حرب الأيام المقبلة… كيف تستعد قبائل شمال سيناء للانتقام من مسلحي “داعش” بعد “الأربعاء الدامي”

لكن قبل حلول المساء اقتربت 12 سيارة همر رباعية تابعة للجيش المصري من قرية "البرث"، مركز الاشتباكات

عربي بوست
تم النشر: 2017/05/12 الساعة 15:03 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2017/05/12 الساعة 15:03 بتوقيت غرينتش

كان المشهد نهار الأربعاء الماضي أشبه بحرب ثلاثية الأطراف جنوب رفح المصرية، في الشمال الشرقي لسيناء. كانت الاشتباكات بين تنظيم ولاية سيناء وقبيلة الترابين قد بدأت متقطعة قبل أسبوعين، لكنها تصاعدت يوم الأربعاء بعنف لم يسبق له مثيل، تحت سماء تزورها بين الحين والحين أسراب المقاتلات التابعة للجيش المصري، وترحل دون تدخل.

لكن قبل حلول المساء اقتربت 12 سيارة همر رباعية تابعة للجيش المصري من قرية "البرث"، مركز الاشتباكات، لتسيطر على الأوضاع بعد أكثر من 24 ساعة على التصعيد الذي كان متوقعاً في أي وقت.


مركز المعارك كان في قرية البرث على الحدود مع غزة في المنطقة الجنوبية لمركز رفح المصرية (المصدر: موقع محافظة شمال سيناء)

بدأ التصعيد بكمين نصبه تنظيم ولاية سيناء بمنطقة البواطي جنوبي رفح، سقط فيه 10 قتلى من قبيلة الترابين حسب مصادر أمنية مصرية. وقالت مصادر محلية إن المسلحين استخدموا في الكمين سيارة مسروقة من الجيش. ووصفت القبيلة الواقعة على فيسبوك بأنها "كمين على أيدي عناصر داعش في سيناء أثناء تزويد القطاع المحاصر بالإمدادات من مواد غذائية والخ". والإشارة هنا إلى قطاع غزة، و"الإمدادات الغذائية" هي التجارة التي يسميها البعض تهريباً.

سقوط سالم أبو لافي وتامر الشاعر في الكمين


أحد ضحايا الترابين في كمين تنظيم ولاية سيناء شخصية شهيرة جداً، وهو سالم أبو لافي الترباني، الذي ظهر في عناوين الصحف منذ عام 2008 باعتباره ناشطاً مدافعاً عن حقوق أبناء سيناء ضد عسف دولة مبارك، ثم باعتباره خارجاً على القانون، بتهمة احتجاز 42 من جنود وضباط الشرطة في رفح عام 2008، لكنه نسب لنفسه بعد ذلك التوسط للإفراج عن قوة الشرطة المحتجزة وليس المشاركة في خطفهم.

وفي فبراير 2014 احتجزته الشرطة بدعوى صدور أحكام ضده في قضايا قتل ومخدرات، لكنه تمكن من الهروب بعد اشتباك مسلح سقط فيه قتيلان من الشرطة، ثم تصالح لاحقاً مع الدولة، وتحول إلى رمز محلي حتى لقي مصرعه في كمين البواطي قبل يومين.

ضحية آخر كان معروفاً في الشمال السيناوي أيضاً، هو الفلسطيني تامر الشاعر، الذي وصفه الإعلام المحلي هناك بأنه "أبرز تجار الأنفاق".

لماذا يواصل تنظيم ولاية سيناء تصعيده ضد قبيلة الترابين، بدلاً من أن يجعلها على الحياد من حربه الطاحنة مع الجيش المصري؟. وبأية قواعد تدور رحى الحرب بين قبيلة مستقرة، ومسلحين في حالة كر وفر على طريقة حروب العصابات؟ وما الدور الذي رسمه الجيش المصري لنفسه في هذا الصراع؟ وإلى متى يتبادل الفريقان القتل، والأسر ثم الإحراق للأسرى وهم أحياء، ويتنافس الجانبان في نشر صور القتلى بالدماء الساخنة، ومقاطع الاستجواب والحرق.

