من العمل في غرفة المعيشة إلى الاستعانة بعارضات أزياء محترفات .. “ضربة حظ” تنقل سوريين إلى العالمية

عربي بوست
تم النشر: 2017/05/16 الساعة 07:07 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2017/05/16 الساعة 07:07 بتوقيت غرينتش

بعد أن كان يجلس قبل قرابة 4 أعوام في قارب في البحر المتوسط يحاول منع تسرب المياه إليه من ثقب بيديه في رحلة فراره من سوريا التي مزَّقتها الحرب، يقف السوري محمود السالم (28 عاماً) أمام مشغلهم الجديد لتصميم وخياطة الأزياء في مدينة هيرتين الصغيرة غربي ألمانيا، مع إخوته آلان وآزاد وجوان.

الإخوة كانوا يلتقطون صوراً مع عارضتي أزياء ألمانيتين محترفتين، ترتديان ثوبين من تشكيلة علامتهم التجارية الجديدة "سليمز7″، ليقطعوا بذلك أولى خطواتهم في العودة لمجال عملهم المعتاد، بعد أن اضطروا للبدء من الصفر في ألمانيا.

ولا يعد العمل في هذا المجال جديداً بالنسبة لعائلة السالم، فقد كانوا يعملون كمصممين وخياطين في دمشق، ويملكون معملاً متوسط الحجم، لإنتاج ثياب السهرة الراقية والملابس الداخلية النسائية.

ويقول الإخوة لموقع "شبيغل أونلاين"، إنهم كانوا يشغلون 40 عاملاً، ويوضح محمود أن وضعهم الاقتصادي قبل الحرب كان جيداً جداً، فكانوا يبيعون مجموعات ملابس بأعداد كبيرة، ويشاركون في عروض أزياء، مشيراً إلى أن دمشق كانت مكاناً جيداً لـ"الخياطة الراقية (هوت كوتور)" ذات التوجه الغربي.

ثم عندما بدأ جيش النظام بتجنيد المدنيين، بادرت الأسرة ذات الأصول الكردية بالفرار، بشكل منفصل عن بعضها، ثم عبروا المتوسط كشأن مئات آلاف السوريين، وقضوا أشهراً في مراكز استقبال اللاجئين في اليونان، قبل أن يواصلوا طريقهم مشياً عبر طريق البلقان، لتضيع بذلك شركتهم في سوريا.

ويعود فضل حصول غالبية أعضاء عائلة السالم على فرصة البدء من جديد في ممارسة عملهم القديم في مدينة هيرتين، التي كانت مشهورة بالتعدين سابقاً، إلى ضربة حظ أو القدر كما يقول محمود.

وكان محمود يعيش في البداية بعد وصوله إلى ألمانيا في كيل، شمالي البلاد، المدينة التي تعرَّف فيها على زوجته الحالية بروين رشيد، الفتاة الكردية العراقية، التي كانت قد فرَّت مع عائلتها إلى ألمانيا خلال حرب الخليج الأولى.

وعلى الرغم من رغبته في البقاء في المدينة فإن زوجته كانت تحضّه على الانتقال إلى هيرتن العام الماضي، حيث يقيم أخوه الكبير وأخته. وبعد أن انتقل إلى شقة في جنوبي المدينة تبعه إخوته الآخرون.

وكان حال الحي الذي يقيمون فيه قد شهد تدهوراً بعد إغلاق منجم فحم "زيشه إيفالد"، يقع على أطرافه في العام 2001، فتم خلال أعوام قليلة إغلاق غالبية المحال، ولم يتبق سوى المتاجر الفارغة ومحال تناول الشاي أو صالات الألعاب، ثم تحسن الوضع تدريجياً. ومنذ العام 2010، بدأ تقديم الدعم المالي من قبل الاتحاد الأوروبي ومشروع تابع للولاية، للمشاريع الثقافية إلى جانب الاقتصادية الإبداعية. وهكذا اختفت المحال الفارغة.

وتقول كلاوديا هاينريش، العاملة في الدعم المالي بمدينة هيرتن، إن فرص التطور بالنسبة للحي تكمن في مؤسسي الشركات الصغيرة والمتوسطة، معتبرة وصول عائلة السالم إلى المدينة ورغبتهم في تأسيس عملهم المستقل كـ"ضربة حظ ".

ولم تكن سلطات المدينة على اطلاع على وضع عائلة السالم، لولا أن مؤجر الشقة التي يسكنونها لفت أنظارهم إلى المصممين والخياطين المقيمين لديه، في ربيع العام 2016، ليبدأ جميع المشاركين في العمل طريقاً طويلاً لإنهاء المعاملات البيروقراطية في المؤسسات الحكومية، من الغرفة التجارية إلى سلطات الأجانب إلى وكالة العمل.

