“مرحباً بالمحاكمة”.. أزهري مصري متهم بتكفير المسيحيين وازدراء الأديان.. هكذا دافع عن نفسه

عربي بوست
تم النشر: 2017/05/11 الساعة 13:14 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2017/05/11 الساعة 13:14 بتوقيت غرينتش

طالب نواب ومحامون بمحاكمة الشيخ سالم عبد الجليل، وكيل وزارة الأوقاف السابق، أستاذ بكلية الدعوة الإسلامية بجامعة الأزهر، بتهمة ازدراء الأديان؛ لأنه اتهم الأقباط بالكفر في تفسيره لسورة آل عمران خلال برنامجه على قناة "المحور"، التي أوقفت التعامل معه.

وفي أعقاب دعوات محاكمته وإصدار وزير الأوقاف قراراً بمنعه من الخطابة بالمساجد، حتى يقدم اعتذاراً عما قاله، أصدر "عبد الجليل" بياناً يعتذر فيه عن "جرح مشاعر المسيحيين"، ولكنه رفض الاعتذار عن التفسير القرآني.

واعتذر عبد الجليل في البيان الذي صدر الخميس 11 مايو/أيار الجاري، "عن جرح المشاعر، وأكرّر تأكيدي ما أكّدتُه في الحلقة نفسها المشار إليها، الحكم الشرعي بفساد عقيدة غير المسلمين -في تصورنا- كما أن عقيدتنا فاسدة في تصورهم، لا يعني استحلال الدم أو العرض أو المال بأي حال من الأحوال".

بداية الأزمة.. تفسير آية قرآنية

بدأت الأزمة حينما ظهر الشيخ سالم عبد الجليل، وكيل وزارة الأوقاف، في برنامجه "المسلمون يتساءلون"، على قناة "المحور"، الثلاثاء 9 مايو/أيار الجاري، ليقدم شرحه للآية رقم 90 من سورة آل عمران، ويقول ضمناً في حديثه إن "عقيدة المسيحيين فاسدة".

وفي تفسيره للآية بقوله إن "المؤمنين بها لن تُقبل توبتهم قبل الموت مباشرة، والأفضل لهم التوبة والإيمان بالإسلام قبل ساعة الموت"، أضاف أن "بعض النصارى واليهود، كفروا بعد إيمانهم، حيث إنهم آمنوا بعيسى وموسى، ولكن كفروا بمحمد".

وتابع: "ولو ما رجعتوش أهلاً وسهلاً، إخوتنا هنعيش في العالم ليس فقط في الوطن، متحابين ومسالمين، ليكم عندنا المحبة والمعاملة الحسنة، ومن ناحية العقيدة لازم تعرف إنها فاسدة، علشان ما تجيش تقول يوم القيامة محدش قالنا".

دعوات لمحاكمته

وعقب الحلقة بـ24 ساعة، بدأ إعلاميون ومغردون يهاجمونه ويتهمونه بالتحريض ضد الأقباط وربطوا بين هذا والتفجيرات التي وقعت بكنيستين في أبريل/نيسان الماضي، وطالبه البعض بالاعتذار، ودعا آخرون لمحاكمته بتهمة ازدراء الأديان.

وشارك نواب في الدعوة لمحاكمته بتهمة ازدراء الأديان، وقدموا بياناً عاجلاً لوزير الأوقاف، وردَّ الوزير بمنعه من الخطابة في المساجد ما لم يعتذر للمسيحيين.

ووصف النائب محمد أبو حامد ما قاله عبد الجليل بأنه إساءة إلى المسيحية، مشيراً إلى محاكمة أطفال مسيحيين من قبلُ بتهمة ازدراء الأديان، وأنه يجب محاكمة "الكبار" بالتهمة نفسها.

وتقدَّم سمير صبري، المحامي الذي اشتُهر برفع دعاوى سياسية، ببلاغ لنيابة أمن الدولة العليا طوارئ، ضد الشيخ سالم عبد الجليل "لتكفيره غير المسلمين"، برره بأان "تصريح عبد الجليل الغريب يقطع بالحقارة والخساسة ويدل على أن هذا الرأس يحمل مجموعة لا تحصى من القمامة الفكرية…"، بحسب تعبيره.

موافق على محاكمتي

وتعليقاً على الدعوات لمحاكمته، قال الشيخ عبد الجليل: "موافق على محاكمتي؛ لأني لم أسبَّ الأقباط أو أهاجم عقائد الآخرين، وغير متهم بازدراء الأديان، وكل ما فعلته هو تفسير القرآن، والمسيحيون والمسلمون يكفر بعضهم بعضاً، وهذا شيء معروف".

وحول مطالب تقديم اعتذار عما قاله، قال الشيخ "عبد الجليل" في تصريحه لـ"عربي بوست": "لا أعتذر عن العقيدة، ولكن أعتذر عن جرح المشاعر"، وأضاف: "لا يمكن أن أعتذر عن قولي إن غير المسلمين ليسوا مؤمنين، فهذه عقيدة أدفع حياتي ثمناً لها، ولكني أرفض أن يقال إن هذا الكلام يبيح الدم والعرض، فهذا ما أرفضه".

