يبدو أن أكراد العراق سيكونون الأكثر استفادة من الحرب ضد تنظيم داعش إذ يستعد قادتهم لإجراء استفتاءٍ على الاستقلال بعد الهزيمة المُتوقَّعة لتنظيم (داعش)، في خطوةٍ قد تُعجِّل بنهاية العراق الحديث.
وقال مسؤولون أكراد بارزون لصحيفة التايمز البريطانية أنَّهم سيُعلنون قريباً موعداً للاستفتاء من أجل متابعة قضيتهم بالاستقلال عن بغداد، وفي حوزتهم مساحة كبيرة من الأراضي التي يسيطرون عليها بعد استعادتها من داعش.
وأصدر الحزبان الكرديان المتنافسان في مطلع أبريل/نيسان 2017 بياناً مشتركاً أعلنا فيه دعمهما لخطة إجراء استفتاء، وتركا مسألة الإعلان عن توقيته لحين الاتفاق مع جماعات كردية أخرى أصغر، حسب تقرير لصحيفة الشرق الأوسط السعودية.
وقال هوشيار زيباري، وزير الخارجية والمالية العراقي السابق، والذي عُزِل من الحكومة العام الماضي 2016 للصحيفة البريطانية :"فقدنا الأمل في العراق الجديد".
وأضاف زيباري إنَّ الاستفتاء سيكون على الأرجح في الخريف، حيث يُتوقَّع أن تكون عمليات استعادة الموصل، التي تلعب فيها قوات البيشمركة الكردية دوراً رئيسياً، قد اكتملت.
كركوك الغنية بالنفط
وقال هيمن هورامي، المستشار البارز لرئيس إقليم كردستان العراق، مسعود بارزاني، إنَّ الاستفتاء سيمتد إلى مناطق خارج منطقة الحكم الذاتي الكردية المُعتَرَف بها لكنَّها تخضع في الوقت نفسه للسيطرة الكردية، بما في ذلك المحافظة الغنية بالنفط، كركوك.
ووفقاً للدستور العراقي الصادر 2005، كان يجب أن يجري الاستفتاء حول بقاء كركوك جزءاً من العراق أو أن تصبح جزءاً من منطقة الحكم الذاتي الكردية قبل عقدٍ من الزمن. لكنَّه لم يُجر قط. وأشارت نتائج استفتاءٍ غير رسمي في العام نفسه إلى رغبة نسبة 98.8% في الاستقلال عن العراق.
ولم تساهم المواجهة مع بغداد حول قضية تقاسم العائدات، والتي تسبَّبت في عدم دفع رواتب المقاتلين الأكراد خلال محاربتهم لداعش، سوى في تعميق الشعور الكردي بالاغتراب عن بقية العراق، حسب الصحيفة البريطانية.
والآن، يمكن أن تصبح كركوك، وإيراداتها النفطية المهمة، أساساً منطقياً لمحاولةٍ اقتصادية قابلة للتطبيق من أجل تحقيق الاستقلال.
والشهر الماضي، أبريل/نيسان 2017، رُفِع العلم الكردي للمرة الأولى فوق كركوك، فيما يبدو أنَّه بالون اختبار. وأثار هذا رد فعلٍ غاضِب من الحكومة التي يقودها الشيعة في بغداد، فضلاً عن تركيا وإيران، وطالبت بإنزاله. إلّا أنَّ الأكراد رفضوا، وظلَّ العلم مرفوعاً.
أردوغان
وحذَّر الرئيس التركي رجب طيب أردوغان أكراد العراق من أنَّ علاقاتهما الدافئة سابقاً ستكون في خطر حال استمروا في مطالباتهم بالمدينة. وقال: "لا تبدأوا في الزعم بأنَّ كركوك تعود لكم، وإلّا سيكون الثمن باهظاً".
ومع ذلك، يُصر المسؤولون الأكراد على أنَّ دورهم الحاسِم في المعركة ضد داعش قد أكسب قضيتهم تعاطفاً خارجياً. فقال زيباري: "إنَّنا جادون، ويأخذنا الجميع على محمل الجد هذه المرة. وقد طلبنا: إذا كنتم لا تدعموننا، فمن فضلكم لا تُعارضونا".
