قبل نحو 40 عاماً، صُودِرت قطعة أرضٍ شمالي طهران من مُلّاكها الأثرياء في أعقاب الثورة الإسلامية في إيران.
وكانت تلك العملية واحدةً من بين العديد من عمليات الاستيلاء على الأراضي من قِبَل قادة البلاد الجُدُد، الذين تعهَّدوا بمساعدة الفقراء وكسب دعمهم، وفقاً لما جاء في تقرير لصحيفة فايننشيال تايمز البريطانية.
واليوم، يُعَد هذا الموقع نفسه الذي تبلغ مساحته 4 آلاف متر مربع مقرَّاً لبرجٍ سكني أُنشئ حديثاً. لكن بدلاً من تسكين فقراء المدينة فيه.
يقطن هذا البرج بعض أكثر سُكَّان المدينة ثراءً. ويحتوي المبنى المُكوَّن من 10 طوابق على ملاعب للتنس، وصالة للبلياردو في الطابق الأرضي؛ وحديقةٍ وحوض سباحة على السطح؛ وسيارات رياضية من طراز بورش مُتوقِّفة في موقف السيارات؛ وثُريَّات تعود إلى مدينة البندقية الإيطالية تتدلّى من سقف الردهة العالي. وحتى أصغر الشقق من بين شقق البرج البالغ عددها بضعاً وثلاثين شقة ستُكلِّف على الأقل 120 مليار ريال إيراني (3.8 مليون دولار) لشرائها.
المحسوبية طريقاً للثراء
وبالنسبة للكثير من الإيرانيين، أصبحت مباني طهران المتلألئة الجديدة رمزاً قوياً للفرص التي يعتقدون أنَّها سُلِبَت منهم. وقد حصل القليل من الناس فقط على المزايا التي وُعِدوا بها كنتيجةٍ لرفع العقوبات بعد الاتفاق النووي عام 2015، ويربط الكثيرون الآن تحقيق الثروة بعلاقات المحسوبية السياسية، بدلاً من تحقيق تلك الثروة عبر الجهد والسعي الفرديين.
وسبق أن حذر الجنرال محسن رضائي، القائد السابق للحرس الثوري وأمين مجلس تشخيص مصلحة النظام، من أن نظام بلاده على وشك الانهيار من الداخل بسبب الفساد وسوء إدارة البلاد.
وقال رضائي إنه على "مسؤولي النظام أن يلتفتوا إلى الداخل بقدر ما يولون أهمية لتوسع نفوذ إيران الإقليمي"، حسب تقرير لموقع قناة العربية.
وأشارت صحيفة فايننشيال تايمز إلى أن قضايا انعدام المساواة والفساد سيطرت على الحملات الانتخابية قبل الانتخابات الرئاسية التي تجري الجمعة، 19 مايو/أيار، وذلك مع تبادل المُرشَّحين للانتقادات اللاذعة فيما بينهم خلال المناظرات التلفزيونية حول من يتحمَّل مسؤولية ذلك.
ويجادل بعض الإصلاحيين بأنَّ انتشار الفساد يُهدِّد بقاء الجمهورية الإسلامية على المدى البعيد، وهي الجمهورية التي أطاحت بحكم أسرة بهلوي عام 1979 استناداً إلى وعود تحقيق المساواة والعدالة الاجتماعية للفقراء. لكن، وببعض الحسابات، لا يزال ثلث البلاد يقبع في حالة "فقرٍ مُدقِع" إلى الآن.
ونقلت صحيفة فايننشيال تايمز عن مسؤول ذي توجُّهاتٍ إصلاحية في حكومة حسن روحاني الوسطية قوله: "هذه الأبنية الفخمة لا تعدو كونها قمة جبل الجليد، الذي يتمثَّل في الثروة الفلكية لأولئك الذين لا يمتلكون سجلاتٍ لأية أعمالٍ تجارية مبتكرة أو أعمالٍ صناعية.
ويضيف "إنَّ تراكم الثروة خلال فترةٍ قصيرة عادةً ما يكون نتيجةً للامتيازات الخاصة لأولئك المرتبطين بمراكز القوة، أو لانخراط الأشخاص الذين يُمثِّلون واجهاتٍ لهم في تجارة النفط، والسكر، ومواد البناء".