وتعليقاً على دعوات محاكمته، قال الشيخ سالم عبد الجليل لـ"عربي بوست": "لم يصلني أي دعوات من النيابة أو أي شيء".

وحول توقعه التحقيق معه أو محاكمته بتهمة ازدراء الأديان قال: "لا أتوقع شيئاً"، مستدركاً: "لا شيء سلبياً أو إيجابياً، لا، وقانون ازدراء الأديان لا ينطبق على ما قلته، وليس لدي مشكلة على الإطلاق في محاكمتي"، ولكنه شدد على "فكرة التعايش المشترك والمحبة بين المصريين على اختلاف أديانهم طول عمرهم، والتعايش مع كل البشر مهما كانوا بوذيين، أو ملحدين أو مسيحيين وغيرهم، والإيمان لا يعنى إطلاقاً استحلال دم أو عرض أي غير مسلم أو ماله وأهله بسبب اعتقاده، ولم أقل هذا، وكل ما قلته هو شرح الآية القرآنية".

واستغرب العالم الأزهري الجدل حول ما قاله، مؤكداً "أنا أفسر القرآ،ن فهل يجب عليَّ عندما أصل في التفسير إلى الآيات التي تكفر غير المسلمين أن أتجاوزها ولا أفسرها؟!"، نافياً مع هذا أن يكون هذا معناه أنه يدعو لمحاربة غير المسلمين، أو عدم التعايش معهم، فهذا غير وارد أصلاً، بحسب قوله.

وختم قائلاً: "أنا اعتذرت عن جرح مشاعر من زعلوا (غضبوا) من كلامي من الأقباط"، وتابع: "لا يُحاسب الإنسان على عقيدته أو فكرة، هم كفار ولكنهم إخواننا في الوطن نتعامل معهم بالحب والوئام والود ونحن في نظرهم أيضاً كفار".

جدال على مواقع التواصل

ودشن مغردون هاشتاغ #حاكموا_سالم_عبد_الجليل الذي شهد آراء متضاربة بين داعين لمحاكمته ورافضين بدعوى أن المسيحي يُكفر المسلم أيضاً، ولا مجال لمحاكمة أحد في العقائد.

واعتبر آخرون أن الجدل الدائر حول عبد الجليل مفتعل وأن الأمر مستهدف إعلامياً؛ للتغطية على قرارات مقبلة برفع أسعار الوقود.

وفي المقابل، نشر آخرون هاتشاغ تضامن معه بعنوان #متضامن_مع_الشيخ_سالم_عبد_الجليل

منعه من الخطابة والفضائيات

وأصدر الدكتور مختار جمعة، وزير الأوقاف، قراراً بمنع الشيخ سالم عبد الجليل من صعود منابر المساجد، مؤكداً: "إن لم يعتذر عن تصريحاته، فإنه لن يصعد أي منبر أو مسجد".

واتهم "جمعة"، عبر قناة "أون لايف" مساء الأربعاء، عبد الجليل، الذي كان وكيلاً سابقاً للوزارة، بأنه "يثير الفتنة بين أبناء الوطن الواحد ويجب على القنوات الفضائية ألا تستضيفه ويتم التعتيم عليه؛ حتى يفكر مليون مرة من يبحثون عن الظهور ويغلق عليه الباب".

وردَّ الشيخ سالم عبد الجليل على منع وزير الأوقاف له من الصعود إلى المنابر حتى يعتذر، قائلاً: "عن أي شيء أعتذر؟! هل أعتذر عن قول الله تعالى: (ومن يبتغ غير الإسلام ديناً فلن يُقبل منه وهو في الآخرة من الخاسرين؟)".

وحول دعوة نواب لمحاسبة الأزهر له، قال إنه مستعد للمحاسبة أمام هيئة كبار علماء الأزهر الشريف، وأردف: "لو أثبتوا أني مخطئ فسأخلع عمامتي ولن أتكلم في الدين مرة أخرى".

وأعلنت شبكة قنوات المحور الفضائية اعتذارها عن تصريحات الشيخ سالم عبد الجليل عن تكفير المسيحيين، وقررت إدارة قناة المحور التعاقد مع عبد الجليل، وأعلنت في بيان مساء الأربعاء، أن "ما جاء على لسانه من تراشق مع عقيدة الإخوة المسيحيين غير مُعبِّر عن رسالة القناة".

ردود الفعل المسيحية

لاذت الكنيسة الأرثوذوكسية بالصمت ورفضت التعليق على تصريحات سالم عبد الجليل، وبرر "مصدر كنسي" لـ"عربي بوست" ذلك بقوله إن "الكنيسة لا تريد أن تكون خصماً لأحد وتكتفي بدفاع مسلمين عنها".

