أنا سعيدة؛ لأنني شاهدتُ مفهوم الزواج يتطور، فقد اعتدنا أن الزواج لا يعدو كوْنَه معاملةً من المعاملات – فلا يكون إلا لتعزيز المنافع الاقتصادية أو الاجتماعية أو لإنجاب الأطفال – ولكن في الوقت الحاضر أصبح الناس يختارون بأنفسهم أن يلتزموا التزاماً أشبهَ بالقانوني بعضُهم تجاه بعض لأهدافٍ أكثر نُبلاً، وغَدَا كثيرٌ من الأشخاص يتزاوجون بِنِية العِشرة الطيبة والحب الدائم.
يا لَلأسف، ثمة العديدُ من السيدات اللاتي أعرفهنّ تزوجنَ، ثم بطريقة ما، ربما لقلة الوعي، توقَّعْنَ أنه يجب على أزواجهنّ أن يجعلوهنّ سعداءَ. وعندما تسوء الأمور – وغالباً ما تسوء – فبدلاً من أن ينظر المرءُ إلى نفسه؛ حيث يمكن أن يكون الخطأ، فإنّ العديد من النساء يُشِرْن بإصبع الاتهام باتجاه أزواجهنّ، فيلُمنهم على تلك المشكلات العالقة في علاقتهم، وهم بين قائلة تقول: "لو أنه يلتفتُ إليَّ أكثر لَأَصبح زواجُنا رائعاً!"، وبين قائلٍ يقول: "لو أنها حاولت مساعدتي ولو قليلاً في أمور الإعالة، لأصبحت الأمور أفضل".
تُصاب كثيراتٌ من النساء بالإحباط والأذى، عندما تتفاقم المشكلات في علاقاتهنّ فيوجّهْنَ حُكمهنّ وانتقادهنّ إلى أزواجهنّ، ثم يتصاعد مستوى العقاب فيُحجِمْنَ ويمتنِعْنَ عن ممارسة الجنس ومشاركة المودة والاهتمام.
– "فليصنَعْ لنفسه العشاء إن أراد!"
– "لن أمكّنَه من نفسي مرة أخرى حتى يعتذر!"
– "فلْتتعفّنْ ملابسُه في آلة الغسيل، لا يهمني!"
– "لن ألتفتَ إلى ما يصنعه؛ فأنا على حقٍّ، وهو من الخاطئين!"
وهكذا فإن كثيراً من النساء يجلسْنَ ويتعاقدْنَ على أحكامهنّ واستقامتهنّ في حين أن علاقاتهنّ بأزواجهنّ توشك أن تتداعَى، وتتوقع الواحدة منهنّ أن يكون شريكُها نسخةً طبقَ الأصل منها، وأنْ يؤَمِّن على أقوالها فلا يعارضها، ويتصرفَ معها مثلما تتصرّف هي معه.
وهؤلاء النسوة يسمحن لآلامهنّ وحنَقهنّ أن يضربْنَ بعلاقاتهنّ عُرض الحائط، فتتحول مشاعر الاستياء الصغيرة إلى سهام سامّة تنخر في حياتهم، وتصبح المعاركُ على رؤوس الطعام طقساً من الطقوس.
لا تكون المعارك أبداً على الأطباق..
إنما تكون المعارك على عدم الشعور بالاهتمام، وعلى الشعور بفقدان مركز الأفضلية في الحياة، وعدم الشعور بالإنصات أو الالتفات. كلُّ ما في الأمر أنهنّ لا يشعرْنَ بالحب أو التقدير الكافي من قِبَل أزواجهنّ.
حتى إن أغلبَ هؤلاء النساء – حتى أقواهنّ وأذكاهنّ وأكثرهنّ استقلالاً – يعتقدنَ اعتقاداً غريباً أنه إن لم يَردُدْنَ الأذى على أزواجهنّ ويفرضْن عليهم السيطرة المماثلة، فإنهن قد يجدْن أنفسهنّ فجأةً قد انجرفْنَ مع التيار، في حين أنّ ما يحدث هو العكس تماماً.
نأتي إلى الأزواج الرجال، فبسبب أنهم لا يشعرون بالحب، وسئموا من الشعور بالإزعاج المتكرر، والتحكم، والنقد؛ يفعلون العكس تماماً، فينسحبون ولا يكترثون لما يحدث، وتستمر دورة المأساة والخلل فتصبح أكثر وَحشةً ويطول مَداها.
ثم تغدو الأمور أقبح من اللازم وأكثر إيلاماً وحُرقةً.
يُذكرنا ذلك بالمقولة القديمة: أيها الإنسان، سوف تتوالَى عليكَ المِحَنُ حتى تستقيم، لكنه لن يستقيم!
إياكَ أن تعاملَ شخصاً أسدى إليكَ معروفاً معاملةً سيئة، على الأقل لا يكون ذلك في علاقةٍ صحيةٍ قائمةٍ على الثقة والأمان.
يمكنكِ الشجار، يمكنكِ الصياح، يمكنكِ التمنُّع، يمكنكِ الجلوس والحُكم بتخطئةِ الآخر وإبراء النفس من كل شائبة، وفِعل ذلك مراراً وتَكراراً. وكم هو وغدٌّ أناني! وأحمق مخيب للآمال! وشخص مهتم بنفسه غيرُ عابئ بمَن حوله!
ولكن اسمحْنَ لي أن أسألكنَّ سؤالاً: ما مَردودُ ذلك عليكنّ؟
هل سيوصلُكنَّ كلُّ ذلك إلى ما تُرِدْنَ حقاً؟
أنا أعلم أن العَيشَ على هذا النحو المُدمِّر والمختلّ لا يُحتمل أبداً. أما أنا، فقد كنتُ امرأةً تشعر بالأذى والغضب والهجران وعدم الإنصات والالتفات، كما أنني لم أشعر بالحب الكافي مع زوجي.
