بدأ المرشح المُعتدل المؤيد للاتحاد الأوروبي إيمانويل ماكرون، واليمينية المتشددة المعارضة للهجرة مارين لوبان، صراع الجولة النهائية للانتخابات الرئاسية الفرنسية، بعد أن أطاح الغضب تجاه مؤسسات الدولة بالأحزاب الفرنسية التقليدية خارج السباق الرئاسي.
وحصل ماكرون في الجولة الأولى على 8.4 مليون صوت، أي 23.75% من إجمالي الأصوات، بينما حصدت لوبان 21.53% من الأصوات، وهي أعلى نسبة أصوات يحصل عليها حزب الجبهة الوطنية الفرنسي في تاريخه.
وتنطلق الجولة الثانية للانتخابات في السابع من مايو/أيار، وتُسيطر عليها الانقسامات العميقة في جسد الأمة الفرنسية الغاضبة على الطبقة السياسية بسبب معاناتها من البطالة والصعوبات الاقتصادية، بحسب ما ذكرت صحيفة الغارديان البريطانية.
ومنح أكثر من 40% من الناخبين أصواتهم للمرشحين المتشككين في جدوى الانضمام للاتحاد الأوروبي، الذين يرون الاتحاد الأوروبي مشروعاً فاشلاً ويعارضونه، بمن فيهم لوبان، وميلونشون اليساري المتشدد، وغيرهما من المرشحين.
احتشاد خلف ماكرون
واحتشد الساسة الأوروبيون حول ماكرون، إذ كسر رئيس المفوضية الأوروبية جان كلود يونكر البروتوكول ليُعلن شخصياً أُمنياته بالتوفيق لماكرون في الجولة الثانية.
كما وصف ميشال بارنييه، المُفاوض الرئيسي للاتحاد الأوروبي في ملف انفصال المملكة المتحدة، ماكرون بأنَّه "وطني وأوروبي"، وأعرب أيضاً عن ثقته بفوز ماكرون على لوبان. وأضاف بارنيير: "يجب أن تظل فرنسا أوروبية".
ماكرون، السياسي المُبتدئ الذي يبلغ من العمر 39 عاماً، هو المرشح الأقرب للفوز بمقعد الرئاسة الفرنسي. ووصل اليورو إلى أعلى مستوياته منذ خمسة أشهر بينما ارتفعت الأسهم الأوروبية بشكلٍ حاد بعد ارتفاع احتمالية فوز ماكرون بالانتخابات.
ونتيجة سعي الجانبين لحصد أصوات منافسيهم الخاسرين، بدأت لوبان هجومها على ماكرون اليوم الإثنين 24 أبريل/نيسان.
إذ صرَّحت لوبان قائلةً للمراسلين: "أنا أُقابل الشعب الفرنسي على الأرض للفت انتباههم للقضايا المهمة، مثل الإرهاب الإسلامي، وهي القضية التي بوسعنا القول إنَّ ماكرون ضعيفٌ فيها على الأقل. ولا يمتلك ماكرون مشروعاً لحماية الشعب الفرنسي في مواجهة الخطر الإسلامي". وأضافت أنَّ جولة الإعادة مع ماكرون كانت بمثابة استفتاء على "العولمة المُطلَقَة"، وفق ما ذكر تقرير سابق لعربي بوست.
وتعرض ماكرون لحملةٍ من الانتقادات بعد احتفاله بنتائج الجولة الأولى مع فريق عمله، ودائرته المقربة، وعددٍ من أصدقائه المشاهير في مطعمٍ فرنسي يحمل اسم "لا روتوند" بباريس مساء الأحد، 23 أبريل/نيسان. وعلَّق أحد الساسة المنتمين لحزب الجمهوريين اليميني الفرنسي: "لا يجب أن يحتفل المرء عند وصول اليمين المتشدد للجولة الثانية".
ووصف حزب الجبهة الوطنية تصرُّف ماكرون بـ"الاحتفال المبالغ فيه والسابق لأوانه"، وشبَّهوه بالرئيس الفرنسي السابق نيكولا ساركوزي، الذي عقد حفلاً للمشاهير في الجولة الأخيرة داخل مطعم أنيق بالشانزلزيه عام 2007، وأثار ذلك موجة انتقاداتٍ عنيفة لأسلوب "الثراء الفاحش" الذي ظل مرتبطاً باسمه لخمس سنوات.
وكتب ديفيد كورماند، رئيس الحزب الخُضر الفرنسي، في تغريدةٍ على تويتر عن احتفال ماكرون: "هذا الاحتفال في مطعم لا روتوند مُثيرٌ للخجل في ظل وضعٍ سياسي وصل فيه اليمين المتشدد إلى الجولة الثانية من الانتخابات".
وقلَّل فريق ماكرون مما وصفوه بـ"الجدل العبثي" حول الأمر، وقال ماكرون نفسه: "إذا لم تُدركوا أنَّه من دواعي سروري قضاء الليلة في الخارج مع فريق عملي وحراسي الشخصيين، فأنتم لم تُدركوا معنى الحياة بعد".
