ظهر أمير الحرب الأفغاني الهارب، قلب الدين حكمتيار، يوم السبت الماضي 29 أبريل/نيسان 2017، لأول مرة بعد أكثر من عقدين من الزمان قضاهما مختبئاً، ليدعو متمردي طالبان "للانضمام إلى ركب السلام وإيقاف هذه الحرب المقدسة عديمة المعنى".
وحث حكمتيار كل الأطراف السياسية على المصالحة والسعي للتغيير "دون إراقة دماء".
مثلت عودة حكمتيار (69 عاماً) -الذي تكلم في احتفالية في الهواء الطلق في مجمع حكومي بإقليم لغمان- نجاحاً كانت حكومة الرئيس الأفغاني أشرف غاني في أمسّ الحاجة إليه. حيث كان غاني قد دعا حكمتيار للعودة إلى الوطن بسلام، الخريف الماضي، على أمل أن يشجع هذا الأمر طالبان على أن تحذو حذوه، وفقاً لما جاء في تقريرٍ لصحيفة واشنطن بوست الأميركية.
ترحيب رئاسي
وجاء في تصريحٍ موجز من القصر الرئاسي أنَّ غاني "يرحب بعودة قلب الدين حكمتيار إلى أفغانستان، نتيجةً لعملية السلام التي تقودها أفغانستان. وتظهر هذه الصفقة قدرة الأفغان على حلِّ النزاع من خلال الحوار".
وكان حكمتيار شخصية جدلية خلال الحرب ضد التدخل السوفيتي في أفغانستان في الثمانينات ثم الحرب الأهلية في التسعينات، واتهم بأنه أمر مقاتليه بقصف كابول مما أدى لسقوط العديد من الضحايا، إضافة لانتهاكات أخرى، حسب تقرير لوكالة رويترز.
ولا يلعب الحزب الإسلامي الذي يتزعمه حكمتيار دوراً كبيراً في الصراع الحالي في أفغانستان، الذي تضطلع فيه طالبان بدور قيادي في قتال الحكومة المدعومة من الغرب.
"إرهابي عالمي
وصنفت الولايات المتحدة التي تقود حملة عسكرية دولية في أفغانستان على مدى السنوات الخمس عشرة الماضية حكمتيار على أنه "إرهابي عالمي" خلال اختبائه لنحو 15 عاماً.
وفِي فبراير 2017 ألغت الأمم المتحدة عقوبات كانت مفروضة على قلب الدين حكمتيار، الزعيم الأفغاني المعروف الذي يقود الحزب الإسلامي، وذلك تمهيداً لعودته للحياة السياسية، بموجب اتفاق بين الحكومة، والحزب الإسلامي، في خطوة وصفت بأنها مشجعة لتخلي قادة طالبان عن العنف.
وجاءت الخطوة بعد طلب تقدمت به كابول بهذا الشأن، وذلك في إطار اتفاق تاريخي، تم التوصل إليه مع الحزب الإسلامي الذي يرأسه حكمتيار، والحكومة برئاسة أشرف غني، وذلك في سبتمبر/أيلول 2016، وفقاً لما ورد في تقرير لـ"بي بي سي".
وأشاد قادة أميركيون وغربيون بالاتفاق معه، على أمل أن يساعد في التوصل لاتفاق سلام أشمل في أفغانستان.
معارض للغرب
لكنَّ عودة حكمتيار إلى بلاده جاءت مليئةً بالتوتر، وتأخر وصوله المتوقع إلى كابول بسبب الخلاف حول إطلاق سراح سجناء من ميليشياته السابقة التي كانت تحارب الحكومة. بالإضافة إلى أنَّ تعليقاته كانت تشتمل على معارضةٍ قويةٍ للغرب وانتقدت الحملة التي تقودها الولايات المتحدة ضد طالبان، إذ شبَّهَتها بحرب فيتنام والورطة السوفيتية في أفغانستان.