الرئيس الحالي: حسن روحاني
أشرَفَ حسن روحاني، الرئيس المُنتَخَب في 2013، على إتمام الاتفاق النووي مع القوى الغربية، والذي أدَّى إلى رفع العقوبات الدولية المفروضة على إيران. وتعرَّض صاحب الـ68 عاماً للانتقادات اللاذعة من منافسيه على خلفية ممتلكاته. لكنَّه ردَّ الهجوم عن طريق حث إبراهيم رئيسي، منافسه المُتشدِّد في الرئاسة، على تفسير إنفاق المال العام المُخصَّص للأمن على مبادرةٍ لنقل الناخبين إلى تجمُّعاته الانتخابية.
وينظَر الكثير من المحلِّلين إلى الانتخابات، التي يتبارى فيها روحاني ضد منافسٍ مُتشدِّد، باعتبارها استفتاءً على أفضل الطرق للاستفادة من الاتفاق النووي الذي توصَّل إليه مع قادة الغرب قبل سنتين.
ويطالب أنصار روحاني الذي يتفوق على منافسيه في استطلاعات الرأي غير الرسمية، بحرياتٍ سياسية واجتماعية إلى جانب اقتصادٍ قوي. وعلى النقيض من ذلك، يعرض المُتشدِّدين دفع رواتب شهرية تصل إلى ثلاثة أضعاف الرواتب الحالية للفقراء، مع توفير إسكانٍ رخيص وقروضٍ للزواج.
وأيَّاً كان المعسكر الذي سيفوز بالانتخابات، فإنَّه لن يجري المساس بالاتفاق النووي. ومع ذلك، هناك مخاوف في طهران من أنَّ انتصار المُتشدِّدين قد يُثير رد فعلٍ من الولايات المتحدة والقوى الغربية الأخرى فيما يتعلَّق بدور طهران في سوريا وفي مختلف أنحاء الشرق الأوسط.
ويتطلع روحاني لمواصلة ما بدأه في الحكومة الحالية، وهو أن يخفف التوتر مع المجتمع الدولي من أجل بناء علاقات تجارية تساعد في تطوير الاقتصاد الإيراني وتحسين الأوضاع الداخلية المتأزمة، غير أن تطلعاته قد تصطدم بنيات المرشد وسلوك الحرس الثوري في تجربة الصواريخ وسياسة تصدير الثورة عبر التدخلات الإقليمية.. وهو ما يشكل عامل ضغط على الجهاز الدبلوماسي في الجمع بين تطلعات الإصلاحيين والمعتدلين من أجل التنمية والشعارات الثورية التي يردّدها "المحافظون"، حسب تقرير لجريدة الشرق الأوسط السعودية.
https://goo.gl/ziYNzS
ويرى الإصلاحيون أنَّ البلاد ستكون في حاجةٍ إلى إعادة هيكلةٍ شاملة للنظام السياسي من أجل معالجة الانقسامات الاجتماعية الخطيرة والفساد، وذلك إذا ما رغبت في جذب الاستثمارات من الخارج ومن القطاع الخاص في إيران، الذي يُمثِّل فقط نحو 20% من الاقتصاد.
وفي حين أحرزت إدارة روحاني بعض النجاح في الحد من التضخُّم وتحقيق الاستقرار في سوق العملة الأجنبية، فإنَّ مُعدَّلات البطالة بين الشباب تبلغ رسمياً 26%، لكن يُعتَقَد أنَّها أعلى من ذلك بكثير، حسب فايننشيال تايمز.
السلطة القضائية
وقد اندلعت في بداية الحملة الانتخابية حرب كلامية ربما تكون هي الأولى من نوعها منذ انتصار الثورة الإيرانية عام 1979 بين رئيس الجمهورية حسن روحاني ورئيس السلطة القضائية صادق آملي لاريجاني على خلفية "الفساد" المتهمة به السلطتان الإيرانيتان، حيث طالب كل منهما الأخرى بكشف حسابات جهازها وسط ذهول المواطنين الإيرانيين وهم يرون شدة الاتهامات المتبادلة بين أعلى السلطات في بلادهم، وفقاً لما جاء في تقرير لموقع قناة العربية .
https://goo.gl/BO8O4m
وأعلن الرئيس الإيراني حسن روحاني عبر صفحته في تويتر عن استعداده لكشف حسابات جهاز رئاسة الجمهورية، مطالباً في الوقت نفسه صادق لاريجاني المقرب من المرشد خامنئي بالكشف عن جميع حسابات السلطة القضائية في بلاده.