وقال هورامي إنَّ القضية "نُوقِشت بجدية" حينما التقى بارزاني نائب الرئيس الأميركي، مايك بينس، في مدينة ميونخ الألمانية هذه السنة، 2017. وأُجريت مناقشاتٌ مع وزارة الخارجية البريطانية كذلك.
مساومات
وقال زيباري إنَّ التصويت لن يتبعه أي إعلانٍ فوري للاستقلال، بل مفاوضاتٌ مع بغداد بشأن مستقبل علاقاتهما، مُثيراً بذلك إمكانية التوصُّل إلى تسوية.
وأشار مسؤولون أكراد إلى أنَّ ذلك قد يتضمَّن التخلّي سلمياً لبغداد عن أراضٍ ذات غالبية عربية تخضع حالياً لسيطرة الأكراد، مقابل الاعتراف بنتائج الاستفتاء.
ومع ذلك، فإنَّ أي استفتاءٍ سيعتريه التعقيد بسبب الاتهامات بأنَّ القوات الكردية طهَّرت، وبصورةٍ مُمَنهَجة، القُرى التي سيطرت عليها من سُكَّانها العرب، في محاولةٍ لقلب التركيبة الديموغرافية لصالحهم. واتهمت منظمة هيومان رايتس ووتش القوات الكردية باستغلال المعارك ضد داعش للاستيلاء على الأراضي في المناطق المُختلطة عِرقياً، قائلةً إنَّ التدمير المُتعمَّد للقُرى العربية قد يرقى إلى جريمة حرب.
ولا تزال إمسره، التي فرَّت من مدينة زمار، بالقرب من سنجار، حينما تقدَّم داعش في 2014، تُقيم مع عائلتها في مُخيِّمٍ للنازحين، بعدما دمَّرت القوات الكردية منزلهم، الأمر الذي يمنعهم من العودة.
وقالت: "داعش إرهابيون، ولا نحبهم. لكنَّ البيشمركة دمَّروا منازلنا، إنَّهم لا يرغبون في عودتنا. إنَّهم هُم من دمَّروا حياتنا".
ولم تساهم جرائم داعش إلّا في تغذية المشاعر القومية الكردية والشعور المناهِض للعرب. وقال بينار، 19 عاماً، وهو طالب في عاصمة إقليم كردستان العراق، أربيل، بينما يضع بفخرٍ شارةً للعلم الكردي على طية صدر سترته: "أنظروا إلى ما حدث لشعبنا في ظل حكم صدام حسين ثُمَّ داعش".
وأضاف: "لا أثق في العرب، ولن أثق بهم أبداً".
غير أنَّ البعض الآخر أكثر تشكيكاً، ويرون الحديث عن الاستقلال إلهاءً عن المشكلات الأخرى التي يواجهها إقليم كردستان، بما في ذلك الخلل السياسي، والأزمة المالية، والصراع الطائفي.
تقسيم العراق
وقد لعب الأكراد دوراً رئيسياً في الحملة التي تدعمها الولايات المتحدة لهزيمة تنظيم داعش، الذي اجتاح ثلث الأراضي العراقية تقريباً، قبل ما يقرب من ثلاث سنوات، قبل أن تنحصر المعركة في الموصل التي أعلن منها تنظيم داعش إقامة دولته في بعض الأراضي العراقية والسورية.
وأشارت صحيفة الشرق الأوسط إلى أنه في حين أن سقوط الموصل سيقضي فعلياً على حضور "داعش" في العراق، فإنه لن يحل انقسامات عميقة على السلطة والأراضي والموارد بين مكونات العراق، خصوصاً أنه في ضوء سيطرة القوات الكردية على مساحات أوسع تمت استعادتها من التنظيم سيزيد هذا الاستفتاء من الأسئلة المطروحة عن وحدة العراق بعد إخراج المتطرفين من مدينة الموصل.
ويعارض العراق منذ زمن بعيد استقلال الإقليم الكردي، وتعارضه كذلك إيران وتركيا وسوريا، خشية أن تنتشر العدوى بين الأقليات الكردية في هذه الدول، خصوصاً أن أكراد العراق حققوا تقدماً نحو تحويل حلم الاستقلال إلى واقع ملموس.
ويدير الأكراد شؤونهم في الشمال من خلال حكومة إقليم كردستان تحت قيادة مسعود بارزاني زعيم الحزب الديمقراطي الكردستاني، كما أن للأكراد قواتهم المسلحة المعروفة باسم "البيشمركة"، التي منعت تنظيم داعش في عام 2014 من الاستيلاء على محافظة كركوك النفطية بعد فرار قوات الجيش العراقي.