وقال حكمتيار للمجتمعين في مهتالرام، عاصمة إقليم لغمان: "لو أنكم تعملون على مساعدة أفغانستان، فنحن ممتنون لكم، لكن لو كنتم تقاتلون هنا سعياً وراء مصالحكم السياسية والاقتصادية، فإننا نطلب منكم أن تتوقفوا عن استخدام أفغانستان ساحة قتال تواجهون فيها أعداءكم، ونطلب منكم بدلاً من ذلك أن تواجهوا بعضكم بعضاً مباشرة. لا تجربوا ذخيرتكم على شعبنا المضطهد".
وكان حكمتيار، الذي لطالما اعتُقِدَ أنه كان يختبئ في المنطقة الحدودية الجبلية لباكستان، قد سُمِحَ له بالعودة إلى أفغانستان بعد أن رفعت الأمم المتحدة، وإدارة أوباما الحظر الإرهابي عنه، بطلب من غاني.
طالبان خونته
وجاءت عودة حكمتيار بعد شهورٍ من المفاوضات حول حقوقه وامتيازاته ودوره في الحياة المدنية. ويسافر حكمتيار مع عددٍ كبيرٍ من المسلحين الموالين له في طريقه إلى العاصمة الأفغانية، ليتلقى تحية مؤيدي حزبه، الحزب الإسلامي.
وعلى الرغم من دعواته للمصالحة والتناغم، وهو الأمر ذاته الذي دافع عنه في خطاب مُصوَّر في شهر سبتمبر/أيلول 2016، عُرِضَ في قصر غاني، فإنَّ خطة السلام التي اقترحها قد ندَّدَت بها طالبان، التي وصفته بالمجرم والخائن للإسلام.
وكان الحزب الإسلامي وطالبان قد قاتل، كلاهما، حكومة كابول، لكنهما لم يكونا حليفين قط، بل تقاتلا في بعض الأحيان على النفوذ في المناطق الريفية.
يوصف بأمير حرب
وثمة مخاوف الآن من أنَّ حضور حكمتيار في كابول وأجزاء أخرى من البلاد قد يضيف عاملاً جديداً من عوامل التشويش إلى موقف سياسي متقلب بالفعل. في كابول، يتذكر الناس حكمتيار بصفته أمير حرب متوحشاً دمر أحياء بكاملها خلال الحرب الأهلية في التسعينات، ولاحقاً حمل السلاح ضد الحكام المدنيين، حسب صحيفة واشنطن بوست.
وتصادفت عودة حكمتيار مع أحداث "يوم انتصار المجاهدين" التي أدت إلى تنصيب الميليشيات المناهضة للسوفييت على رأس السلطة، في شهر أبريل/نيسان 1992. وكما هو معتاد، حضر هذه الاحتفالية مئات من الرجال في أزياء على غرار أزياء حرب العصابات، لكن هذا العام كان استعراض العضلات وصيحات التكبير أكثر من مجرد طقس.
ويواجه الرئيس، الذي عقد احتفالية مستقلة في القصر، أزمة الاقتتال الداخلي، والضغط والانشقاق من جانب قادة الميليشيا السابقين.
وكان أحمد ضيا مسعود، المستشار الخاص لغاني في أمور الحكم، وأخو الزعيم القتيل المعارض لطالبان أحمد شاه مسعود، قد فصله غاني لتوه بعد أن هدَّد بالاستقالة وقيادة مظاهرات معارضة للحكومة.
أما عبد الرشيد دوستوم، أمير الحرب الأوزبكي وأول رئيس وزراء لغاني، فهو تحت الإقامة الجبرية في كابول نتيجة لاتهاماتٍ بأنه ضرب واغتصب خصماً سياسياً مسناً، في شهر نوفمبر/تشرين الثاني 2016، لكن مؤيديه أقاموا مظاهراتٍ ضد حكومة غاني في إقليمين نهاية هذا الأسبوع.