فماذا صنعتُ؟ إذا استرجعتُ الزمن، فإنني أعترف أن ما فعلتُه جُنون محض. وما أصعبَ ما فعلتُ! سألتُ نفسي: لماذا كنت أعتقد دوماً أن معاقبة زوجي بهَجره والابتعادِ عنه والشعورِ بالاستياء تجاهه يمكن أن يُنيلَني ما كنتُ أريد نَيلَه؟ وكيف أمكنني أن أظن أنّ معاقبتَه وهَجرَه يمكن أن تعطيَني – بقُدرة قادرٍ – مزيداً من الحب والاهتمام والثناء والمودة؟ هذا حُمق، إنه تدمير ذاتي.
ولمَ تفعل كثيراتٌ منا هذا؟ لماذا تفعلين أنتِ هذا؟
أيتها السيدات، إن أردتنّ السعادة، فاجعلْن مهمتكنّ إسعادَ أزواجكنّ.
توقفْن عن انتظار الشريك الآخر ليتقدم بالخطوة الأولى في الإصلاح، أو يستعطف قلوبكنّ، أو يُظهر لَكُنّ مشاعرَ الحب، أو يجعلكنّ سعيدات.
أما أنا فقد أعياني زواجي، فقد كنتُ مع شخص رائع كريمٍ مرحٍ ساحر، وأكثر من ذلك بكثير، ولكن، باللهِ، كيف آذَى أحدُنا الآخرَ، وأخرج أسوأَ ما فيه، إن الألم الذي شعرتُ به نتيجةً لذلك، كان شديداً.
ولكن بعد أن اكتشفتُ أخيراً أن معاقبتَه جزاءَ ما آلمَني، عادتْ عليّ بعكس ما تمنيتُ، وتوصلتُ إلى آخر استنتاج ممكن، فقررتُ أنني بحاجة إلى تغيير، قررت أن أحاول الإصلاح بمزيد من الحب والحنان وقليلٍ من الحُكم والمعاقبة.
قررتُ أن أفعل كل ما يمكن أن يجعله سعيداً وكلَّ ما مِن شأنه أن يُقيم أوَد زواجنا.
لقد قال لي معلمي ديفيد بيل قولاً رائعاً: "إن محاولة تغيير شخص آخر ضَربٌ من العُدوان، أما محاولةُ تغيير النفس فنوعٌ من الحُب".
وقد استغرقني الأمر وقتاً طويلاً حتى فهمتُ فحوى هذه العبارة وعملتُ بمقتضاها.
أنا اليوم على علمٍ بأن الحُب يبدأ من عندي أنا، وهذا العلم غيّر كل شيء.
قررت أن أضع لنفسي نسبة 150 في المائة من علاقتنا، وألا أجلس لأحصِيَ الغلطات، ولا أن أنتظر أحداً ليُظهر لي حُبَّه، وتوقفتُ عن ترقُّبِ أي شخصٍ آخر ليُسعدَني.
وكانت نتيجة ذلك رائعة جداً، فقد بدأتُ باستثمار نشاطٍ أكبر في زوجي – بإعطائه الأولوية قبل كل شيء، وملامسته على الدوام (عن طريق عقدِ يده، والجلوسِ بالقرب منه، ومعانقتِه، وفركِ كتفيه.. إلخ)، وبالإكثار من الثناء عليه وتقديره حقَّ قدره، والأهم في ذلك هو العزم على عدم إتاحة الفرصة للغرور أن يدخلَني، ولا أن يقودَني حُبُّ أن أكون دوماً على صواب إلى معركة قتالية، ونتَج عن ذلك أني استطعتُ أن أُخرج أفضلَ ما في زوجي.
تحوّلت علاقتُنا لتصبح علاقة مضيئة لسنوات عدة، وأشعر بمزيد من السعادة والتمكين.
هنا يجدر القول: إنه إذا كنتِ حقاً تجعلين من مهامك إسعادَ زوجك، وكان هو يستغل جهودكِ المبذولة أو لا يبادلك بالمِثل – فلا يقابل الحُبَّ بالحبِّ مثلاً – فتلك صفقة خاسرة. وعلى الرغم من الجهود التي تبذلينها، فقد تكونين مع شخص غير قادر أو غير راغب في أن يبادلَك الحُب، وأنكِ مضطرةٌ إلى إنهاء علاقةٍ هذا شأنُها.
وقد كتبت كتاباً يبحث في المآسي المؤلمة التي لاقَـيْـتُها في زواجي، وما فعلناه معاً لكي نحوَّل مسارَه إلى ما نحبُّ ونرضَى. واسم الكتاب (Radical Acceptance: The Secret to Happy, Lasting Love [القَبول الجذري: سِرُّ السعادة والحُب الدائم]). وقد بدأ بيعُه في الثاني من شهر مايو/أيار.
فإن كنتِ على استعداد للقيام بهذا العمل وترجيح كِفة الحُب، وإنْ كنتِ على استعداد لفتح قلبكِ وعقلكِ على الفكرة القائلة بأن الحب يبدأ معكِ أنتِ، وأنه من مهامكِ أنتِ أن تُدخِلي السعادةَ والسرورَ في قلب شريك حياتكِ، فإنّ كتاب (Radical Acceptance) يمكنه أيضاً أن يحوَّل حياتكِ إلى حيث تحبِّين وترضين!
– هذا الموضوع مترجَم عن النسخة الإنكليزية لـ"هاف بوست". للاطلاع على المادة الأصلية، اضغط هنا.
ملحوظة:
التدوينات المنشورة في مدونات هاف بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.