البداية قبل عامين: سرقة سيارة وحرق منزل


"دارت رحانا مع رحاكم يا داعش، وكنا لكم الطاحنينا". تدوينة كتبها قبل أيام أحد زعماء قبيلة الترابين، إبراهيم العرجاني، وهو رمز قبلي في شمال سيناء بأكلمها. برز اسمه مع الراحل سالم أبو لافي، شريكه في الاحتجاجات قبل سنوات، وفي تهمة اختطاف قوة الشرطة في رفح عام 2008. تم الإفراج عنه وحفظت القضية بعد تدخل رئاسة الجمهورية، حسبما قال في حوار صحفي.

يروي العرجاني أن تنظيم ولاية سيناء هو من بدأ الحرب بالاستيلاء على سيارة والده في بدايات عام 2015. بعدها أصدرت الترابين بياناً اعتبرت فيه العمل اعتداء على حرمات الله، فوزع المسلحون بياناً يهدد من يتعاون مع السلطات، وقتلوا مواطناً رفض استلام المنشور، وعادوا في اليوم التالي إلى منزل العرجاني فى منطقة "أبوطويلة" بالشيخ زويد، ووضعوا 7 براميل TNT وفجروا المنزل الخالي من السكان.

وفي أبريل 2015 نشرت جماعة "ولاية سيناء" صوراً قالوا أنها لعملية تفجير منزل العرجاني.

وهل هي حرب ولاية سيناء مع كل الترابين؟


هناك من يشكك في أن تنظيم ولاية سيناء يشتبك مع قبيلة الترابين بأسرها، ويقولون إن "ولاية سيناء" تحارب الميليشيا القبلية المتعاونة مع الجيش، التي تسمى أحياناً "صحوات الترابين"، أو الكتيبة 103. الكتيبة التي أسسها الجيش المصري من أبناء القبائل قبل أكثر من عامين، ويوفر لها التدريب والتسليح اللازم للمساعدة في مواجهة المسلحين.

تبدو المعارك بين الجانبين أقرب للحرب النظامية، فهناك غارات ومداهمات للبيوت والأسواق، وهجمات منظمة على الطرق السرية في الجبال الوعرة، ونصب كمائن خادعة. هناك أسرى من الجانبين، وعمليات تحرير للأسرى. ومعظمها عمليات تتم بحرفية عسكرية تصعب على المدنيين العاديين.

يغضب أبناء الترابين من وصف الإعلام القاهري لما يجري بأنه "حرب السجائر"، ويرون أنها "حرب ضد الإرهاب يقوم بها الجيش المصري وقواتنا المسلحة بالتعاون مع بدو سيناء كجنود في معركة وطن"، كما قال أحدهم في تصريحات مجهلة. لكن الصحفية منى الزملوط المقيمة بشمال سيناء نقلت أكثر من مرة عن شهود عيان في جنوب رفح "أن الحرب بين مسلحي ولاية سيناء ومجموعة من الترابين لن تنتهي إلا بوقف تهريب السجائر التي حرمتها ولاية سيناء على المنطقة".

ويقول شهود عيان محليون إن تجار الحدود يستخدمون طريقي "أبو حلوة" و"الطايرة" وسط وجنوب رفح، لتهريب البضائع للقطاع، "بتوافق كل الأطراف". لكن تنظيم ولاية سيناء كسر الاتفاق الضمني بالتغاضي عن مرور البضائع المهربة، وبدأ مسلحوه يضرمون النيران في شاحنات "السجائر" ويستولون على السيارات، وينفذون عقوبة الجلد بحق السائقين. ولا توجد معلومات دقيقة عن هذا "الاتفاق الضمني" ولا عن أسباب كسر المسلحين له.

الخطوة المقبلة: مزيد من التعاون بين الجيش والقبائل؟


"رحيل أهم شباب الترابين سالم أبو لافي سيزيد من إصرار قبائل سيناء الترابين والسواركة والرميلات والحويطات على مساعدة القوات المسلحة في القضاء على الإرهاب". هكذا ترى الصحفية محاسن السنوسي المتخصصة في ملف شمال سيناء تأثير أحداث البواطي.