أما الآن، فقد انضم حكمتيار إلى خليط المجاهدين المارقين السابقين، وقادة الميليشيات الذين قاتل بعضهم بعضاً ذات يوم، وأعاد إحياء الآمال السياسية للحزب الإسلامي الذي كان محظوراً يوماً ما وله الكثير من الأعداء ومئات السجناء الذي قد يطلق سراحهم قريباً، وكل ذلك، على ما يبدو، بهدف ضرب مثال لطالبان. وقال مساعدو حكمتيار إنه يخطط لعمل مسيرة ضخمة فور وصوله إلى كابول في الأيام القادمة.
برنامج حكمتيار
وقال حكمتيار، الذي ابيضَّت لحيته وكان يرتدي عمامةً سوداء، في خطابه يوم السبت الماضي، إنه يؤمن بالتغيير السلمي للحكومة لكن أفغانستان تحتاج إلى "حكومة مركزية قوية"، وإنها لن تقبل أبداً بحكومة "مفروضة عليها".
وانتقد حكومة غاني لانقساماتها الداخلية، التي أدت بالأساس إلى ابتعاد غاني عن شريكه، المدير التنفيذي عبد الله عبد الله، وتركته هشاً أمام الضغوط الخارجية.
أحد القادة الذين عبَّروا عن قلقهم من تأثير حكمتيار كان محمد عطا نور، وهو حاكم شمالي قوي وزعيم سابق من زعماء الميليشيات. إذ قال نور، في خطابٍ قرأه كبير مساعديه في احتفالية بمدينة مزار شريف في يوم انتصار المجاهدين، إنَّه قد رحب بعملية السلام، لكنه يشعر بالقلق من السماح لرجال حكمتيار بالمحافظة على أسلحتهم، وهو الأمر الذي من شأنه "أن يزيد من تعقيد الموقف، وأن تكون له عواقب غير سارة وخطيرة".
وقد وافق ممثلو حكمتيار، بموجب الاتفاقية التي وقعت في الخريف الماضي، على قبول الدستور، ووضع أسلحتهم والعمل من أجل السلام. ووافقت الحكومة على إطلاق سراح سجناء الحزب الإسلامي الذين لم يرتكبوا جرائم، وإعطاء ثلاثة مساكن لحكمتيار، وأرض للآلاف من أتباعه في المنفى، والسماح له بالمشاركة الكاملة في السياسة.
تاريخ من الصراعات
ويعد حكمتيار، رئيس الوزراء الأفغاني الأسبق، أحد أبرز المقاتلين الأفغان، الذين حاربوا الحكومات السابقة في كابل، منذ حقبة السبعينات قبل أن يحتضنه الجنرال نصير الله بابر الذي كان قائد حرس الحدود الباكستاني إبان حكم ذو الفقار علي بوتو، وفقاً لما جاء في تقرير لصحيفة الشرق الأوسط السعودية.
وفي منتصف السبعينات من القرن الماضي انقسمت الحركة الإسلامية بعد تصاعد الخلاف بين الجناح السياسي بزعامة برهان الدين رباني والجناح العسكري بزعامة قلب الدين حكمتيار، فأسس كل واحد منهم تنظيماً خاصاً له؛ حيث كانت الجمعية الإسلامية الأفغانية التي غلب عليها العنصر الطاجيكي والأقليات القومية الأفغانية الأخرى بزعامة برهان الدين رباني الذي تولى رئاسة البلاد إلى حين الغزو الأميركي لها، فيما أصبح حكمتيار زعيماً للحزب الإسلامي الأفغاني الذي غلب عليه عنصر البشتون.
وحقَّق الحزب الإسلامي الذي أسسه حكمتيار نجاحات بارزة في القتال ضد الحكم الشيوعي في أفغانستان منذ عام 1978 إلى نهاية الاحتلال السوفيتي في فبراير/شباط 1989؛ مما مكنه من نيل نصيب الأسد من المساعدات الأميركية والدولية التي كانت تقسمها الاستخبارات الباكستانية بين أحزاب المقاتلين آنذاك لقتال السوفيت.
