أبدى الرئيس الفلسطيني محمود عباس ومستشاروه تفاؤلاً غير معهودٍ بلقائه الرئيس الأميركي دونالد ترامب في البيت الأبيض، الأربعاء 3 مايو/أيار 2017.
ويقول الفلسطينيون إنهم يعتقدون أن ترامب، بأسلوبه المتعجرف، وسلوكه غير المتوقع، ربما يكون هو القادرعلى تجديد مباحثات السلام مع الجانب الإسرائيلي؛ من أجل حماية حدود الدولة الفلسطينية، وعاصمتها، حسب تقرير لصحيفة واشنطن بوست الأميركية.
وعلقت الصحيفة قائلةً: "إنها لحظةٌ غير مواتيةٍ للتفاؤل؛ إذ ليس الأمل أمراً متوفراً في الشرق الأوسط".
وتُظهِر استطلاعات الرأي أن أغلب الفلسطينيين والإسرائيليين لا يتوقعون أي تغيير، وبينما تكمل إسرائيل 50 عاماً من احتلالها للضفة الغربية في يونيو/حزيران 2017، تحدث ترامب عن احتمال توصل الفلسطينيين والإسرائيليين إلى "أصعب اتفاق في العالم".
بينما يقول مفاوضو السلام الأميركيون السابقون في واشنطن، وكذلك نظراؤهم الإسرائيليون في القدس، إن الأوضاع الحالية لا تسمح بالحديث عن إعادة إحياء المباحثات.
هل يمكن أن يفعلها؟
قال ديفيد ماكوفيسكي، الدبلوماسي السابق، والباحث في شؤون سياسات الشرق الأدنى بجامعة واشنطن، معلقاً على لقاء عباس وترامب: "إن سقف التوقعات منخفض للغاية".
وأضاف: "لا يوجد سياق مناسب لاتفاقٍ كبير"، وأشار إلى أن أحداً لم يدفع باتجاه إحياء المباحثات، لا قواعد ترامب، ولا مجتمع اليهود الأميركيين.
لكن عباس ومعاونيه يصرون على أن الأمور ربما تتحرَّك، ويقولون إن ترامب ربما يكون قادراً على دفع الأمور قدماً.
كانت 9 أِشهر من مباحثات السلام التي أشرف عليها وزير الخارجية الأميركي آنذاك، جون كيري، قد ضاعت هباءً، وسط اتهاماتٍ عنيفة من كلا الجانبين الفلسطيني والإسرائيلي، في أبريل/نيسان 2014.
ومنذ ذلك الوقت، كانت تحدث على مدار العام أعمال عنف ينفذها فلسطينيون فرادى، تضمنت هجمات بأسلحة بيضاء، وبسيارات عائلية؛ ما أدى إلى اتخاذ إجراءات صارمة من جانب قوات الأمن الإسرائيلية.
وكان عباس قد صرَّح لمراسلين يابانيين بأنه على استعدادٍ لعقد قمة ثلاثية تجمعه برئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، في واشنطن، "تحت رعاية الرئيس ترامب".
وفي مقابلةٍ صحفيةٍ مع وكالة رويترز، قال ترامب: "أرغب في أن أرى السلام يحل بين الفلسطينيين والإسرائيليين. ما مِن سببٍ يمنع ذلك، لا يوجد أي سببٍ على الإطلاق".
وفي مارس/آذار 2017، كان ترامب قد أرسل محامي العقارات السابق، والذي صار مبعوثاً له في الشرق الأوسط، جيسون غرينبلات، إلى القدس ورام الله، لاستطلاع الخيارات المتاحة، وقد عاد جيسون بقراءات مُبشِّرة عن كلا الجانبين، وقد عيَّن ترامب صهره غاريد كوشنر قائداً لمباحثات السلام في الشرق الأوسط.
في مارس/آذار 2017، التقى ترامب نتنياهو في البيت الأبيض، حيث ضغط مسؤولو الإدارة لوقف توسع الاستيطان في الضفة الغربية؛ أي على الأراضي التي يريدها الفلسطينيون دولةً مستقبليةً لهم. لكن هذه المحادثات لم تسفر عن اتفاقٍ مُحدَّد. وهناك أكثر من 400 ألف مستوطن يهودي يعيشون في الضفة الغربية، على أراضٍ يقولون إن الله وعدهم بها، حسب تعبير الصحيفة.
دويٌّ إيجابيٌّ
ونقل مراسل صحيفة "هآرتس" الإسرائيلية في الولايات المتحدة عن مسؤول أميركي، قوله إن ترامب "يريد أن يحصل على تعهدات من عباس بالعمل مع الولايات المتحدة في محاولتها تحريك جهود السلام إلى الأمام"، حسبما ورد في موقع عرب 48.