وفي يونيو/حزيران 2016 ، قال مسرور بارزاني رئيس مجلس الأمن في كردستان وابن رئيس الإقليم إنه يجب تقسيم العراق إلى ثلاثة كيانات منفصلة لمنع سفك المزيد من الدماء، على أن يكون لكل من الشيعة والسنَّة والأكراد دولهم الخاصة.
ويتركز الشيعة في جنوب العراق، بينما يتركز كل من السنة والأكراد في شطر من شطري شمال العراق، في حين يختلط السكان في المنطقة الوسطى حول العاصمة بغداد.
وتورط الأكراد في الصراع مع داعش بعد تقدم التنظيم في العراق حيث أرسلت حكومة إقليم كردستان العراق قوات البيشمركة لقتال الدولة الإسلامية في المناطق التي تراجع منها الجيش العراقي.
وكانت الاشتباكات بين البيشمركة وتنظيم الدولة الإسلامية صغيرة، حتى كثف التنظيم من هجماته في أغسطس/آب 2014. وانسحبت قوات البيشمركة بعد الهزيمة، فاستولى التنظيم على العديد من البلدات التي تسكنها أقليات دينية، من بينها سنجار التي كان يسكنها الآلاف من الإيزيديين.
وبعد ذلك، أطلقت الولايات المتحدة سلسلة من الهجمات الجوية على شمالي العراق، وأرسلت خبراء عسكريين، خوفاً من حدوث مجزرة ضد الإيزيديين بعد انسحاب البيشمركة.
كما أرسلت الدول الأوروبية أسلحة لدعم قوات البيشمركة. كما انضم إلى جهود المساعدة مقاتلو وحدات الحماية الشعبية من أكراد سوريا، ومقاتلو حزب العمال الكردستاني في تركيا.
أكراد العراق المميزون
ويمثل الأكراد حوالي 15 أو 20 في المئة من السكان العراقيين. وتاريخياً، كان للأكراد العراقيين امتيازات مدنية مقارنة بالأكراد المقيمين في الدول المجاورة، إلا أنهم تعرضوا لقمع شديد، حسب تقرير لـ"بي بي سي".
وثار الأكراد في شمال العراق ضد الحكم البريطاني في فترة الانتداب، لكنهم قمعوا. وفي عام 1946، أسس الملا مصطفى بارزاني الحزب الديمقراطي الكردستاني كوسيلة سياسية للنضال من أجل الاستقلال في إقليم كردستان العراق.
وبعد ثورة عام 1958، اعترف الدستور الجديد بالقومية الكردية، لكن الحكومة المركزية رفضت خطة بارزاني للحكم الذاتي، فأعلن حزبه القتال المسلح عام 1961.
وفي عام 1970، عرضت الحكومة اتفاقاً على الأكراد بإنهاء القتال ومنحهم منطقة حكم ذاتي. لكن الاتفاق انهار واستئونف القتال عام 1974.
وبعد هزيمة العراق في حرب الخليج عام 1991، اشتعلت انتفاضة واسعة في مناطق العراق ومنها كردستان ولشدة قمع الدولة لهذه الانتفاضة، فرضت الولايات المتحدة وحلفاؤها منطقة حظر جوي على شمال العراق، مما سمح للأكراد بالتمتع بحكم ذاتي. واتفق الحزبان الكرديان على تقاسم السلطة، لكن الصراعات احتدمت، واشتعل صراع داخلي عام 1994، دام لأربع سنوات.
وتعاون الحزبان مع قوات الغزو الأميركي للعراق عام 2003، التي أطاحت بصدام حسين، وشاركا في كل الحكومات التي شكلت منذ ذلك التاريخ. كما شاركا في التحالف الحاكم في الحكومة الإقليمية الكردستانية، التي شكلت عام 2005 لإدارة مناطق دهوك وأربيل والسليمانية.
وبعد هجوم تنظيم داعش في يونيو/حزيران 2014، أرسلت الحكومة الكردية قوات البيشمركة إلى مناطق الصراع التي كان يسيطر عليها الأكراد والحكومة العراقية، ثم طلبت من البرلمان الكردي الإعداد لاستفتاء على الاستقلال.