ويأتي إعلان روحاني هذا رداً على تصريح رئيس السلطة القضائية صادق لاريجاني، يتهم فيه رئيس الجمهورية في بلاده بتلقي الدعم المالي في حملته الانتخابية الماضية عام 2013 من بابك زنجاني الذي حكم القضاء الإيراني بإعدامه بعد اتهامه بسرقة أموال وفساد يصل إلى مليارات الدولارات.
وهدد لاريجاني بأنه سيأمر بمتابعة أو اعتقال جميع الذين لديهم علاقة باستلام الدعم من زنجاني، وهو تهديد يراه المتابعون بأنه ينذر بتصعيد الأزمة بين السلطتين الإيرانيتين التي بدأت منذ اتهام لاريجاني بإيداع أموال السلطة القضائية في حساباته الشخصية.
قنبلة نووية
ونقلت صحيفة فايننشيال تايمز عن مسؤول حكومي آخر قوله: "يدرك الشباب أنَّ السيارات من طراز بورش ومازيراتي ليست ثماراً ناتِجة عن الشركات الناشِئة. لقد أصبح الاقتصاد الإيراني اقتصاداً للأطفال الأثرياء. وهناك جيشٌ من الشباب العاطلين الذي يُشكِّلون تهديداً لإيران يماثل تهديد قنبلةٍ نووية".
والفساد ليس جديداً في إيران. لكنَّ نطاقه، وبحسب اقتصاديين وسياسيين ذوي توجُّهاتٍ إصلاحية، قد ازداد سريعاً على مدار العقد الماضي. وفي البداية، جرى تفسير ذلك بالقفزة في أسعار النفط، لكنَّ العقوبات الدولية التي فُرِضَت على البرنامج النووي الإيراني قد أوجدت هي الأخرى مزيداً من الفرص لأشخاصٍ مجهولين للتجارة في النفط والسلع الأساسية.
المنافس: إبراهيم رئيسي
رجل الدين البالغ 56 عاماً هو مُرشَّحٌ مفاجئ، لكن يُقال إنَّه يحظى بدعم الحرس الثوري، وربما أيضاً آية الله خامنئي، المرشد الأعلى للبلاد. ويتحكَّم رئيسي في أكثر مؤسسات إيران الدينية ثراءً، العتبة الرضوية المُقدَّسة، وقد اتهم روحاني بتوسيع الفجوة بين الأغنياء والفقراء، واتهمه أيضاً بالتساهل مع الأثرياء المُتهرِّبين من دفع الضرائب.
وقال مسؤولٌ حكومي في مجال النفط: "في الماضي، كان من الممكن أن تصل تكلفة مشروعٍ يُكلِّف في المعتاد مليار دولار إلى 1.1 مليار دولار بسبب كل تلك العمولات والرشاوى. لكن خلال العقد المنصرم، كان من الممكن أن تصل التكلفة إلى نحو 3-4 مليارات دولار. وأصبح الأشخاص المُتجذِّرون في النظام السياسي جشعين على نحوٍ لا يُصدَّق تجاه المبالغ الكبيرة".
وحمَّل المُرشَّحون المُتشدِّدون ومنافسوهم الداعمون للإصلاح بعضهم البعض مسؤولية عدم القيام بما يكفي لمحاربة الفساد أثناء تواجدهم في السلطة.
وإبراهيم رئيسي هو سادن ضريح الإمام الرضا في مدينة مشهد شمال شرقي البلاد، ويدير العتبة الرضوية المُقدَّسة. ويُعتَقَد أنَّه مدعومٌ من نخبة الحرس الثوري، القوة العسكرية التي تسيطر على إمبراطوريةٍ تجارية تُقدَّر قيمتها بـ100 مليار دولار، ويُصوِّره داعموه على أنَّه رجلٌ مُقدَّس بإمكانه اقتلاع الفساد من جذوره.
