"حنان ماتت وهي تدافع عن شرفها، ولم يتمكن قاتلها من كسر شوكتها"، هكذا تحدَّث الزوج شكري السالمي عن فراق زوجته وأم أولاده من محافظة القيروان (وسط تونس).
تحدَّث السالمي معلقاً على جريمة هزَّت الشارع التونسي، راحت ضحيتها زوجته، بعد أن حاول المتهم اغتصابها نهاراً بمقبرة المدينة.
المتهم هو سجين سابق تمتَّع بالعفو الرئاسي العام، ولم يمر على خروجه من السجن بضعة أشهر، تورَّط قبلها في جرائم اغتصاب وحكم عليه بالمؤبد.
الضحية كما يقول زوجها لـ"عربي بوست"، كانت أُمّاً لثلاثة أطفال، أصغرهم لم يتجاوز سن الخامسة، ولا يزال يعاني من صدمة نفسية إثر وفاة والدته.
المؤلم في حكاية حنان، كما يقول زوجها، أن "قاتلها المحكوم بالمؤبد دخل السجن لارتكابه جريمة اغتصاب في حق 3 أشقاء -شابتين وطفل- ليخرج، في شهر ديسمبر/كانون الأول 2016، بعد قضاء عقوبة بنحو عشرين سنة في إطار العفو الرئاسي الذي أصدره الرئيس الباجي قائد السبسي، رغم سجله الجنائي الخطير".
الجريمة طرحت سؤالاً، حول معايير إعطاء هؤلاء العفو رغم فداحة الجرائم التي قاموا بها سابقاً.
حادثة أخرى لا تقلُّ بشاعةً عن حادثة حنان، تورَّط فيها أحد الخارجين من السجن بعفو رئاسي، خلال فترة حكم الرئيس التونسي السابق المنصف المرزوقي، ليرتكب بمجرد خروجه من السجن جريمة قتل راح ضحيتها شاب في مقتبل العمر، مما دفع والدَ الضحية إلى التقدم بشكوى قضائية ضد الرئيس التونسي السابق بتهمة التساهل والاستهتار.
مَن يتحمَّل المسؤولية؟
قال محامي والد الضحية، منير بن صالحة لـ"عربي بوست"، إن القضية لا تزال في دوائر المحكمة، ولم يتم البتُّ فيها، وأوضح أن الجاني دخل للسجن بتهمة محاولة قتل ابن موكله، ليخرج بعد ذلك في عفو رئاسي ويكمل جريمته بطريقة شنيعة.
بن صالحة اعتبر أن ارتكاب السجين المتمتِّع بالعفو نفسَ الجرم بعد خروجه من السجن يشير إلى "خلل فادح وخطأ في التقدير من المنظومة السجنية، واللجنة الموكل لها إصدار قائمة العفو، فضلاً عن الجهات القضائية والمؤسسة الرئاسية التي تصادق على القائمة، والتي من المفروض أن تعمل كلها ضمن معايير دقيقة تؤدي إلى إسناد العفو لمستحقيه"، حسب تصريحه.
وقال المحامي، إن المسؤولية في مثل هذه الحالات تتحمَّلها بصفة أكبر لجنة العفو ووزارة العدل، داعياً السلطة التنفيذية إلى تعزيز هذه اللجان بخبرات تونسية وأجنبية، في مجال الإصلاح والتأهيل النفسي والاجتماعي للسجناء داخل المؤسسة السجنية.
وتابع قائلاً: "مع الأسف السجون التونسية في وضعها الحالي لا تُعلِّم وتُصلح، بل هي حاضنة لتفريخ المجرمين، وكليات لتعليم الإجرام"، وتساءل في ذات السياق: "كيف يمكن إصدار عفو عن مجرمين ارتكبوا جرائم قتل واغتصاب، ثم أطلق سراحهم ليتجولوا أمام أعين ضحاياهم وعائلاتهم، في استفزاز صارخ لمشاعرهم".
الإطار القانوني للعفو الرئاسي
قال المحامي مالك بن عمر لـ"عربي بوست"، إن مقتضيات الفصل 371 من مجلة الإجراءات الجزائية تنص على أن العفو الخاص هو "إسقاط العقاب المحكوم به، أو الحطّ من مدته، أو إبداله بعقاب آخر أخفّ منه نصَّ عليه القانون، وهو إجراء ينفرد به رئيس الجمهورية، طبق الفصل 77 من الدستور الجديد".
وأوضح المتحدث، أن "الفصل يعطي حق إسقاط العقوبة لرئيس الجمهورية بناء على تقرير من كاتب الدولة للعدل، بعد أخذ رأي لجنة العفو".
وأشار بن عمر إلى أن رئيس الجمهورية يمارس هذه الصلاحية عبر لجنة خاصة مكلفة بالعفو، تتكون من وزارة العدل، لدراسة مطالب العفو الصادرة عن المساجين واختيار الحالات التي تنطبق عليها معايير العفو المعدَّة مسبقاً من قبل رئاسة الجمهورية.
بعد الدراسة والاختيار يتم ضبط قائمة للمساجين المتمتعين بالعفو، ليتم إحالتها إلى رئاسة الجمهورية للتوقيع عليها وإصدارها في المناسبة التي تقرر فيها ذلك.
وحذَّر محدثنا في ختام قوله من تنامي مشكلة العودة إلى الجريمة من قبل المتمتعين بالعفو الخاص، باعتبارها "تمثل إشكالاً حقيقياً يدعو إلى ضرورة التريُّث والتعقل قبل إصدار قرار العفو، خاصة عن المحكومين من أجل جرائم خطيرة فيها مساس بأمن المجتمع".
ودعا بن عمر، في الإطار نفسه، رئاسة الجمهورية لـ"ممارسة هذه الصلاحية بعيداً عن الحسابات السياسية".