وفي عام 1989 انضم حكمتيار الذي ينتمي إلى عرقية البشتون أكبر قوميات أفغانستان، إلى أول حكومة في المنفى للمقاتلين الأفغان، وأصبح وزيراً للخارجية، لكنه رفض الانضمام إلى اتفاق "بيشاور" بين أحزاب المقاتلين في 1992 لإنهاء حكم الرئيس الأسبق نجيب الله الموالي للسوفيت.
فشل في كابول
وحاول السيطرة على كابل من خلال هجوم عسكري قبل وصول قوات مسعود إليها، غير أن الاستخبارات الباكستانية التي رعت اتفاق "بيشاور" قطعت كل خطوط إمداد حكمتيار من الأراضي الباكستانية، وأجبرت الكثير من قادته العسكريين على التخلي عن حملته العسكرية، حسب الشرق الأوسط.
حاصر حكمتيار كابل ما بين عامي 1992 – 1994، بالتحالف مع الجنرال عبد الرشيد دوستم وحزب الوحدة الشيعي الأفغاني، لكن هذا الحصار لم يسقط دفاعات مسعود – رباني – سياف في كابل.
إيران
في خريف عام 1994 نشأت حركة طالبان في قندهار بجنوبي أفغانستان، وبدأت (تنظيف) المدينة والولاية من أخطاء قادة المقاتلين الأفغان، وفسادهم الأخلاقي والمادي والأمني، حسب الصحيفة، وما لبثت عدة ولايات أن سقطت بيد طالبان، وأظهر حكمتيار منذ البداية عداء شديداً لطالبان، لكن ما لبثت قواعده تتساقط الواحدة تلو الأخرى بيد مقاتلي "طالبان" دون قتال يذكر؛ مما أجبره في يونيو/حزيران 1996 على التوقيع على اتفاق لتقاسم السلطة مع برهان الدين رباني وأحمد شاه مسعود، أصبح بموجبه حكمتيار رئيساً للوزراء.
غير أن "طالبان" لم تمهل حكومة الوفاق بين الحزبين الرئيسيين، فهاجمت كابل وسيطرت عليها بشكل سريع، في سبتمبر/أيلول 1996؛ مما دعا حكمتيار ورباني ومسعود إلى الهرب لشمالي أفغانستان، غير أن عدة محاولات فاشلة لاغتيال حكمتيار أجبرته على اللجوء للمنفى في طهران، التي كان يتهمها حتى ذلك الوقت بالوقوف ضده في أفغانستان.
عاد حكمتيار إلى أفغانستان بعد الغزو الأميركي لأفغانستان أواخر عام 2001، وأعلن الحرب ضد حكومة الرئيس الجديد حامد كرزاي والقوات الأميركية، وفشل أكثر من مرة في التوصل إلى اتفاق مع "طالبان" لإقامة جبهة موسعة ضد الحكومة الأفغانية.
انقسم حزب حكمتيار إلى عدة أجنحة متصارعة سياسياً، ودخلت هذه الأجنحة إلى المعترك السياسي في كابول، بعد اعترافها بالدستور الأفغاني، وحصل مرشحوها على أكبر كتلة برلمانية في عهد الرئيس حامد كرزاي، كما عين كرزاي الذي تربطه علاقة خاصة بحكمتيار 13 من قادة الحزب الإسلامي السابقين حكاماً في ولايات أفغانستان الاثنتين والثلاثين، فيما عين أكثر من ستة من الوزراء ممن كانوا في الحزب الإسلامي في حكومة الرئيس حامد كرزاي.
أبقى حكمتيار على خطوط اتصال مع المؤسسة العسكرية والأمنية الباكستانية، كما أبقى على خطوط اتصال مع الحكومة الإيرانية ودول الخليج العربية وعدد من الدول الأخرى، فيما تقلَّص حجم حزبه وأنصاره داخل أفغانستان بشكل كبير جداً.
واقتصر نشاط مقاتلي حزبه على ولايات كونار ونورستان ولغمان شرقي أفغانستان، وولاية بغلان شمالي العاصمة كابول، إضافة إلى وجود ضئيل في ولاية بلخ الشمالية وولاية ننجرهار المحاذية لباكستان.