وقد اتهم رئيسي روحاني بتوسيع الفجوة بين الأغنياء والفقراء، مُدَّعياً بأنَّ حكومته كانت متساهلة مع الأثرياء الذين يرفضون دفع الضرائب أو إعادة سداد القروض المصرفية. وسخر الرئيس روحاني من تلك التعليقات لأنَّها تأتي من رجلٍ يدير مؤسسةً دينية مُعفاة من الضرائب.
فساد الرئيس
وانسحب أكبر منافسي رئيسي على أصوات الناخبين المُتشدِّدين، محمد باقر قاليباف، من السباق الإثنين، 15 مايو/أيار، في محاولةٍ لتوحيد الناخبين المُتشدِّدين كما قال. وجُرَّ قاليباف، عمدة طهران، إلى السِجال بشأن الملكية، إذ كان قد أشرف على مضاعفة عمليات بناء المباني الشاهِقة في العاصمة على مدار العقد المنصرم، الأمر الذي عرَّضه للانتقاد من جانب إدارة روحاني.
وأقام قاليباف حملته على تعهُّدٍ بالدفاع عن الـ"96%" من الإيرانيين بدلاً من الـ"4%" من "التجار الذين يمتصون دم الشعب كالعلقات".
وفي تبادلٍ حاد للانتقادات على شاشة التلفزيون، قال قاليباف لروحاني: "إنَّهم أصدقاؤك"، مشيراً إلى هؤلاء التجار. وفي صدامٍ ثانٍ حمل قاليباف وثيقة حيازة ملكية زعم أنَّها تُظهِر حصول الرئيس على 800 متر مربع من الأرض غربي طهران بسعرٍ بخس.
ونفى روحاني أن يكون قد استغل منصبه السياسي. وكان قد سأل قاليباف في وقتٍ سابق: "ألم تعطِ شخصاً نهب ثروة الشعب رخصةً لبناء برجٍ مُكوَّن من 33 طابقاً؟".
وكان تساؤل روحاني هذا محاولةً للربط بين العمدة قاليباف وبابك زنجاني، وهو رجل أعمال غير مشهور حوَّلته إحدى المحاكمات الجنائية البارزة إلى أكثر ملياردير سيئ السُمعة في البلاد.
إذ كان زنجاني، المُشتبه في عمله كواجِهةٍ لشخصياتٍ عسكرية وسياسية نافِذة، قد أُدين العام الماضي ببيع نفطٍ خام تُقدَّر قيمته بـ2.8 مليار دولار حينما كانت إيران تخضع للعقوبات الدولية، وبالاستيلاء على عائدات النفط المُستحقَّة لخزينة البلاد.
700 مليار دولار
وتدَّعي حكومة روحاني أنَّ الاتفاق النووي مع الولايات المتحدة والقوى الرئيسية الكبرى قد سمح لها بوقف ممارسات الفساد التي ازدهرت خلال حكم الإدارات السابقة على حد زعمها.
وزعم إسحاق جهانغيري، النائب الأول للرئيس، والذي كان يتنافس هو الآخر ضد روحاني قبل انسحابه منذ ساعات، خلال الحملة الانتخابية أنَّ ما يصل إلى 700 مليار دولار من عائدات النفط خلال رئاسة محمود أحمدي نجاد، من 2005 إلى 2013، لم يجر احتسابها. غير أنَّ جهانغيري لم يُقدِّم أي دليلٍ لدعم زعمه، الذي سفَّه منه أحمدي نجاد بدوره.
وقال جهانغيري: "على أولئك الذين جعلوا الفساد مستوطناً في البلاد أن يخجلوا. كما يجب على أولئك الذين صنعوا بابك زانجاني أن يخجلوا أيضاً".
ركود رغم رفع العقوبات
ويُحذَر بعض المحللين من أنَّ اقتصاد إيران المضطرب، والذي عانى ثلاثة أعوامٍ من الركود بعد 2011، لا يمكنه تحمُّل مستوياتٍ كبيرة من الفساد كهذه، أو دفع ثمن السياسات الشعبوية المرتبطة بعهد أحمدي نجاد.