وتسلط الصعوبات التي واجهت هذه العائلة، كيف يمكن أن ينجح اندماج اللاجئين في سوق العمل الألمانية، وما التحديات التي تواجههم، رغم توفر الظروف الجيدة.

ولم يكن يتوجب على الإخوة، بسبب عملهم لحسابهم الخاص، تقديم شهادة حرفية تثبت مهاراتهم في العمل، كما هو شأن الألمان. يقول محمود لـ"شبيغل أونلاين" إنهم في سوريا يعرفون بالكاد هذه الإجراءات، موضحاً أنهم دخلوا هناك ببساطة مهنة الخياطة في سنة الـ12 أو 13، وبدأوا بالعمل بنظام "التعلم بالممارسة"، ولم يكن هناك لديهم شيء من هذا القبيل.

ولم يحصل الإخوة على الدعم خلال محاولتهم التغلب على مصاعب البيروقراطية الألمانية من داعمهم الاقتصادي فحسب، بل من المتطوعة سيغلنده غراف، الاستشارية في مجال الشركات، التي تعد حالياً بمثابة "والدة الشركة".

وتتحدث غراف عن المصاعب التي واجهتهم في البداية، قائلة إنه توجب عليهم تدبر المواد اللازمة للإنتاج والتمويل الأوَّلي، وكيف كان الاقتراض غير ممكن حينذاك دون توافر شهادة تدريب، وعدم اتضاح وضع إقاماتهم وأذونات العمل.

وهكذا حوَّل الشبان السوريون تركيزهم إلى تصميم وخياطة حقائب اليد، وبدأوا في العمل في غرفة المعيشة في البيت لمدة عام، وبيعها منذ صيف العام الماضي في أسواق نهاية الأسبوع وعيد الميلاد، في منطقة الرور بولاية شمال الراين فستفاليا، ثم بدأ الزبائن يأتون إلى منزلهم فقرروا صناعة الألبسة أيضاً.

وإلى جانب ما ادَّخروه مما جنوه من ربح، وبعد الحصول على كل الموافقات، خصصت وزارة الثقافة في الولاية منحة مالية صغيرة لعلامة "سليم 7 فاشن" بالأزياء. ويشير الرقم 7 لعدد الإخوة الذين كان عددهم سبعة في سوريا، وسليم اختصاراً لكنيتهم.

أول زبونة

وفي مطلع العام الحالي كان كل شيء قد أصبح جاهزاً ليبدأوا بالعمل، فاستأجروا محلاً تجارياً ليحولوه إلى مشغل ومكان لعرض الأزياء. وفي مقابل التجديد الواسع الذي قاموا به في المحل تنازل المالك عن إيجار أول شهر.

وتمكن الإخوة، عن طريق حلاق مقيم في الحي من تنظيم جلسة تصوير لمنتجاتهم، رفقة العارضتين المحترفتين، وحضرت الصحافة المحلية إلى المكان، ما جذب أول زبونة لشراء ثوب سهرة تبلغ 4 آلاف يورو، كما أبدى مشترٍ لدار أزياء كبيرة اهتمامه ببعض التصاميم، على ما قالت الاستشارية غراف.

ويقوم محمود وجوان برسم التصاميم وقصها، فيما يهتم آلان وآزاد بالتفاصيل. ويقول محمود إن إنتاجهم يضم فساتين السهرة والأعراس، ويعملون الآن على إضافة ألبسة متنوعة إلى جانب ذلك، لكسب بعض المال ومحاولة الوصول إلى الزبائن بعض الشيء.

أما الهدف الذي وضعه الإخوة نصب أعينهم، فهو واضح بحسب محمود، الذي يقول إنه ليس هناك عودة بالنسبة لهم إلى سوريا، وإنهم يريدون أن يكبروا شركة الأزياء خاصتهم في ألمانيا، وأن يصمموا تشكيلات خاصة بهم، وإنتاجها في مدينة هيرتن، آملاً أن يستطيعوا في وقت ردَّ شيء مقابل المساعدة التي حصلوا عليها للمدينة والسكان.

ومن المخطط أن ينظم الإخوة أولَّ عرض أزياء لهم في واحدة من الدور التابعة لمعمل "زيشه إيفالد" سابقاً.

وتشارك العارضة لينا باور، التي لديها خبرة أعوام في عرض الأزياء وعلى تواصل مع أوساطها، في عرض أول تشكيلة من الأزياء لعلامة "سليم 7 فاشن" حالياً، ولاحقاً في العروض المخطط لها، وفقاً لما صرحت به لـ"شبيغل".

تحميل المزيد