أعلم أنني بكتابة هذه الكلمات سأواجه بنقد شديد، ولكن يجب أن يكون هناك مَن يبادر بالشرح؛ نظراً للخلاف الحاد الموجود على الساحة العربية في موضوع التنمية البشرية، بين معارض ومؤيد، وكل ما كتبته هنا يعبّر عن رأيي الشخصي، قد أكون على خطأ فيما كتبته "فأرجو التماس العذر"، وقد أكون على صواب، حاولت جاهداً التوضيح باختصار، وبشكل محايد، ووضحت في تسع نقاط العيوب، وتسع نقاط أخرى الحقائق، أرجو الفائدة للجميع.
دعونا نتفق في البداية على قاعدة هامة، هي أن التعميم غير صحيح، يعني ما ينفع أن أقول إن هذا الشيء "جيد" على المطلق أو "سيئ" على المطلق، ونحاول رؤية الموضوع بحيادية كاملة.
آراء المعارضين "نصباية، شغلانة العطلانين، اشتغالة من شوية عيال، الدجل الحديث، ضحك على الدقون".
آراء المؤيدين "سكة نجاحنا، حياتي بتتغير معاها، نفسي أعمل حاجة بجد، عندي طاقة إيجابية، متسامح مع الجميع".
العيوب:
* علم التنمية البشرية
لم يتم حتى الآن تأسيس علم بمسمى علم التنمية البشرية، ولكن التنمية البشرية عبارة عن خليط من علم النفس وعلم الاجتماع وعلم الإدارة.
* الدكتوراه في التنمية البشرية
مفيش شهادة اسمها دكتوراه في التنمية البشرية من أية جهة، وبالتالي أي شخص تجده يذكر أنه حاصل على دكتوراه في التنمية البشرية، فهذه شهادة "مضروبة".
* مدرب معتمد في التنمية البشرية
ليس هناك أي جهة موحدة تحدد معايير أو جهات الاعتماد لمدربين التنمية البشرية، سواء في الوطن العربي أو خارجه، وبالتالي فأية جهة، أو أي شخص، من الممكن أن يعطيك اعتماداً كمدرب تنمية بشرية، أياً كان مجال عمله، حتى لو كان لا يعمل في مجال التنمية البشرية.
* مدرب معتمد من كبرى الجامعات والمراكز الأجنبية
كلام غير صحيح بالمرة؛ لأن هذه الجامعات لا يوجد لديها برامج تدريب مدربي تنمية بشرية، وبالتالي فأول ما تلمح عيناك اسم جامعة أو مركز أجنبي، فاعرف الخلاصة في الموضوع!
* شهادات موثقة ومعتمدة من الخارجية
الخارجية لا تعتمد الشهادات، ولكن تعتمد الأختام الموجودة على الشهادات، والموضوع أبسط مما تتخيل، أي شخص من الممكن أن يصدق على أية شهادة من خلال إجراءات ورسوم بسيطة؛ وبالتالي "فُكك" من قصة اعتماد الخارجية.
* شهادات موثقة من الجامعات الحكومية
عبارة عن "بروتوكول" تعاون بين أية جهة تدريبية منشأة بشكل قانوني، (والموضوع بسيط)، وبين جامعة حكومية باستصدار شهادات من الجهة التدريبية، واعتمادها من الجامعة الحكومية؛ نظير مقابل مادي يتم سداده للجامعة، يعني الجامعة لا تعرف ماهية المادة العلمية، وبالتالي لا تنخدع ببريق اعتماد الجامعات الحكومية.
* عند حضورك البرنامج ستحصل على 500 شهادة
"أول ما تشوف إن البرنامج المعروض فيه كمية شهادات ضخمة، تعرف إنه ما فيش مادة علمية حقيقية ستستفيد منها، وده عبارة عن شخص يبيع مجموعة من الشهادات".
* مدرب لم يتدرب
للأسف الكثير جداً ممن ينتسبون لمدربي التنمية البشرية هذه الأيام تجده لا يعلم أية معلومة عما يقوم بتدريبه، الفكرة أنه حصل على شهادة كمدرب، ثم بدأ التدريب فوراً؛ لذا فاسأل عمن ستحضر له.
* قانون الجذب، برمجة العقل الباطن الروحاني، العلاج بخط الزمن، الحرية النفسية ومسارات الطاقة.
كلام غير صحيح وأقرب للدجل منه للتنمية البشرية، بالإضافة إلى أنه تشوبه شوائب من الناحية الدينية ويمكن الرجوع فيها لأهل الاختصاص من رجال الدين.
الحقائق:
* التنمية البشرية حقيقة
تعتمد التنمية البشرية على فكرة الارتقاء بالمهارات والقدرات الإنسانية والإدارية لوصول الإنسان إلى تحقيق الفائدة له وللمجتمع، وكما قلت سابقاً: هي خليط من علم النفس وعلم الاجتماع وعلم الإدارة.
* التنمية البشرية والوظائف
دائماً تجد أن المؤسسات الكبرى العالمية والمحلية لديها إدارة أو قسم مختص بالتدريب لتطوير مهارات الموظفين لديها، بل إنك عندما تتقدم لبعض الوظائف تجد في شروط شغل الوظيفة بعض المهارات المطلوبة لها.
* مدرب تنمية بشرية
يوجد مدربو تنمية بشرية ذوو كفاءة بالفعل، ولكن يمكن عدهم على الأصابع، وهؤلاء هم من تدربوا أولاً لعدة سنوات، ثم قاموا بالتدريب، وتجدهم أكثر في الجانب التطوعي (هذا لا يمنع من القيام بدورات بمقابل مالي مناسب)، ولا يعتمدون على الأساليب الخاطئة سالفة الذكر.
* مدرب تنمية بشرية حاصل على دكتوراه أو ماجستير
يوجد العديد من المدربين الحاصلين على الدكتوراه أو الماجستير الفعليين في مجال دراستهم بالجامعات.
* دورة تدريب المدربين
بالفعل هناك دورات تهتم بإعداد المدربين، وهذه الدورات تعمل على الجانب السلوكي للمدرب، وهي موجهة لكل المدربين في كافة المجالات، وليس التنمية البشرية فقط.
* جوانب التنمية البشرية
جانب المهارات السلوكية، مثل مهارات التواصل ومهارات التفاوض ومهارات الإلقاء، والجانب الاجتماعي، مثل تربية الأبناء وفنون العلاقات الأسرية، والجانب الإداري، مثل التخطيط الاستراتيجي ووضع الأهداف وإدارة الوقت، والجانب النفسي، مثل الثقة بالنفس والإيجابية والنجاح (وهو أساس الخلاف حول التنمية البشرية).
* المادة العلمية
المادة العلمية الحقيقية هي التي يقدمها المدرب، ويكون قد قام بإعدادها بنفسه.
* التنمية البشرية تختلف عن الفلسفة
لأن أساس الخلاف الحالي حول التنمية البشرية حدث عندما تم دمجها مع بعض الأفكار الفلسفية غير الصحيحة، والتي لا تتماشى معنا.
* التنمية البشرية والطب النفسي
ظهرت الحاجة للتنمية البشرية في الجانب النفسي والجانب الاجتماعي؛ لأن الغالبية العظمى تنظر للطبيب النفسي على أنه لا يذهب له إلا مَن يصاب بالجنون، وبطبيعتنا فنحن نحتاج إلى مَن نحكي له عن مشاكلنا وننتظر منه مساعدتنا على حلها.
وعلى وعد بلقاء إن كتب الله لنا البقاء.
ملحوظة:
التدوينات المنشورة في مدونات هاف بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.