وتشكو شركاتٌ من ركود الاقتصاد رغم أنَّ معدَّل النمو الاقتصادي بلغ 6.6% في العام الماضي 2016، وذلك وفقاً لتوقعات صندوق النقد الدولي.
ويعود السبب الرئيسي في هذا التحسُّن إلى مُضاعفة صادرات النفط بفضل رفع العقوبات المفروضة على إيران. ومع ذلك، تزعم بعض الشركات أنَّها مضطرة إلى بذل المزيد من الجهد لمجرد استمرارها في السوق، وليس لتحقيق أرباح، وتُلقِى بعض الشركات باللوم على دور الجيش المتغلغل في الاقتصاد في حالة الركود.
وقال المحلل سعيد ليلاز: "في عام 2002، كان يُمكن للواردات التي بلغت قيمتها 2.5 مليار دولار آنذاك أن تزيد معدَّل النمو الاقتصادي بنسبة 1%، ولكنَّنا الآن نحتاج إلى أن تبلغ قيمة الواردات 12 مليار دولار للوصول إلى هذا المعدِّل من النمو، لأن النظام الاقتصادي يعاني نقصاً بالغاً في الكفاءة. إذ لا تخضع 40% من المؤسسات الاقتصادية لمساءلة الحكومة، ولا تدفع الضرائب. لقد خضع الاقتصاد لعملية عسكرة شاملة".
الحرس الثوري
ويعود تاريخ مشاركة الحرس الثوري في الاقتصاد إلى نهاية الحرب الإيرانية العراقية عام 1988. إذ أعطى النزاع المستعر آنذاك الحرس الثوري مكانةً جديدة، ورأى قادة الجمهورية الإسلامية أنَّ الدولة ستجني منافع من مشاركة خبراء عسكريين مُطَّلعين، أي أولئك الموجودين في السلطة والمستفيدين من بقاء النظام، في تحمُّل مسؤولية قطاعاتٍ اقتصادية رئيسية. وقد استمر ذلك إلى أن شُيِّدت إمبراطورية صارت تسيطر الآن على كل شيء، بدءاً من قطاع الاتصالات وحتى إنشاء الطرق، وتتمتع بنفوذٍ سياسيٍ هائل.
وكبحت حكومة روحاني جماح أنشطة الحرس الثوري الاقتصادية بمنعه من المشاركة في بعض المشروعات الكبرى، لتفتح الباب أمام القطاع الخاص والمستثمرين الأجانب.
وبات الخلاف على تدخل الحرس الثوري الإيراني في مفصل الاقتصاد وتحكمه بقطاعات مهمة أكثر وضوحاً مما سبق، إذ عمد بعض مرشحي الرئاسة إلى توجيه اتهامات لمؤسسة الحرس الثوري على إخفاقاتها في الاقتصاد والتي أودت بالاقتصاد الوطني إلى أزمات كثيرة، وفقاً لتقرير موقع نُون بوست.
ويمتلك الحرس الثوري 20% من إجمالي أسهم الشركات المسجلة في بورصة طهران، وتقدر قيمة هذه الأسهم بنحو 16.5 مليار دولار، حسب تقرير نُون بوست.
ورغم جهود الحكومة والآمال التي عقدتها بتدفق الاستثمارات بعد رفع العقوبات، فإن سيطرة مؤسسة الحرس الثوري على معظم الشركات المالية والمصارف في إيران شكلت عائقاً كبيراً أمام تعامل المؤسسات والدول مع طهران، وهذا ما شكل انتكاسة كبيرة لحكومة روحاني في الفترة الماضية وظهر أن رفع العقوبات لم تستفد إيران منه كثياًا، وعرقل عقد صفقات تجارية كبيرة مع الخارج.
ونقلت صحيفة فايننشيال تايمز عن روحاني يوم الجمعة الماضي، 12 مايو/أيار 2017 قوله: "إن وجود هذه الجماعات التي تتمتع بدعمٍ سياسي وأمني (في إشارةٍ واضحة إلى الحرس الثوري) يقضي على فرص المنافسة الحرة ونمو القطاع الخاص".