ولكن القس عادل حنين، من محافظة المنيا، ردَّ على الشيخ عبد الجليل، في مداخلة هاتفية على قناة دريم، صباح الخميس متسائلاً: "العقيدة التي تنادي بالمحبة للأعداء، والتي تنادي بالتسامح لكل الناس التي تسيء إليهم، لا يمكن أن تكون عقيدة فاسدة. عقيدة ناس كنائسهم بتتفجر وبناتهم بتتخطف، وإهانات وإساءات كثيرة جداً حتى في الوظائف، مش ممكن تكون عقيدة فاسدة".

كذلك، تقدَّم رئيس منظمة الاتحاد المصري لحقوق الإنسان، المستشار نجيب جبرائيل، والذي يوصف بأنه "محامي الكنيسة"، ببلاغ للنائب العام ضد عبد الجليل، وتضامن مع البلاغ عشرات الشخصيات من المسلمين والمسيحيين.

وحول احتمالات سحب بلاغه بعدما قدم الشيخ اعتذاره عن جرح مشاعر الأقباط، نفي نجيب جبرائيل نيته سحب بلاغه للنائب العام، وقال إنه يرفض هذا الاعتذار.

وقال لـ"عربي بوست": "عبد الجليل ما زال يزدري الديانة المسيحية، وبيان اعتذاره لم يتضمن اعتذاره عن وصف عقيدة المسيحيين بأنها فاسدة؛ لذلك سأستمر في بلاغي وسأطالب النيابة بتحديد جلسة جنحة مباشرة ازدراء أديان في القريب العاجل".

مواقف سابقة لعبد الجليل أثارت الجدل

في ديسمبر/كانون الأول 2014، وفي برنامج يقدمه طوني خليفة، قال الشيخ عبد الجليل في حضور قس مسيحي، إنه يؤمن بالإنجيل والتوراة التي نزلت على المسيحيين واليهود قبل بعثة النبي محمد صلى الله عليه وسلم، ولكنه يكفر ولا يؤمن بالإنجيل الحالي الذي حُرّف.

وسبق للشيخ سالم عبد الجليل أن نشر على حسابه بفيسبوك فتوى مصورة، يقول فيها بمنع فض الاعتصامات بالدم وإزهاق الأرواح.

ونفى مشاركته في محاضرات للضباط والجنود تحض على فض الاعتصام بالقوة، وأشار إلى أن الفيديو المتُداول على صفحات فيسبوك وتويتر حينئذ ويبيح قتل المتظاهرين "مزعج ولعين ولن يُسامح من قام بتلفيقه"، وكشف أن زوجته وأولاده الثلاثة كانوا يترددون على اعتصام ميدان رابعة العدوية، مشدداً على أنه "لا يمكن أن أحلَّ دم إنسان كائناً من كان".

خامس قضية ازدراء أديان لمشاهير في عامين

وشهدت الفترة من عام 2015 وحتى مارس/آذار 2016 محاكمة عدد من مشاهير الكتّاب وأطفال والشيخ "ميزو" بتهمة ازدراء الأديان وتم الحكم بحبس أغلبهم، وصلت إلي 5 قضايا لمشاهير بخلاف 9 قضايا أخرى تحدثت عنها منظمات حقوقية.

آخر من حوكم بهذه التهمة هو الشيخ محمد عبد الله، المعروف بالشيخ ميزو، بسبب بيان أصدره "نصر" عبر صفحته على فيسبوك، وعوقب بالسجن 5 سنوات.

كما حوكمت الكاتبة فاطمة ناعوت، التي صدر حكم بحبسها 3 سنوات وتغريمها 20 ألف جنيه، بعد سخريتها من شعيرة ذبح الأضحية. أيضاً، أصدرت محكمة مصرية حكماً بسجن الباحث إسلام بحيرى 3 أعوام خُففت إلى عام؛ بسبب تشكيكه في مصادر الأحاديث النبوية. وفي مارس/آذار 2016، عوقب 4 أطفال أقباط بالحبس 5 سنوات؛ بسبب مقطع فيديو يقلدون فيه الصلاة في الإسلام، فيما قال محاموهم إنهم سخروا من "داعش" لا الصلاة.

مشكلة المادة 98 من الدستور

وسبق أن أدانت 26 منظمة وحزباً تصاعد قضايا ازدراء الأديان، وطالبت بإلغاء إحدى فقرات المادة 98 من قانون العقوبات، والتي تعاقب بالحبس بين 6 أشهر و5 سنوات أو بغرامة لا تزيد على 1000 جنيه، من يستغل الدين في الترويج لأفكار متطرفة بقصد إثارة الفتنة أو تحقير أو ازدراء أحد الأديان السماوية.

وتقول "المبادرة المصرية للحقوق الشخصية" إنها رصدت 9 قضايا منذ يناير/كانون الثاني 2015، أُدين فيها 12 متهماً، 11 قضية ما زالت منظورة أمام النيابة العامة، بخلاف الحالات التي اقتصرت على العقاب الإداري فقط خاصة بازدراء الأديان.

تحميل المزيد