ظل "نشاط" المسيحيين المغاربة "متخفياً" بعيداً عن العلن، وفي الوقت الذي تعترف الدولة باليهود المغاربة باعتبارهم جزءاً أصيلاً من النسيج الديني والاجتماعي المغربي، إلى جانب المسلمين الذين يشكلون الغالبية العظمى من السكان بالبلاد، بقي وجود "المسيحيين المغاربة" بعيداً عن الاعتراف القانوني والمجتمعي.
لكن عقب تعيينه رئيساً جديداً للحكومة المغربية، لم يتردد مسيحيون مغاربة في سابقة بالبلاد من التعجيل بمراسلة، سعد الدين العثماني، في رسالة موقعة باسم "تنسيقية المغاربة المسيحيين" (غير معترف بها)، طالبين الاعتراف بحقوقهم.
إعلان "المغاربة المسيحيون" عن أنفسهم كان وراءه "محفزات"، وفق تعبير منسقهم، والتي استندوا فيها إلى تصريحات للعاهل المغربي، وفتوى لأعلى هيئة دينية رسمية بالبلاد، ووضعية حقوق الإنسان بالبلاد، كما انتهزوا فرصة تعيين حكومة جديدة، فضلاً عن "تعاليم الكتاب" لـ"الخروج إلى الناس".
مغاربة ومسيحيون
في الوقت الذي ينص الدستور المغربي على أن "الإسلام دين الدولة، والدولة تضمن لكل واحد حرية ممارسة شؤونه الدينية"، ظلت حرية ممارسة الشعائر الدينية للمسيحيين ترتبط فقط بمعتنقي هذه الديانة الأجانب المقيمين بالمغرب، الذين لا تزال الدولة توفر لهم كنائس في المدن الكبرى بالبلاد.
أما علاقة المغاربة بالمسيحية فظلت ترتبط بما يرشح بين الفينة والأخرى من ممارسات توصف بالتبشيرية من طرف مسيحيين في غالبهم من دول أوروبية والولايات المتحدة، لم تترد السلطات المغربية في طرد بعضهم بعد اتهامهم بـ"بمارسة أنشطة تبشيرية تحت غطاء إنساني"، و"زعزعة عقيدة مسلم" التي يعاقب عليها القانون الجنائي المغربي.
فيما بقي المغاربة الذين وُلدوا لأبوين مغربيين مسلمين وتحولوا إلى المسيحية يمارسون مسيحيتهم في سرية عن الدولة والمجتمع، بعضهم لا يعرف بتحولهم إلى ديانة المسيح حتى أقرب الناس إليهم، حسب تصريحات سابقة لمن قدموا أنفسهم باعتبارهم مسلمون مغاربة تحولوا إلى المسيحية.
حتى تقارير الحالة الدينية التي تصدر عن بعض مراكز البحث في المغرب، ضعيفة الاهتمام بـ"المسحيين المغاربة"، وتتعامل معهم باعتبارهم "حالات فردية هامشية"، لا يشكلون "أقلية" أو"ظاهرة".
وحدهم بعض المنظمات الحقوقية المغربية والدولية، من يثيرون هذه القضية، في مناسبات قليلة، من باب الدفاع عن "حرية المعتقد" وحرية ممارسة الشعائر الدينية للمؤمنين بها.
لكن في السنوات القليلة الماضية بدأ يخرج إلى العلن عبر مواقع التواصل الاجتماعي ومقاطع فيديو منتشرة في عدد من المواقع الإلكترونية، أشخاص يقدمون أنفسهم باعتبارهم "مغاربة ومسيحيون"، ليكسروا الصمت ويدافعوا عن "اختيارهم الديني" عارضين لكيفية تحولهم إلى المسيحية وما يعتبرونه "تضييقا" يطال حرية ممارسة شعائرهم.
