العُرس الفلسطيني

جميل أن نفرح، وبالأخص في هذه المناسبات السعيدة، لكن يجب علينا أن نعلم أننا لا نعيش بمفردنا في هذا المجتمع، ويجب أن نعلم أيضاً أن حريتنا تنتهي عندما تمس حرية الآخرين، ويجب أن نعلم أن إغلاق الشوارع العامة بحجة الأعراس لا يجوز، فهناك الكثير من الصالات المخصصة لهذا الغرض.

عربي بوست
تم النشر: 2017/05/10 الساعة 02:47 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2017/05/10 الساعة 02:47 بتوقيت غرينتش

العُرس الفلسطيني

من أعظم النعم التي أنعم الله بها علينا نعمة الزواج، يقول الله -عز وجل- في كتابه الكريم: "وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجاً لِتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ" [الروم: 21]، ويقول أيضاً: "وَاللَّهُ جَعَلَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجاً وَجَعَلَ لَكُمْ مِنْ أَزْوَاجِكُمْ بَنِينَ وَحَفَدَةً وَرَزَقَكُمْ مِنَ الطَّيِّبَاتِ" [النحل: 72].

والمتمعن في هذه الآيات الكريمة يستشعر قيمة هذه النعمة التي وصفها الله -سبحانه وتعالى- بأنها آية من آياته، وفي الحديث الشريف: (عَنْ عَبْد الله بن مسعود قال: كُنَّا مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهم عَلَيْهِ وَسَلَّمَ شَبَاباً لَا نَجِدُ شَيْئاً فَقَالَ لَنَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهم عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَا مَعْشَرَ الشَّبَابِ مَنِ اسْتَطَاعَ الْبَاءَةَ فَلْيَتَزَوَّجْ فَإِنَّهُ أَغَضُّ لِلْبَصَرِ وَأَحْصَنُ لِلْفَرْجِ وَمَنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فَعَلَيْهِ بِالصَّوْمِ فَإِنَّهُ لَهُ وِجَاءٌ).

وإذا كان الله قد أنعم علينا بهذه النعمة العظيمة، فمن الواجب علينا أن نقابلها بالحمد والشكر وألا نكون من الجاحدين، فالله -عز وجل- هو خالقنا، وهو أعلم بتكويننا وباحتياجاتنا الجسدية والنفسية والاجتماعية.

ومن الطبيعي أن يحتفل الإنسان بهذه المناسبة التي تعتبر بالنسبة له بمثابة أول خطوة لبناء أسرة والشعور بالسكن والاستقرار، ويختلف كل مجتمع عن الآخر في شكل الاحتفال بهذه المناسبة، وأما في مجتمعنا فكان الاحتفال بالزواج له طابع خاص؛ لما يمثله من تمسك بالعادات والتقاليد وإظهار التراث الفلسطيني في أزهى ثيابه، والذي يعتبر حلقة الوصل بين الماضي والحاضر، وتمسكنا بالأرض والهوية، وأما في هذه الأيام فنرى عجب العجاب!

نحن كمجتمع فلسطيني لنا عاداتنا وتقاليدنا ولنا تراثنا الجميل الذي نفتخر به ونعتز به، ولكن بالنظر إلى أفراحنا، وخصوصاً ما يسمى "سهرة الشباب"، نجدها تحللت من كل القيم والعادات، بل ولم يعد لتراثنا الجميل أي أثر.

إن ما نسمعه من أغانٍ في تلك السهرات يدل على الحالة السيئة التي يمر بها مجتمعنا، حالة التخلص من كل ما هو أصيل والتنصل من تراثنا العريق، فما عدنا نرى الدبكة الفلسطينية الجميلة، ولا نستمع لأغاني الأعراس الفلسطينية الأصيلة التي لها معانٍ ومدلولات، وانجرافنا نحو التقليد الأعمى لكل ما هو جديد، حتى ولو كان على حساب تراثنا الشعبي الذي يمثل هويتنا الفلسطينية المستقلة، والذي لطالما افتخرنا به أمام الأمم.

إن أغلب ما يميز سهرات الشباب في أفراحنا اليوم هو الصوت العالي، والضجيج المصاحب للموسيقى الصاخبة، مع بذاءة الكلمات التي ليس لها أي معنى، بل على العكس فبعض الكلمات ما هي إلا عبارة عن وصلة من الشتائم والمسبات القذرة، مع يقيني الشديد بأن الكثير من الناس لا يعرفون معنى هذه الكلمات، ولو عرفوا محتواها ومعناها لكفّوا خجلاً أن يتغنوا بهذه الكلمات بمدلولاتها القذرة التي تدل على تفاهة وانحطاط مَن كتبها، ومَن غناها، وعلى سذاجة مَن يسمعها ويتراقص عليها، كما أنها تدل على حالة الجهل والعَتَه التي نعيشها في هذه الأيام.

جميل أن نفرح، وبالأخص في هذه المناسبات السعيدة، لكن يجب علينا أن نعلم أننا لا نعيش بمفردنا في هذا المجتمع، ويجب أن نعلم أيضاً أن حريتنا تنتهي عندما تمس حرية الآخرين، ويجب أن نعلم أن إغلاق الشوارع العامة بحجة الأعراس لا يجوز، فهناك الكثير من الصالات المخصصة لهذا الغرض.

كما أن نصب المسارح والسماعات العالية والغناء والرقص حتى منتصف الليل أو يزيد في الشوارع يؤذي الجيران، فهناك المريض، وهناك الطالب الذي يدرس، وهناك مَن يريد أن ينام؛ ليستيقظ مبكراً ليتوجه إلى عمله، وهناك الكثير والكثير من الناس الذين ينزعجون من الصوت الصاخب، لماذا نجبر كل هؤلاء الناس ونجعلهم تحت رحمتنا بحجة العرس وسهرة الشباب؟!

ليتنا نعود إلى قيمنا وأخلاقنا الجميلة، وتكون احتفالاتنا بمناسبة الزواج احتفالات من واقع تراثنا الفلسطيني الذي ينعش ذاكرتنا، ويرسم صورة الوطن الجميل في مخيلتنا ووجداننا.

أخي الشاب المقبل على الزواج.. إذا كان الله قد أنعم عليك بنعمة الزواج، فلا تقابل هذه النعمة بالمعصية وإيذاء الجيران، حتى يبارك لك الله في زواجك، ويرزقك الذرية الصالحة.

أسأل الله العلي العظيم أن يحفظ شبابنا ويوفقهم لما فيه الخير والصلاح، وأن يهديهم سبل الرشاد، إنه على كل شيء قدير.

ملحوظة:

التدوينات المنشورة في مدونات هاف بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.

تحميل المزيد