وكان مسؤول أميركي كبير في البيت الأبيض قد صرح بأن "الدفع بعملية السلام في الشرق الأوسط، وفي إطار ذلك التوصل إلى اتفاق سلام ينهي الصراع الإسرائيلي-الفلسطيني، يأتي في رأس سلم أولويات ترامب".
وأضاف أنه لهذا السبب وضع معالجة هذه القضية بيد اثنين من المقربين منه: صهره غاريد كوشنر؛ ومبعوث المفاوضات الدولية جيسون غرينبلات. وبحسبه، فإن ترامب يعتقد، بشكل شخصي، أن تحقيق السلام ممكن، وأنه حان الوقت لعقد صفقة، باعتبار أن ذلك يوفر السلام والأمن للإسرائيليين والفلسطينيين، كما سيدوِّي ذلك بشكل إيجابي في أنحاء الشرق الأوسط والعالم".
وبحسب المسؤول نفسه، بما يشير إلى مواصلة استفراد إسرائيل بالسلطة الفلسطينية، "نحن نستطيع تقديم المساعدة، وتوفير الدعم للتقدم باتجاه اتفاق سلام، ولكننا لا نستطيع أن نفرض حلاً على الإسرائيليين أو الفلسطينيين، كما أن أياً من الطرفين لا يستطيع أن يفرض اتفاقاً على الطرف الآخر".
وكان ترامب قد تحدَّث هاتفياً من قبل إلى عباس، لكن لقاءهم الأربعاء 3 مايو/أيار سيكون الأول وجهاً لوجه.
ومحمود عباس، البالغ من العمر 82 عاماً، ليس معروفاً عنه الخطابة أو التألق، سواء في المناسبات الخاصة أو في ظهوره العام، وغالباً ما ترافقه حراسته، ولا يعقد مؤتمرات صحفية، ولا يغرِّد عبر تويتر، وهو غير محبوبٍ من شعبه، الذي يشكِّك في شرعيته؛ إذ مضى موعد الانتخابات الفلسطينية منذ سنوات، حسب الصحيفة الأميركية.
لكن عباس ومعاونيه يريدون أن يسمعوا ما قد يكون لدى ترامب ليقوله، ويقول عباس للمراسلين اليابانيين: "نحن سعداء بأن الإدارة الأميركية ستسمع عنَّا منَّا، وليس من أطرافٍ أخرى".
غاية في التفاؤل
وقال القيادي بحركة فتح جبريل رجوب لصحيفة واشنطن بوست الأميركية، الإثنين 1 مايو/أيار: "إننا في غاية التفاؤل. كنت في الولايات المتحدة مؤخراً وقيل لي إن هذا الصراع يُعد أولويةً لدى الرئيس ترامب، وهو جادٌ بشأن الانخراط فيه والتوصل إلى حل نهائي".
وأضاف رجوب: "من جانبنا، سنتعاون مع الرئيس ترامب. نحن نؤمن بأنه لا يخضع لضغطِ أحد سوى الشعب الأميركي، فسياسة (أميركا أولاً) تمتد إلى الأمن القومي؛ ما يستلزم حلَّ جوهرِ الصراع في الشرق الأوسط".
وكان المتحدث الرسمي الجديد باسم حركة التحرير الفلسطينية، حسام زملوط، قد صرَّح لصحيفة هآرتس الإسرائيلية الأسبوع الماضي، قائلاً: "حينما يكون لديك رئيسٌ يكرِّس نفسه منذ اليوم الأول لتحقيق السلام، ويستثمر وقته وجهده في التوصُّل إلى حلول، فهذا هو تعريف الفرصة التاريخية".
وأضاف: "إن الرئيس ترامب لديه الثقل السياسي، والعلاقات القوية مع كل الأطراف، والإرادة الحقيقية لتحقيق ذلك الهدف".
ومنذ توليه الرئاسة، التقى ترامب الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي، والعاهل الأردني الملك عبد الله الثاني، وولي ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان، ورئيس الوزراء الإسرائيلي نتنياهو.
وقد ضغط بعض مسؤولي الإدارة من أجل تحرُّكٍ إقليميٍ نحو حلِّ الصراع الفلسطيني-الإسرائيلي، ذلك الحل الذي يتمثَّل في صفقةٍ كبيرةٍ تمنح الفلسطينيين فرصةَ تأسيسِ دولتهم، في مقابل اعتراف الأنظمة العربية بدولة إسرائيل رسمياً.
ولطالما كرَّرَ نتنياهو أنه مستعدٌ لمقابلة عباس في أي وقتٍ وأي مكان، ودون أي شروط، قبل أن يضع لاحقاً شروطاً لا تتضمَّن فقط اعتراف عباس بدولة إسرائيل، وهو ما فعله عباس بالفعل، لكن نتنياهو يريد اعترافاً باعتبارها دولة لليهود، الأمر الذي امتنع عنه عباس جزئياً؛ بسبب أن 20% من سكان دولة إسرائيل هم عرب مسلمون ومسيحيون.