حرب السنوات الأربع في شمال سيناء ستشهد تطورات نوعية في الأيام القليلة المقبلة، في رأي محاسن السنوسي، في حوارها مع "عربي بوست"، وأبرزها المزيد من التعاون بين الجيش والقبائل. "سينضم المزيد من شباب القبائل للقوات المسلحة، بالإضافة إلى 200 شاب تم تدريبهم بالفعل على أيدي قيادات من القوات المسلحة في الفترة السابقة، كما سيزداد التعاون بين الجيش والقبائل في رسم خريطة دقيقة لطبيعة الصحراء ودروب ووديان سيناء، وستنتهي مهمة البدو بتسليم الدواعش المقبوض عليهم للقوات المسلحة، حتى وإن كان من بينهم عناصر تكفيرية تنتمي لقبائل سيناء". تؤكد السنوسي أخيراً أن "بدو سيناء لا يحملون سلاحاً ولا يقاتلون بعيداً عن القوات المسلحة والشرطة".

قرية "البرث" جنوبي رفح، كانت مركز الأحداث في الأيام الأخيرة

أصوات الثأر فوق جبال سيناء


في الساعات الأخيرة ارتفعت أصوات أبناء الترابين على فيسبوك تتوعد مسلحي تنظيم ولاية سيناء بالثأر، "لأن الشهيد سالم أبو لافي الترباني بمئة رقبة من عدونا". وأنذر إبراهيم العرجاني من وصفهم بالتكفيريين "في بلعة والأحراش وجهاد أبو طبل والمسمي: سنكون فوق رؤوسكم قريباً جداً، أقرب مما تتوقعون، وقسماً ثمّ قسماً لنْ نترككم أينما كنتم، فقد أتى رجال يتلهّفون على ملاقاتكم كما تَتَلهّفون أنتم على الهروب".

في الشهر الماضي تأسس اتحاد قبائل سيناء "لمواجهة الإرهاب"، ومع ذلك دعا العرجاني قبائل سيناء للتوحد مجدداً، "حان الوقت للوقوف صفاً واحداً أمام هذا التنظيم الفاشي"، وأنذر "كل من يساعد داعش بالقول أو بالفعل أو بالرصد بأن عليه تسليم نفسه فوراً، فأنتم معروفون لدينا".

القبائل تستعد لمفاجآت الأيام المقبلة


إبراهيم العرجاني، الملقب بأسد سيناء ونهر الخير وغيرهما، هو أيضاً أبرز المنصات الدعائية لقبيلة الترابين في صراعها مع التنظيم المسلح، وله صورة شهيرة مع الرئيس السيسي، غير محددة التاريخ، يستغلها أنصاره في الدعاية.

العرجاني هو الآن رئيس مجلس إدارة شركة مصر سيناء للتنمية الصناعية والاستثمار، التي تساهم فيها قبائل سيناء، وتشارك الجيش المصري في مشروعاته الصناعية الضخمة بسيناء.

على سبيل المثال فإن المجمع الضخم لاستخراج وتصنيع خام الرخام والغرانيت بمنطقة وسط سيناء مملوك للشركة الوطنية المصرية للرخام والغرانيت، وهي إحدى شركات جهاز مشروعات الخدمة الوطنية للقوات المسلحة، وتم تأسيسها بالمشاركة مع شركة مصر سيناء، كما يقول العرجاني.

مستنداً إلى تحالفه مع القبائل والجيش المصري، يتحدث العرجاني عن انتقام وشيك من تنظيم ولاية سيناء. يتوعد الإرهابيين الذين كانوا في الأصل "حرامية فراخ" بالنهاية الوشيكة، "عددهم في المنطقة التي نتواجد بها ونشتبك فيها بما يتراوح بين 800 فرد إلى 1000 فرد، وخلال الأيام المقبلة هناك مفاجآت لن يتوقعوها" كما يؤكد.

تحوم سحب كثيرة على سماء شمال سيناء في بداية صيف أسخن من المعتاد، وتبقى في الأفق أصداء صرخة العرجاني في البرية: أنتم يا من تلوثت أيديكم بدماء أبنائنا، نقول لكم: لقد فات الأوان.

تحميل المزيد