مَن هو جيل الإنقاذ؟

هذا الواقع المر أيضاً، يدفع بفئة مهمة أيضاً للتفكير في الهجرة، تجد مراهقاً نزع من قلبه حبه للوطن، وبات يمنّي خياله الصغير بالهجرة من هذا الجحيم الذي لا يطاق، فيخوض غمار تجربة الموت في ظلمات البحر، فإما أن يموت، وإما أن يعيش تجربة مرة من الاضطهاد والتشرد في ديار المهجر.

عربي بوست
تم النشر: 2017/05/08 الساعة 04:16 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2017/05/08 الساعة 04:16 بتوقيت غرينتش

في مغربنا الحبيب، نسبة الشباب تتعدى 40%، ومن المؤكد أن نسبة كهذه تخفي في طياتها شباباً مبدعاً، غيوراً، مناضلاً، لكن "المحزن" للأسف شتت هذه النسبة، وتركها ضعيفة وهشة، لدرجة أنه تقريباً لا يوجد لها تأثير، فئة من هؤلاء الشباب يتم امتصاص حماستهم عبر التخدير، وإغراقهم في دوامة التعاطي للمخدرات، بحيث يصبح هم هذا الشاب المدمن هو بذل جهده في تأمين جرعات متتالية منها كل يوم.

فئة أخرى غارقة في البطالة، ونسبة منهم شباب عندهم دبلومات وشواهد، يجدون أنفسهم في مواجهة الواقع الكريه، يضطرون للخروج للبحث عن لقمة العيش، بحيث يصبح هم هذا الشاب هو بذل جهده لتأمين كسرة الخبز له ولعائلته.

وأحياناً يتجمع الفقر المدقع مع الإدمان وتلك مصيبة أعظم.

وفوق من هذا هناك فئة غيورة نوعاً ما، شباب غالباً يكون لديهم حس حركي، ورصيد فكري لا بأس به يحاولون النشاط ضمن أحزاب أو جمعيات، أو منظمات، وهذه الفئة متحكم فيها بطريقة غير مباشرة، بحيث يتم حشرهم ضمن نطاق ضيق يخوضون فيه معارك طويلة فارغة تستنزف جهدهم، لكنها ذات أثر محدود، وكثيراً ما تكون غير صائبة.

هذه فئات مختلفة، وأكيد هناك فئات أخرى متنوعة، والنقطة المشتركة بينها هي غياب تأطير وغياب ترشيد لهذه الطاقات الواعدة، وغياب الرقابة كذلك، هذا الوضع المزري ينتج عنه كبت مستمر يظل يختنق ويجتمع في صدور الشباب، وكل واحد فيهم يعبر عنه بطريقة معينة.

من مظاهر التعبير عن هذا الكبت الكتابة على الجدران في وقت متأخر من الليل، وعلى أسوار الثانويات والجامعات، وداخل المراحيض وفوق الطاولات، ففي ظل غياب فضاء للتعبير، يتحين الشاب فرصة للتعبير عما بداخله.

وللأسف هناك مظاهر أخرى أكثر فظاعة مثل التدخين، للتعبير عن الرجولة، والتسكع في الشوارع، وأحياناً للانخراط في تكتلات إجرامية تمارس السرقة وحتى القتل.

هذا الواقع المر أيضاً، يدفع بفئة مهمة أيضاً للتفكير في الهجرة، تجد مراهقاً نزع من قلبه حبه للوطن، وبات يمنّي خياله الصغير بالهجرة من هذا الجحيم الذي لا يطاق، فيخوض غمار تجربة الموت في ظلمات البحر، فإما أن يموت، وإما أن يعيش تجربة مرة من الاضطهاد والتشرد في ديار المهجر.

ويجب ألا ننسى أن فئة عريضة جداً ترمي نفسها للموت عبر طريقة أخرى أكثر فظاعة، وذلك من خلال الانضمام لمجموعة من التنظيمات الإرهابية عبر العالم وخاصة في الشرق الأوسط، فيتحول الشاب بين ليلة وضحاها إلى قنبلة حية متحركة يمكن أن تنفجر في أي لحظة، والأمر يكون أشد قسوة حين يكون الشاب حاملاً لخلفية فكرية صارمة تدفعه إلى أن يحكم على المجتمع بالموت، هذه الخلفية تنفضح بسرعة وتطفو هشاشتها على السطح مع أول اختبار حقيقي.

ورغم ذلك فإن التنظيمات نفسها تمارس أساليب إغرائية جداً تمكنها من جذب الشباب إليها، خصوصاً من الناحية المادية، فتتحول أسرة الشاب في لحظة من العوز المدقع إلى الغنى والرفاهية، لكن للأسف تبقى أكبر جريمة هي تبديد أرواح الشباب في حروب سيئة التخطيط والتسديد، لا تنصر مظلوماً ولا تردع ظالماً.

الشباب فئة مهمة جداً، وركيزة لا يمكن لأي مجتمع العيش بدونها، ويجب تأطيرها واحتضانها ومنحها الثقة، وإشعارها بروح المسؤولية الملقاة على عاتقها هو أعظمُ رأسمال تملكه أمة الإسلام.

واجبنا كمجتمع مدني التحرك في حملات ميدانية كبيرة ومؤثرة من أجل إحاطة هذه الفئة بالرعاية اللازمة، وتوفير حاضنة اجتماعية متعددة الروافد تشد على يد الشباب الصاعد، وتمكنه من بناء وتكوين شخصية متوازنة وفاعلة في المجتمع ومساهمة في العمل السياسي، إن كان هناك عمل سياسي حقيقي وراشد من خلال فضاءات متعددة من مسارح ودور للشباب ومساحات للرياضة والترفيه.

والعمل أيضاً على إعادة صياغة وتكوين العقل الشبابي من خلال أنشطة ثقافية وفكرية، كما ينبغي أن نعيد وصل العلاقة المقطوعة مع القراءة والكتاب بشكل عام، وتوفير كتب ومكتبات بشكل متاح وسهل في الطرقات والأماكن العامة.

وأخص بالذكر هنا فئة تتطلب احتضاناً عاجلاً وتدخلاً سريعاً، وهم مدمنو المخدرات، فما دمنا لا نملك سلطة لمنع ترويج هذه السموم، وما دامت الدولة تدعم هذه التجارة المدمرة، فينبغي لنا أن ننزل إلى الميدان ونخاطب هذه الفئة خطاباً صارماً ورحيماً في نفس الوقت، وأن نعمل على ملء فراغهم النفسي والروحي، وتوعيتهم، والعمل على إدماجهم في المجتمع، وإشراكهم في حملات الغاية منها إبعادهم عن الجحيم الذي يسبحون في ويلاته.

كلها بدائل صعبة التحقق في ظل الأرضية الاستبدادية التي تخنق وتحاصر كل محاولة جادة من أجل البناء الواعي، لكن الحصار ليس عذراً دائماً ولا يمكننا أن نظل مختبئين خلف خوفنا من الفشل ومن إقبار مبادراتنا، بل يجب أن نحاول ونستمر في المحاولة حتى نكون جيلاً قادراً على إنقاذنا من براثن الاستبداد الجاثم على صدورنا، جيلاً قادراً على حمل العبء والسير لمسافات طويلة حتى نقض بنيان هذا الاستبداد القروني، جيلاً قادراً على تحمّل المسؤولية الواردة في حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم: "نصرني الشباب وخذلني الشيوخ".

ملحوظة:

التدوينات المنشورة في مدونات هاف بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.

تحميل المزيد