الأسرى خط أحمر
واليوم تطالب إسرائيل، وكذلك داعموها في الكونغرس الأميركي، السلطة الفلسطينية بإيقاف مدفوعات الرعاية الاجتماعية لعائلات الأسرى الفلسطينيين في سجونها، ودفع تعويضات للمصابين وأسر القتلى من الإسرائيليين جراء هجمات إرهابية.
سيكون هذا صعباً للغاية على عباس، فالأسرى والشهداء خطٌ أحمر لا يمكن المساس به في المجتمع الفلسطيني؛ بل وأصبح الأمر أكثر تعقيداً، بدخول مروان البرغوثي، أحد أبرز منافسي عباس، بصحبة مئات الأسرى، إضراباً عن الطعام منذ أكثر من أسبوعين. يُذكر أن البرغوثي كان قد أُدينَ من قِبل محكمةٍ إسرائيلية بـ5 جرائم قتل وبالانضمام إلى تنظيم إرهابي.
ونقل موقع عرب 48 عن صحيفة هآرتس قولها إن مكتب رئيس الحكومة الإسرائيلية يتابع تطورات اللقاء المرتقب بين عباس وترامب. وخلال الأيام الأخيرة، أطلق نتنياهو تصريحات عبر وسائل الإعلام، موجهة إلى البيت الأبيض والكونغرس والرأي العام الأميركي، ركز فيها على تحويل أموال من السلطة الفلسطينية إلى عائلات الشهداء والأسرى الفلسطينيين في سجون الاحتلال.
كما أجرى نتنياهو مقابلة، قبل أكثر من أسبوع، مع شبكة "FOX" المحافظة، طالب فيها السلطة الفلسطينية بوقف دفع هذه المخصصات لعائلات الشهداء والأسرى إذا كانت ترغب في السلام، على حد قوله. وكرر التصريحات نفسها في مناسبة إحياء ذكرى القتلى الإسرائيليين.
يشار إلى أن تصريحات نتنياهو هذه تأتي على خلفية اقتراح قانوني يجري تداوله في الكونغرس الأميركي، والذي يطالب السلطة الفلسطينية بوقف دفع المخصصات لعائلات الشهداء والأسرى. وقد بادر إلى اقتراح القانون السيناتور الجمهوري ليندسي غراهام، الذي طالب بوقف التمويل الأميركي للسلطة الفلسطينية إلى حين تتوقف السلطة عن دفع رواتب للأسرى في سجون الاحتلال الإسرائيلي.
وكتب غراهام، وعضوا مجلس السينات الجمهوريان ماركو روبيو وتوم كوتون، الأربعاء، إلى ترامب يطالبونه بطرح قضية مخصصات الأسرى أمام عباس.
وادعى ثلاثتهم أن "الولايات المتحدة لا تستطيع أن ترى في السلطة الفلسطينية شريكاً للسلام، وأن تأخذ بجديةٍ، طموح عباس للسلام، طالما ظلت السلطة تحول ملايين الدولارات سنوياً لتمويل وتشجيع الإرهاب".
حماس
فى صعيد آخر، اعتبرت صحيفة واشنطن بوست الأميركية أن عباس أيضاً محاصَر من قِبل حركة المقاومة الإسلامية (حماس)، التي تسيطر بالكامل على قطاع غزة منذ عام 2007.
وتقول الصحيفة: "لعل عباس قد يتلعثم، إن سأله ترامب عمَّا إذا كان يتحدَّث باسم الفلسطينيين في غزة".
وكان عباس قد دخل في صراعٍ مع حماس حول أجور موظفي الحكومة في غزة، والتدابير الأمنية، والضرائب، وحول مَن المسؤول عن تكاليف الإضاءة في القطاع المشلول اقتصادياً.
من جهتها، أصدرت حركة حماس هذا الأسبوع وثيقةً تعد بمثابة إضافة إلى الميثاق التأسيسي المتعصِّب ضد اليهود، حسب تعبير الصحيفة، تضمَّنت للمرة الأولى ما يبدو أنه موافقةٌ على تأسيس دولة فلسطينية مؤقتة داخل حدود ما قبل 1967، دون الاعتراف بدولة إسرائيل. ويرى البعض هذه الخطوة تراخياً في مواقف حماس، بينما وصفت إسرائيل الوثيقة بأنها مجرد ضجة إعلامية من منظمة إرهابية.
وقال دينيس روس، الدبلوماسي الأميركي المخضرم، في نقاشٍ أجراه يوم الإثنين 1 مايو/أيار، إنه بعد 30 عاماً "أستطيع أن أقول إننا في وضع سيئ للغاية". وأضاف: "هناك اعتقاد تام لدى كلا الطرفين أنه لا أمل في حل نهائي".