فيسك: التصاق الأقباط بالسيسي يحملهم تداعيات أخطائه.. ومصر مهددة بدورات متعاقبة من الحكم العسكري والديني

عربي بوست
تم النشر: 2017/05/01 الساعة 12:01 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2017/05/01 الساعة 12:01 بتوقيت غرينتش

اعتبر الكاتب البريطاني الشهير روبرت فيسك أن المتاعب التي يواجهها أقباط مصر المسيحيون أكثر عمقاً من هجمات داعش، محذرا من أن الكثير من مواطنيهم المسلمين يرون مدى قربهم من حكومة الرئيس عبد الفتاح السيسي، ويلقون باللوم عليهم إن سار أي شيء على نحو خاطئ. الآن،

وقال فيسك في مقال نشره في صحيفة الإندبندنت البريطانية إن المسيحيين (حوالي 10% من المصريين) يحتاجون إلى حماية النظام، مثلهم في ذلك مثل أي أقلية.

وأضاف "أدى خوفهم من إخفاق الحكومة المتعمد في حماية كنائسهم (وهو ما ليس حقيقياً)، ومن الهجمات التي يتسبب بها وعاظ المسلمين غير المتعلمين أو المدربين في صعيد مصر (وهو الوضع الحقيقي للأسف)، إلى زيادتهم قرباً من السيسي، حتى أصبحوا مقترنين بالنظام السياسي ذاته"، حسب تعبيره.

سوريا والعراق

وأشار إلى أن الأقليات المسيحية تعرضت إلى معاناة مماثلة في شتى أرجاء العالم العربي حيث يدعم المسيحيون في سوريا حكومة بشار الأسد لأنها تحاول حمايتهم. وتُظهر أحدث الصور بشار الأسد أثناء زيارته أحد الأديرة المسيحية شمال دمشق. وحين رفض البطريرك الماروني في لبنان إدانة بشار الأسد، مدركاً لحال رفاقه المسيحيين في سوريا، رفض باراك أوباما -في إحدى لحظاته المقدسة- مقابلته في واشنطن، حسب تعبير فيسك.

وقال: "أما في العراق، فلطالما شعر مسيحيو العراق بالحماية الخاصة التي أسبغها عليهم صدام، وفي غضون أشهر من الإطاحة بصدام على أيدي الأميركيين، كان المسيحيون يفرون بحياتهم".

ولفت فيسك إلى التعايش القديم بين المسلمين والمسيحيين في مصر فبينما كان يعقد البابا فرانسيس قداساً حضره 25 ألفا من الأقباط المسيحيين في استاد بالقاهرة خلال عطلة هذا الأسبوع، وصلت حوالي 30 تلميذة مسلمة إلى المتحف القبطي في وسط العاصمة القديمة، حيث التقطن صوراً لبعضهن البعض والعديد من صور السيلفي مع واجهة المتحف.

وأشار إلى أن واجهة هذا المبنى المذهل شُيدت بواسطة ماركوس سيمايكا باشا في 1910، لتُماثِل واجهة أحد المساجد. كان هذا قراراً متعمداً من قبل سيمايكا، إذ أراد استخدام الحجارة لإظهار عمق التلاحم بين مسيحيي مصر ومسلميها، ديناً وثقافةً.

ويعلق فيسك قائلاً: "كان هذا في الماضي. وبالطبع، كانت هذه هي الرسالة التي أراد البابا وشيخ الأزهر -أحمد الطيب- إيصالها هذا الأسبوع. بُثَت رسالة السلام التي دعيا إليها حول العالم. في الوقت الذي جرى فيه تجاهل ملاحظاتهما الصادمة -التي جاءت بعبارات متطابقة تقريباً- حول شرور مُصنعي الأسلحة الذين يبيعونها إلى الشرق الأوسط.

ويرى فيسك إن الصحفيين ركّزوا على القصة الأكثر وضوحاً: إدانة القادة المسلمين والمسيحيين لخلافة داعش –التي وصفها البابا بكونها "منطق الشر المُحرق"- وللهجمات على الكنائس المسيحية المصرية على يد مجموعة من المصريين المنتمين لداعش. إلا أن مشكلات مسيحيي مصر هي أشد عمقاً من هذا، حسب الكاتب البريطاني.

