الحياة هبة الرحمن لنا، وفرصة تتجدد كل يوم؛ للسعي نحو الرقي، كل ثانية منها هدية يمكنك تقديرها فتسعد، أو لعنها فتضيق نفسك أكثر، لكننا عندما نضع نمطَ عيش الأشخاص تحت المجهر، ونقرب الصورة أكثر نجد أنها لوحة باهتة قديمة تفتقر للروح وللحياة، أيضاً تسير في منحى واحد فقط، وكأنها نسخ مكررة أو دائرة مغلقة، تبدأ بالوجود في الطفولة ثم الدراسة، فالشهادة، ثم العمل يليه الزواج والإنجاب ثم الانصهار في تربية الأبناء؛ حيث تتم برمجتهم بغرس اعتقادات وخلفيات متوارثة عبر الأجيال دون أدنى تمحيص أو تدبّر، فيكبر هؤلاء وتزداد المعاناة والغوص في مشاكلهم أكثر وعند هذه النقطة المفصلية، قد تطفو الكثير من العقد النفسية الدفينة للآباء وتنجلي أكثر الجرائم بشاعة على وجه الأرض عندما يغزو مبدأ السيطرة والسيادة على تلك العلاقة؛ حيث يتم التطاول على الإله واستغلال الدين لفرض رغبات الآباء، فيبدأ صراع الأجيال وقتال من أجل الظفر بالحرية، حرية العيش والتفكير، حرية الاختيار واتخاذ القرارات، دون تدخل من أحد، وقد ينتهي هذا النزال في غالب الأحيان بخسائر نفسية حادة قد تلازم الضحية بقية حياته إن لم يستفِق هذا الأخير من غيبوبته، ويتوقف عن لعب دور المغلوب على أمره، أو ذاك المضحي الذي يتأثر بما لا يؤثر فيه.
هنا قد ينتهي المشهد وتسدل الستارة، لا يهم الخوض في المرحلة الموالية؛ لأنها غالباً ما تكون مجرد انتظار لنقطة النهاية.. الموت.. هكذا يكون الشاب العربي قد استوفى جميع شروط الحياة الاجتماعية المتعارف عليها.. فلان درس ليعمل، وعمل ليجني المال، وضمن المال ليتزوج، وتزوج لينجب، وأنجب ليربي، وعاش ليموت بكل بساطة، ترى أين فلان من حياته!! حياة رتيبة بكل ما تحمله الكلمة من معنى صراعات متعددة لا متناهية على طول المشوار.
هل كان السيناريو واضحاً بما فيه الكفاية ليجعلك تطرح على نفسك ذاك السؤال الفلسفي العميق مَن أكون؟!
هل ما نعيشه حقاً يسمى حياة؟ هل يعقل أن تضيع جل حياتك وأنت مقيد في نمط حياة روتيني مكرر ملايين المرات؟ كيف يمضي بك العمر في وظيفة لا تريدها ولا تجد نفسك فيها؟ هل يعقل أن تضيع أجمل سنوات عمرك مع شريك لا تتقبله، تستيقظ كل يوم تنظر إلى وجهه، وتتمنى لو أن الزمن يعود بك؛ لتغير اختيارك هل يعقل أن تصبري على معاملة العنف والذل من زوج لا يقدر قيمتك خوفاً من رفض العائلة والمجتمع لفكرة الانفصال، كيف تجبر نفسك على أشياء أنت لا تريدها لتسعد الآخرين، وتسمع مجاملات مزيفة عابرة، هل هذا حقاً أنت؟ هل هذه الحياة التي ترضيك؟ هل تنام كل ليلة وأنت مفعم بالحماس تنتظر بزوغ فجر جديد؛ لتستيقظ في اليوم الموالي فتكمل مشوارك والشغف يملأ قلبك؟ إذا كان الجواب لا، فأنت حتماً ميت حضرت مراسم دفنك منذ سنوات مضت وما زلت تتوهم أنك على قيد الحياة، جسدك حي يرزق، لكن روحك وقيمتك تائهة بين كل الماديات المحيطة بك، حاول أن تنصت لروحك التي تستنجد، وتطلب منك البحث عنها لتتعرف عليها، أنت تبذل الكثير من الجهد للوصول لنتائج مختلفة في شتى ميادين حياتك، لكنك لا تبحث عنك مطلقاً، لا تتعمق في داخلك، في نفسك الحقيقية، وهي أَولى بتلك الجهود، كل الأجوبة موجودة عندك وتأبى أن تراها، فضلاً توقف، خذ نفساً عميقاً، فكر جيداً، وارسم طريقاً جديداً، اعرف وجهتك بدلاً من الهرولة وراء الأشياء والآخرين.
فكر ولو لمرة ماذا تفعله هنا؟ ما دورك؟ ما هي رسالتك؟ ما الذي تقدمه لهذا العالم؟ ما البصمة التي تريد تركها بعد مماتك؟ كيف تحصر الحياة بأسرها ووسعها في أكل وشرب وعمل.. هي حياة عابرة ولا تعاش إلا مرة واحدة؛ لذا هاجر من شبه حياة إلى حياة كاملة.. قبل أن ينفد عدادك وتلفظ آخر أنفاسك وأنت تحسب أنك تحسن صنعاً.
ملحوظة:
التدوينات المنشورة في مدونات هاف بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.