امرأة تحصل على شهادة تقدير نادرة

عاشت المرأة لحقبات في ظل مجتمعات تنظر إليها نظرة انتقاص، تارة تقسم كميراث مثل بقية ممتلكات الزوج، وأخرى تحرق مع زوجها بعد وفاته، ويشكك في كينونتها الإنسانية فتتأرجح الآراء بين كونها شيطاناً أم إنساناً، إضافة إلى ما عانته من تضييق قدراتها والنظر إلى دورها الأسري نظرة امتهان وتصغير وأحياناً كان هذا باسم الدين في الشرق والغرب - والدين الحنيف من ذلك براء.

عربي بوست
تم النشر: 2017/04/26 الساعة 06:13 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2017/04/26 الساعة 06:13 بتوقيت غرينتش

أزمة تقدير ذاتي
– يجب أن أثبت للناس أنني..
– يجب أن نثبت للرجل أنّ المرأة..
– يجب أن نثبت للعالم أنّ المرأة..
– الرجل يؤدّي هذه الوظيفة، يجب أن أثبت أنّ المرأة أيضاً تستطيع العمل في الوظيفة نفسها.
– يجب أن أثبت لـ.. أنني أستطيع الحصول على درجات دراسية أعلى وشهادة أكاديمية أكبر.
– سأثبت أنني أستطيع الحصول على منصب.. في العمل.
– كيف أذهب إلى الحفل بنفس ملابس الحفل السابق؟ يجب أن أبهرهم بملابسي الجديدة وأفاجئهم بسعرها الغالي وماركاتها.
– اشترت سيارة من طراز.. حسناً سترى بعد أسبوع سيارتي الجديدة، سأثبت أنني أمتلك الأجمل والأغلى.
– لماذا تسافر عائلة… وصديقاتي إلى.. ولماذا لا نسافر نحن؟

هذه وغيرها مما يكثر ترداده هنا وهناك لإثبات الذات في سياق العلاقات الأسرية والاجتماعية أو على صعيد العمل.

وهنا نقطة مركزية في نظرة المرأة لذاتها: ما هو رأيها واعتقاداتها عن ذاتها كامرأة؟
لماذا هذا التكرار العلني أو الضمني الصارخ في تصرفاتها لكلمة (إثبات)؟
ما الشيء الذي تريد إثباته؟ ما هو المنفي في اعتقادات الناس والذي تريد إثبات وجوده، أو ما هو الخطأ الذي تريد تصحيحه؟ وهل هذا المنفي أو الخطأ موجود في اعتقاداتها هي أيضاً أم لا؟ أي: هل حقاً تريد إثباتها للآخرين أم لنفسها؟

عاشت المرأة لحقبات في ظل مجتمعات تنظر إليها نظرة انتقاص، تارة تقسم كميراث مثل بقية ممتلكات الزوج، وأخرى تحرق مع زوجها بعد وفاته، ويشكك في كينونتها الإنسانية فتتأرجح الآراء بين كونها شيطاناً أم إنساناً، إضافة إلى ما عانته من تضييق قدراتها والنظر إلى دورها الأسري نظرة امتهان وتصغير وأحياناً كان هذا باسم الدين في الشرق والغرب – والدين الحنيف من ذلك براء.

وحصيلة هذه البرمجة المجتمعية انعكست وتكرّست في أذهان الوالدين، منتقلة إلى الجيل اللاحق ذكوراً وإناثاً، عن طريق التربية التي كانت تظهر وتغرس مفهوم الأفضلية والأحقية للرجل على المرأة بصورة لفظية، صريحة أو ضمنية، في التعامل والمواقف الحياتية اليومية، فصدّق الذكور وصدّقت الإناث واقتنعوا بأن الأصل في الحياة هو ما عاشوه في مجتمعاتهم، وأصبح تقديرها لذاتها متدنياً، لكنه في الأصل غير حقيقي.

