست
تم النشر: 2017/05/18 الساعة 03:38 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2017/05/18 الساعة 03:38 بتوقيت غرينتش

لحسن الحظ، لم تصل بعد الحشرة المدمرة إلى جنوبي تونس، حيث المناطق المنتجة للبلح. هذا ما يقوله خبراء عالميون، مختصون بمعالجة سوسة النخيل الحمراء، التي تنتشر عدواها في تونس، مهددة ثروة البلاد الثمينة.

فلا ينقص هذا البلد الذي يمزقه عجز الميزان التجاري، ويسجل الدينار فيه انخفاضاً تاريخياً، أي مصائب جديدة. فالسياحة تشهد ركوداً منذ الهجوم الإرهابي في ولاية سوسة عام 2015، إلى جانب البطالة المتفشية. وبالتالي فإن تصدير البلح يعدُّ بالغ الأهمية لدعم الاقتصاد الضعيف، وفق ما ذكرت صحيفة الغارديان البريطانية.

أكثر من 5 ملايين نخلة موجودة في تونس، التي تتصدر دول العالم المصدرة للبلح، حيث تحقق أرباحاً تصل إلى 231 مليون دولار سنوياً. لكنَّ عدد النخيل هذا مهدد بأكمله الآن، بسبب غزو السوس.

الأسطورة الشعبية


يروي رئيس إحدى جمعيات البيئة التونسية، مرشد قربوج، "الأسطورة الشعبية" التي تفسّر وصول سوسة النخيل الحمراء إلى تونس.

"يقول البعض إنَّ صهر الديكتاتور السابق بن علي هو من أحضرها، فقد عُرِفَ عنه أنَّه يجلب حيوانات غريبة، وأشجاراً غريبة، وأشياء مثل ذلك". وأشار إلى حقيقة أنَّ الضرر الأكبر قد يقع في قرطاج، حول القصر الرئاسي، ثم قال: "حسناً، ربما هم محقون".

وربّما تكون رواية قربوج صحيحة، فالتوقيت الذي يتحدث عنه، يتطابق مع مجريات الأحداث. فبينما كانت البلاد في خضم الثورة التي أطاحت بنظام الرئيس السابق زين العابدين خلال شهري ديسمبر/كانون الأول عام 2010، ويناير/كانون الثاني عام 2011، بدأت أشجار النخيل الضخمة المصطفة في شوارع قرطاج بالموت، ومن هناك انتشرت العدوى.

مرَّت ست سنوات، قالت فيها الحكومة إنها بذلت أقصى جهودها، لكن العدوى استمرت في الانتشار، وأهلكت معظم أشجار النخيل شمالي البلاد، وزحفت تدريجياً نحو المحاصيل الحيوية جنوبها، حيث تعتمد الحياة كلياً على البلح.

هذه الأزمة قد تكلف مئات الآلاف من التونسيين مصادر عيشهم، لا سيما إن وصلت إلى الجنوب، المشهور بإنتاجه للبلح.

فماذا تفعل السلطات؟


واستجابةً للأزمة، عقدت وزارة الزراعة التونسية بالتعاون مع السفارة الأميركية، وجمعية "إس أو إس" التي يترأسها قربوج، مؤتمراً في تونس خلال الشهر الجاري استمر لثلاثة أيام، وذلك لاتخاذ إجراءاتٍ مناسبة في مواجهة انتشار السوس.

ويقلق السفارة الأميركية خطر انتشار السوس وآثاره المحتملة على تونس والمنطقة، ويقول بنيامين مولينج نائب رئيس البعثة: "لقد كانت الثورة الديمقراطية التونسية ملهمةً لكل العالم العربي، ولقد أصبحت تونس شريكةً في الحرب على الإرهاب، وتحديداً ضد تنظيمي القاعدة وداعش في المنطقة، ومن الصعب على أي دولة أن تُقدِّم يد العون لتحالفٍ دولي فيما تواجه كارثةً اقتصادية وقلاقل داخلية".

وشمل المؤتمر حضور أبرز رواد محاربة سوسة النخيل الحمراء في العالم، وأولئك الذين نجحوا من قبل في السيطرة عليها، من بينهم النيوزيلندي مارك هوديل، الذي نجح هو وفريقه من جامعة كاليفورنيا في ريفرسايد في القضاء على الآفة في شاطئ لاغونا بالولاية.

ويدرك هوديل تقريباً حجم التحدي المُقبِل عليه، إذ قال: "على الأغلب هذه هي أخطر آفة واجهت زراعة النخيل في تونس يوماً".

درس فريقه حالاتٍ مشابهة لانتشار الآفة في بلادٍ مصدرةٍ للبلح، وجاءت النتائج دائماً موافقةً لتوقعاتهم: "تصل الآفة إلى البلاد وتستوطن المناطق العمرانية أولاً، تماماً كما نشاهد في تونس، ثم تنتشر إلى مناطق الإنتاج الزراعي، وفي حين تكون الصناعة غير مستعدة لمواجهة الغزو، تبدأ أشجار النخيل بالموت، وينتشر الذعر".

الوعي والتعاون


وزير الزراعة التونسي سمير الطيب، نوّه في افتتاح المؤتمر إلى حقيقة أنَّ أغلب إنتاج البلح يأتي من المناطق الأكثر تهميشاً في البلاد، والتي تعاني عادةً من ارتفاع معدلات البطالة، فضلاً عن الاضطرابات الاجتماعية، ومن غير الواضح كم من سكانها يدركون الخطر الجديد المُحدق بأحد مصادر دخلهم القليلة المتبقية.

ووفقاً لهوديل فإنَّ عدم وصول السوس إلى الجنوب حتى الآن يرجع في الواقع إلى قدرٍ كبير من الحظ، وإلى حقيقة أنَّه لم يتم شحن أي من أشجار النخيل المتضررة إلى هناك، ويقول: "إن حصل وظهر السوس في الواحات المنتجة للبلح غداً، فإنَّك لن تبدأ برصد أعراض العدوى على النخيل قبل شهور، وهذا ما يجعل هذه الآفة خطرة، فأنت لن تعرف أن أشجارك مصابة قبل أن تظهر عليها هذه الأعراض الفظيعة".

يبقى الوعي العام والتعاون أولاً وأخيراً حاجة ضرورية إلى جانب الجهود الرسمية المبذولة، حيث تدقق تونس في الخيارات المتاحة لرصد انتشار السوس، بين التصوير الحراري والصوتي، والفخاخ والمصائد، على أمل اتخاذ خطوات جادة تنقذ الوضع الخطير في البلاد.

تحميل المزيد