"رعايا أمير المومنين"
خروج المسيحيين من أصل مغربي إلى العلن للمطالبة بالسماح بحرية ممارسة شعائرهم وتنظيم حياتهم الاجتماعية وفق الدين المسيحي، سبقته تطورات في سلوك المؤسسة الدينية الرسمية.
فباعتبار أن تدبير ورعاية الشأن الديني في المغرب من اختصاص العاهل المغربي الملك محمد السادس بوصفه "أمير المؤمنين وحامي حمى الملة والدين، والضامن لحرية ممارسة الشؤون الدينية"، بنص الدستور المغربي، فقد استند "المغاربة المسيحيون"، في رسالتهم للعثماني على تصريحات للعاهل المغربي لصحافة جمهورية مدغشقر، نوفمبر/تشرين الماضي، قال فيها إن "ملك المغرب هو أمير المؤمنين؛ المؤمنين بجميع الديانات"، التي اعتبروها "إنصافاً لنا نحن المغاربة المسيحيون باعتبارنا مؤمنين، وتكريساً لحقنا في الاعتقاد المكفولة بمضامين وأحكام الدستور المغربي والتي تتماشى مع التزامات المملكة المغربية في إعمال المواثيق الدولية لحقوق الإنسان".
ورغم أنه رفض أن يصرح بعدد "المغاربة الميسحيين"، قائلاً إنه "ليس لدينا رقم عن عدد المغاربة الميسحيين، ولم يسبق لنا أن تحدثنا عن أي رقم"، فإنه شدد بالمقابل على أن "ما يمكن الإقرار به هو أنهم يوجودون في جميع المدن المغربية بدون استثناء، وحتى المناطق النائية، ولدينا تواصل معهم".
مطالب "المغاربة المسيحيون" لا تقف عند القائمة التي تقدموا بها إلى كل من رئيس الحكومة والأمين العام للمجلس الوطني لحقوق الإنسان، والتي اعتبروها "استعجالية"، بل تتعداها إلى مطالب أخرى قال مصطفى إنها "لم يصل وقتها ولم يحن الوقت للحديث عنها"، مضيفا أن "المهم عندنا هي هذه المطالب الآنية التي يجب أن تخرج للوجود، أما المطالب الآخرى فسنعلن عنها، بعدما نلحظ ردة فعل الجهات المعنية بخصوص مطالبنا الاستعجالية".
وفي تصريحات له خلال اجتماع لجنة العدل والتشريع وحقوق الإنسان بمجلس النواب (الغرفة الأولى بالبرلمان)، الأربعاء، قال مصطفى الرميد وزير الدولة المكلف بحقوق الإنسان، إنه "ليس في القانون الجنائي أي تجريم لتغيير العقيدة، ولا يمكن متابعة أي شخص لمجرد تغيير دينه".
وأضاف الرميد أن حرية المعتقد من الناحية الحقوقية محسومة، وكذلك من الناحية الدينية، لكنه استدرك بالقول "لكن من الناحية السياسية لا بد من الحذر، حتى لا نتحول إلى شعوب وقبائل وطوائف مقسمة".
ولا توجد إحصاءت مغربية رسمية بعدد "المغاربة المسيحيين"، إلا أن تقرير الخارجية الأميركية حول الحريات الدينية لسنة 2016، قال إن 99% من ساكنة المغرب مسلمون سُنيون، و1% المتبقية تضم معتنقي ديانات ومذاهب أخرى.
واستند التقرير الأميركي إلى من وصفهم بـ"القادة المسيحيين المغاربة والأجانب"، ليقدر عدد المسيحيين المغاربة بما بين 2000 و6000 مسيحي موزعين على جميع أنحاء البلاد، من أصل 34 مليون مغربي.
وقال التقرير إن ما بين 1000 و3000 مسيحي مغربي يترددون بانتظام على "كنائس منزلية". فيما قدر التقرير مجموع عدد المسيحيين الأجانب المقيمين في المغرب، بحوالي 40 ألف شخص، 75% منهم مسيحيون كاثوليك، و25% المتبقية بروتستانت.