واليوم العالم قد تغيّر، ووضع المرأة على مستوى العالم يشهد تغييرات كبيرة، إيجاباً وسلباً، وما نريد الحديث عنه تحديداً هنا فيما يتعلق بهذا الأمر هو أن المرأة لا تزال تحمل في بقايا صورتها الذهنية ذاك الانطباع المتدني عن نفسها، الذي ورثته من أجيال سابقة.

هذا المفهوم الذي أقنعوها به فترة طويلة من الزمن قابع في مترسخاتها الفكرية، رغم أن ظاهرها يوحي عكس ذلك، فهي الآن غالباً ما تمتلك حرية التعليم والتعبير والتنقل والزواج والعمل واختيارات الشراء؛ بل أحياناً القرارات الأولى والأخيرة في الأسرة، وعالمياً، المنظمات الإقليمية والدولية النسوية في نشاط مستمر، والخطابات النسوية تملأ العالم.

في ظل كل هذه المستجدات لماذا الإكثار من كلمة إثبات؟ ما الذي تريد إثباته وهو منفيّ؟ أليس هو إثبات أنني موجودة؟ أنا لست أقل من الرجل، أستطيع فعل ما يفعله حتى لو وقفت الساعات الطوال كضابط مرور، وأنا جسدياً لا أحتمل كل هذا الوقوف، حتى لو أصبحت بطلة رفع الأثقال، مصلّحة سيارات، مشرفة البناء، بكل تلك المصاعب التي تشق حتى على أجساد الرجال.

وعند المطالبة بالحقوق يصبح أعلى سقف طموحاتها الحصول على ما حصل عليه الرجل، وأتساءل: علامَ حصل الرجل؟ إنه مضطهد في بلده، مهضوم الحقوق الإنسانية، مهدور الكرامة، محارب في لقمة عيشه، مهدد في عقر داره.

لا ننكر أن المرأة عانت كل هذا مضافاً إليه اضطهاد الرجل لها، أباً وأخاً وزوجاً، حقاً لقد كانت الوطأة أثقل، ومع هذا فإن سقف الطموح ومعيار المقارنة ينبغي ألا يكون ما آل إليه الرجل وما أخذ ونال، بل ما هي مستحقاتي كامرأة؟ ما هو دوري في الحياة؟ ما يجب أن أقوم به كمهام خلقني الله -تعالى- من أجلها، هل حققت؟ هل أديت؟ هل نجحت؟

أعتقد أن من تعيش وقد تحررت من قيود النظرة البشرية التاريخية للمرأة إلى فضاء القيمة والتكريم الإلهي للإنسان ذكورًا وإناثاً لن تعيش وهدفها الإثبات، لا لذاتها ولا للرجل؛ لأنها في الأصل مكرمة "ولقد كرّمنا بني آدم"، وبنو آدم هم ذكور وإناث، والتكريم الإلهي يشملهما.

وهي بهذا لن تستمد قيمتها من أوراق رسمية تؤكد مؤهلاتها العلمية، ولا في نسب تعارف الناس خطأ تعظيمه، ولا ممتلكات مهما غلا ثمنها النقدي فهي زهيدة مقارنة بالإنسان المتصرف فيها، ذاك الإنسان (ذكراً أو أنثى) الذي قال الله تعالى عنهما: "ونفخت فيه من روحي"، ولتكريمه وأهمية دوره أسجد له الملائكة "وإذ قلنا للملائكة اسجدوا لآدم"، فأي أدلة وأي براهين وأي إثبات للذات وللرجل وللمجتمع وللعالم؟!

هذا هو الإثبات والدليل، لا شيء منفي لإثباته، ولو شكك كل مَن في الأرض لا تنسَي قيمتك الحقيقية عند الله.

هذه هي شهادة التقدير النادرة التي تمتلكها كل امرأة (وكل رجل)، أنتِ الوحيدة والنادرة التي لم يخلق مثلها أحد، بل أنت نسخة واحدة فقط.

ركّزي في مهامك ودورك بلا مقارنة ولا تنافس ولا إثباتات، فكثرة التلفت تؤخر الوصول.

ملحوظة:

التدوينات المنشورة في مدونات هاف بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.

تحميل المزيد