يروى فيسك في المقال تجربة شخصية قائلاً: "ذهبت لرؤية أحد أصدقائي القدامى من المصريين، مسلمٌ يُدعى أحمد – هذا هو اسمه الحقيقي، بينما أصر على عدم ذكر اسم عائلته وهو ما يعكس الكثير عن النظام المصري – ويسكن بجوار حي قبطي في القاهرة، تحيط به السكك الحديدية المتجهة إلى حلوان، وبقايا إحدى البوابات الرومانية العظمى التي شيدها الإمبراطور تراجان، والتي تقود للقاهرة القديمة.

وأضاف: "لديّ العديد من الأصدقاء المسيحيين. إنهم أصدقاء حقيقيون وشديدي القرب إلى قلبي، إنهم أشقائي"، هذا ما قاله أحمد حول جيرانه، لكن صديق فيسك الذي رفض ذكر اسمه كاملاً استدرك قائلاً: "المشكلة هي أن الكثير من المسلمين يرون مدى قربهم من حكومة السيسي، ويلقون باللوم عليهم إن سار أي شيء على نحو خاطئ. الآن، يتحول أي اختلاف بين مسلم ومسيحي –حول أحد الممتلكات أو متجر أو الأسعار أو أي اختلاف – إلى نزاع بين المسلمين والمسيحيين" بعبارة أخرى، يصبح نزاعاً طائفياً".

ويرى فيسك أنه "لطالما أكد الرئيس المعزول حسني مبارك على عاطفته تجاه المسيحيين، بينما اختلف سلفه الذي اغتيل على يد جماعات متطرفة، أنور السادات، مع الكنيسة القبطية، فاعتقل البابا، وادعى بحماسة وحمق، حسب تعبيره، أنه "رئيس مسلم لشعب مسلم" وهو ما لم يُسعد المسيحيين.
وحسب فيسك "على النقيض من ذلك، شجع مبارك على إعادة ترميم المتحف القبطي. وحين أعلن السيسي انقلابه على الرئيس المنتخب محمد مرسي، ظهر البابا بجوار السيسي في واحدة من أولى الصور التي تلت الانقلاب.

هل الإعلام الغربي هو السبب؟

ويقول فيسك: "اتفق صديق قديم آخر له (صديق مسلم أيضاً، إلا أنه رفض الكشف عن اسمه) مع أحمد، إلا أنه أفصح كذلك عن اعتقاده بأن "وسائل الإعلام الأجنبية" أسهمت في توتر العلاقات بين المسلمين والمسيحيين، وأكد أنهم "يحبون القصص البسيطة، أي اضطهاد المسيحيين. وهو ما يعني أنه حتى الشرطة الموجودة لحماية المسيحيين تخشى الصحفيين، بل إنها تخشى الصحفيين أكثر مما تخشى داعش".
يتساءل هل هناك أسباب وجيهة وراء ذلك؟ يقول فيسك: "يرى صديقي نمطاً آخر للحياة في مصر، لقد تحولت مصر إلى ساحة يتتابع عليها الإخوان المسلمون والجيش"، وتابع حديثه قائلاً: "مثل تركيا: يصل الإسلاميون للسلطة، ثم "يعود" الجيش مرة أخرى لحماية الشعب. حدث ذلك هنا، وسيحدث مرة أخرى حين تقرر تركيا التخلص من أردوغان، سيعود الجيش مجدداً".

فرج فودة

يشير فيسك إلى أنه كان للكاتب المصري فرج فودة، الذي اغتُيل في 1992 على يد المتطرفين، وجهة نظر مشابهة. في معرض الكتاب 1992 تنبأ باحتمالية الدخول إلى "دورة مفزعة"، حيث "يفضي الحكم العسكري إلى حكم ديني (إسلامي)، وهو ما لن يزول إلا بانقلاب عسكري يؤدي بدوره إلى شكل آخر من الحكم الديني، وهكذا".

ويضيف قائلاً: "منذ 4 سنوات، كتبت الصحفية سارة أبوبكر عن تنبؤ فودة بما كان يجري في مصر وقتها: وصل الإخوان المسلمون وراء محمد مرسي إلى السلطة بعد هزيمة المرشح العسكري "غير المعلن" الانتخابات أحمد شفيق، وهو ما قد يفضي إلى انقلاب قريب. وهو ما وقع.