رفسنجاني
ولا تقتصر مشكلات روحاني على توتر علاقته بالحرس الثوري. إذ زادت وفاة علي أكبر هاشمي رفسنجاني في يناير/كانون الثاني 2017 من تعقيد الانتخابات. إذ أنَّ رفسنجاني، الرئيس السابق، والذي كان أحد أقوى الشخصيات في البلاد في العقود الأربعة الأخيرة، تحالف مع المعسكر الإصلاحي في الأعوام الأخيرة.
ورغم مزاعم الفساد التي شوَّهت سمعته، كان الكثيرون ينظرون إلى رفسنجاني على أنَّه براغماتيٌ أكثر من كونه أحد مؤسسي النظام من الناحية الأيديولوجية، وواحدٌ من القلائل القادرين على سد فجوات الانقسامات في البلاد. وكان مئات الآلاف قد احتشدوا في الشوارع لتشييع جنازته وسط مخاوف المتشددين من احتمال تحوُّل الجنازة إلى مسيرةٍ أخرى من مسيرات المعارضة.
ووفقاً لما ذكره مساعدوه، كان رفسنجاني قبل موته قد حث المرشد الأعلى آية الله خامنئي على التفكير في إعادة هيكلة النظام السياسي لمعالجة عِلَل المجتمع. ومن بين الأفكار التي طرحها رفسنجاني كان إجراء إصلاحٍ شاملٍ على ولاية الفقيه، التي تعطي المرشد الأعلى سلطةً مُطلقة. ولكن خامنئي لم يستجب لهذه المقترحات حسبما ذكر مساعدو رفسنجاني.
وقال سروش محلَّاتي، وهو أحد كبار رجال الدين ذوي التوجهات الإصلاحية، وكان مُقرَّباً من رفسنجاني، إنَّه "إذا صار النظام السياسي أكثر كفاءةً (أي يُنفذ الإصلاحات)، فلن تكون هناك أزمة شرعية. ولكن ما نراه اليوم هو عدم وجود ارتباطٍ بين أفكار القادة والمطالب الشعبية (من أجل بنيةٍ سياسيةٍ أكثر حداثة)، وهو ما أدى إلى انعدام ثقة الشعب، وخيبةِ آماله".
خلافة خامنئي
ويأتي السباق الرئاسي في وقتٍ حرج بالنسبة للجمهورية الإسلامية. إذ تتصارع الفصائل السياسية على خلافة خامنئي، صانع القرار الأوحد، والذي يبلغ من العمر 77 عاماً.. فأيَّاً تكن هوية الرئيس الإيراني في هذا الوقت سيمكنه التأثير على قرار تحديد من سيخلف خامنئي.
وقال مصدرٌ مُطَّلع داخل النظام الحاكم ومُقرَّبٌ من روحاني ورئيسي: "إذا مات المرشد في الأعوام الأربعة القادمة، ستكون الفرصة سانحة للرئيس القادم، سواءٌ كان روحاني أو رئيسي، لأن يصبح المرشد الأعلى القادم. وتكمن حساسية هذه الانتخابات الرئاسية في أنَّها قد تُحدد توجهات إيران لعدة عقودٍ قادمة".
وتواجه الجمهورية الإسلامية أيضاً تغيُّراً اجتماعياً سريعاً يؤدي إلى تفاقم الانقسام بين الطبقة الدنيا في المناطق الحضرية والريفية والطبقة المتوسطة المتعلمة، بينما يقضي على بعض القيم التقليدية التي كانت تدعم الدولة والأسرة في الماضي.
ورغم ما يبدو من أنَّ الشعب والقادة يسيرون في اتجاهين مختلفين، لم تحدث اشتباكاتٌ كبرى بين الطرفين. ومع ذلك، لا تزال هناك مخاوف من احتمال اشتعال فتيل الاشتباكات ما لم تُعالَج قضية عدم المساواة.
وقال تقي أزاد أرمكي، وهو متخصص في علم الاجتماع: "صار لدى المجتمع الإيراني تعريفٌ جديدٌ بحقوقه، وهو ما يريد من خلاله أن يكون جزءاً من العالم الأكبر، ويتمتع بالحياة، ويخرج من عباءة التقاليد. وليست الأزمة في النظام الاجتماعي، بل في النظام السياسي الذي لا يعرف كيف يتكيف مع التطورات الاجتماعية السريعة".