هل تخيلتم يوماً أن يعرض عليكم أحدهم العناق في الشارع ودون أي مقابل؟ هل تخيلتم أن تتعرضوا لهذا الموقف في مدينة عربية؟ وتحديداً في إحدى الجامعات العربية التي مازالت تعاني من الحرب منذ أكثر من ست سنوات؟.
هذه التجربة حدثت بالفعل في جامعة تشرين الموجودة في مدينة اللاذقية السورية، حيث تجمع عدد من الفتيات والشبان يوم الأربعاء 10 أيار/مايو الفائت وحملوا لافتات كتبوا عليها "Free Hugs"، وقاموا باحتضان المارة من الطلبة والطالبات.
مبادرتهم هذه هي جزء من حملة أكبر نظمتها جمعية سوق الضيعة باسم "نعم للحياة"، والتي تتضمن عدة نشاطات أخرى مثل زيارة أطفال السرطان والعجزة والأيتام بالإضافة لحملات تشجير ونظافة.
حملة #Free_Hugs أو "العناق المجاني" أحدثت ضجة كبيرة عبر الشبكات الاجتماعية وانقسمت الآراء حولها بحدة بين من رفض الفكرة بالمطلق واعتبار أنها مخلة بالآداب وبين من اعتبرها تجربة للتقريب بين النفوس ومنح الدعم النفسي والحب للآخرين.
ففي مدينة اللاذقية التي لا تزال تحت سيطرة النظام السوري وتبعد بضعة كيلومترات عن المعارك الدائرة مع قوات المعارضة، يرى نبراس دلول وهو أحد المؤيدين لهذه المبادرة التي أطلقها طلاب وطالبات جامعة تشرين المدينة أنّ هذه المبادرة واجب لخلق الألفة بين الناس.
يقول دلول لـ"عربي بوست" إن "على جامعة تشرين ووزارة التعليم العالي تكريم هؤلاء الطلبة وتبني مبادرتهم، أما معاقبتهم عبر مجلس تأديبي فتلك إشارة لخضوعهم للعقلية الداعشية التي مازالت تعشعش في عقول بعضهم والتي نرفضها ونحاربها، فنحن أيضاً أبناء البلد و"عناقنا أفضل من القتل أقله".
وبالترافق مع الضجة التي أحدثتها الحملة، انتشر خبر عن قيام الأمن الجنائي باللاذقية بإلقاء القبض على كافة الطلاب المشاركين فيها، ثم أفرج عنهم بعد كتابة تعهد بعدم ممارسة هذه الطقوس ضمن الحرم الجامعي.
المشكلة ليست بالعناق
ولم يكن ردّ الفعل فقط من الأمن الجنائي وحده، بل اعتبر عدد من السوريين أنّ مبادرة العناق تتجاوز الآداب العامة، الأمر الذي رفضه الشاب معن الهمة وهو ناشط مجتمعي مقيم حالياً في ألمانيا، بأن الذي لفته في الأمر ليس المبادرة بحد ذاتها لأنها عبارة عن نشاط بسيط لم يكن يستحق كل هذا الصدى الذي ولده، ولكن اللافت هو ردود أفعال الناس، بسبب حجم الهجوم الذي شنوه على من قام بالمبادرة وطعنهم بأخلاقهم وتربيتهم.
ويقول الهمة في حديثه لعربي بوست: "نحن دورنا العمل على تغيير طريقة التفكير فالمشكلة ليست بالعناق، وإنما في طريقة التفكير وكيف ينظر الناس لبعضهم ولطريقة لباسهم؟"، ويتابع بأن موضوع العناق هو أمر بسيط ولا يستحق الوقوف عنده لأن العلاقة التي تربط الرجل بالمرأة يجب أن تكون علاقة إنسانية بالدرجة الأولى.
وضمن التعليقات الكثيرة التي انتشرت عبر فيسبوك، ذكر أحدهم بأن المجتمع السوري لا يحبذ مثل هذا السلوك، "لأننا نملك موروثاً ثقافياً يقوم على احترام آداب الطرقات والحياء العام، بحسب رأيه، وكتب آخر بأن الحواجز التي صنعتها الحرب "لا تكسرها عبوطة"، أي لن تحطمها ضمة، وأضاف بأن هؤلاء الشباب سطحوا الأمر كثيراً وبأن التقليد الأعمى للغرب غير جيد.
ويقول ثالث من بين المعترضين ساخراً، بأن الجامعات كان ناقصها هذا التصرف حتى تكتمل صفاتها ويختم "هزلت".
في حين لاقت الفكرة دعم وتشجيع الكثيرين وذكر أحدهم بأن مثل هذه الخطوة قد تفرغ الكبت الموجود في داخلنا، وقد تساعد في خسارة الغريزة الحيوانية التي يسعى الكثيرون لتلبيتها، وختم، "برافو عليكون ونيالكون، إنتوا عم تجسدوا مفهوم الإنسانية.. عقبال عند الباقي"، وعلق أحدهم بأن يحتضنكم أحدهم بالمجان أفضل من أن يضمك كي يفجر نفسه.