ويشير فيسك إلى أن اغتيال فودة جاء – بلا ريب تقريباً – بسبب إدانته "للدولة الدينية" وتحديه لجمهوره في معرض الكتاب ليذكروا نموذج لدولة دينية ديمقراطية واحدة.

ولفت الكاتب البريطاني إلى جهل هؤلاء القتلة، حيث إنه خلال محاكمة أحد قاتليه، سُئل أحدهم عن سبب ارتكابه للجريمة، وهو ما أجاب عنه بقوله بسبب كتبه، وحين سُئل عن أي الكتب التي أثارت استيائه تحديداً، أجاب: "أنا لا أعرف القراءة". لاحقاً عفا مرسي عن أحد قتلة فودة.

ونوّه فيسة بأن كل هذا ظهر ضمناً في خطبة البابا الطويلة هذا الأسبوع أثناء مشاركته في "المؤتمر الدولي للسلام" بالقاهرة مع الشيخ الطيب، حيث تحدث البابا عن همجية الصراع، وعن الحاجة إلى قادة دينيين "لفضح العنف الذي يتنكر بزي القدسية المزعومة".

تجارة السلاح الغربية

ولكن ما أشاد به فيسك أن كُتاب الخطاب الفاتيكاني – الذين عادة ما تميزوا على الصعيد السياسي وأخفقوا من الناحية التاريخية – أصابوا هذه المرة حين أدان البابا في خطابه تجارة السلاح باعتبارها "المناورات الخفية التي تغذي سرطان الحرب".

ولفت إلى أن الشعوب الغربية التي عادة ما تدين الهجمات على المسيحيين المصريين لم تتناول مطلقاً أي من هذه الملاحظات، أو من تعليقات الطيب حول دعم مُصنعي الأسلحة الفردية.

وقال: "بالطبع لم يتناول هذا الأمر أي من ترامب أو ماي أو ميركل أو غيرهم من قادة الغرب "المتحضر"، ناهيك عن أصدقائنا الروس، إذ إنهم المستفيدون الرئيسيون من هذه التجارة الخبيثة.

ومضى فيسك منتقداً تجارة السلاح قائلاً: "علينا أن نبقي على تدفق الأسلحة إلى الشرق الأوسط، إذاً لنفعل. وإذا رغبنا في ادعاء البراءة، فمن يمكنه إنكار أن جزء كبير من عتاد داعش من الأسلحة الأميركية هو مما جرى الاستيلاء عليه من الجيش العراقي في الموصل. لقد رأيت البعض منه على الخطوط الأمامية في سوريا، بما في ذلك صواريخ أميركية دُمرت حديثاً ودبابات أميركية من طراز "M1A1.

ويعود الكاتب للإشارة إلى المتحف القبطي في القاهرة الذي يصفه بالرائع، لافتاً إلى أنه يضم العديد من الرموز والأعمدة والعباءات والنصوص المسيحية التي تُظهر بوضوح التأثير الفرعوني والروماني والإسلامي. فقد خُطَّت بعض الأناجيل بالعربية والقبطية القديمة، وكُتبت بعض النصوص على الحجر أو الطين لأن البردي كان باهظ الثمن بالنسبة لمعظم المصريين في ذلك الوقت. تُعد أهم البرديات الموجودة – البالغ عددها 6000 بردية – هي مزامير داوود، التي عُثر عليها في مقبرة إحدى الفتيات الصغيرات موضوعة تحت رأسها. أي أيادٍ حزينة وضعت هذا النص تحت رأسها؟
ويقول: "يبدو هذا بعيداً عن البابا الحالي والشيخ الطيب وداعش والرئيس السيسي، والاستخدام السيئ لزيارة البابا لإثبات أن مصر "آمنة".

ثم يضيف قائلاً: "وبعيداً عن تجارة الأسلحة الحديثة. المشكلة هي أن نسل هذه الطفلة الميتة يقع الآن بين مطرقة النظام وسندان الأغلبية المسلمة في مصر. إنه ليس خطأهم. وهو ليس خطأ المسلمين كذلك. هذا ما يحدث حين يحتاج المسيحيون في بلادهم إلى حماية حكام البلاد.

تحميل المزيد