وبعد تصويت المملكة المتحدة للانسحاب من الاتحاد الأوروبي، واختيار أميركا للسياسي المُبتدئ دونالد ترامب كرئيسٍ للبلاد، يُعتَبَر سباق الرئاسة الفرنسي آخر انتخاباتٍ تهُزُّ عرش المؤسسة السياسية بطرد الشخصيات الشهيرة التي ترمُزُ للوضع الراهن.
وكانت نتيجة الجولة الأولى التاريخية مؤشراً قوياً على رفض الطبقة السياسية الحاكمة، وهي المرة الأولى التي تخرج فيها أحزاب اليمين واليسار الحاكمة من السباق في الجولة الأولى منذ فترة ما بعد الحرب.
وقاد رئيس الوزراء المُنتمي للحزب الاشتراكي برنار كازنوف حملاتٍ المُطالبة بدعم ماكرون في مختلف أنحاء الوسط السياسي من أجل التصدي للوبان، التي وصفها بأنَّها تُمثِّل "التردِّي والانقسام" لفرنسا.
وقال فرانسوا فيون، مُرشح اليمين الذي أثرَّت عليه الفضائح وأطاحت به من سباق الرئاسة، إنَّه سيصوِّت لماكرون أيضاً لأن حزب الجبهة الوطنية "يمتلك تاريخاً طويلاً من العنف والتعصُّب"، كما أنَّ برامجه الاقتصادية والاجتماعية ستقود فرنسا للإفلاس.
ودعت لوبان بعيد إعلان تقديرات نتائج الدورة الأولى الفرنسيين: "تم تجاوز المرحلة الأولى التي توصل الفرنسيين إلى الإليزيه. هذه النتيجة تاريخية"، معتبرة أن الدورة الثانية المقررة، في السابع من مايو/أيار، ستدفع الفرنسيين إلى الاختيار بين "العولمة المتوحشة" المجسدة بخصمها ماكرون، و"البديل الأكبر".
وتابعت قائلة: "الشيء الأساسي على المحك في هذه الانتخابات هو العولمة المتوحشة التي تهدد حضارتنا"، وحثَّت الناخبين الفرنسيين على التخلص من قيود "النخبة المتغطرسة"، وفق ما ذكر تقرير عربي بوست.
ويرى المحللون أنَّ أمل لوبان الوحيد في تقليل الفارق بينها وبين ماكرون في صناديق الاقتراع هو رسمه أمام الرأي العام في صورة ابن النخبة الذي يعيش بمعزلٍ عن الفرنسيين العاديين ومشاكلهم.
تفاؤل وأمل
وخلال حديثه أمام حشدٍ مُغتبطٍ صاخب في باريس يوم أمس الأحد، 23 أبريل/نيسان، قال ماكرون عن حركته السياسية الناشئة: "نجحنا خلال عامٍ واحد في تغيير وجه الحياة السياسية الفرنسية". وأضاف أنَّه يُمثِّل "التفاؤل والأمل"، قبل أن يُوجِّه رسالةً ضمنيةً للوبان قائلاً إنَّه سيكون رئيساً لـ"الوطنيين" في مواجهة "الخطر القومي".
وبينما حمل مؤيدو ماكرون أعلام الاتحاد الأوروبي في تجمعاتهم، وأشاد المرشح نفسه بالدور الإيجابي للاتحاد الذي يضم 27 دولة، قالت لوبان لمؤيديها إنَّ "الاتحاد الأوروبي سيموت". وترغب لوبان في الانسحاب من الاتحاد الأوروبي، والعودة لاستخدام الفرنك الفرنسي، والخروج من اتفاقية الشنغن وإغلاق الحدود الفرنسية.
وخرج كلٌ من حزب الجمهوريين اليميني والحزب الاشتراكي اليساري الحاكم من السباق الرئاسي، بعد هيمنتهم على الحكومة والسياسة الفرنسية لعقودٍ طويلة. واقتسم الحزبان نسبة 25% من الأصوات فقط فيما بينهما.
وتُمثل المواجهة النهائية بين ماكرون ولوبان إعادة ترسيم للانقسام السياسي بعيداً عن الانقسامات السابقة بين اليمين واليسار، ليُصبح الصراع الآن بين الموقف الليبرالي المؤيد للعولمة وبين القومية الداعية لـ"إغلاق الحدود".
ووصفت لوبان حملتها الانتخابية بأنَّها مواجهةٌ بين "الوطنيين" و"دُعاة العولمة"، الذين يُمثلهم ماكرون على حد قولها.
وأياً تكن هوية الفائز في مواجهة ماكرون ولوبان، فإنَّ الانتخابات البرلمانية المقبلة في يونيو/حزيران ستكون مصيرية. وستُحدِّد الأغلبية في البرلمان الفرنسي كيفية حُكم الرئيس الجديد، ومن المُرجِّح أن تحتاج فرنسا إلى شكلٍ جديد من السياسات الائتلافية.
وفي حال انتخابه رئيساً، سيقوم ماكرون بترشيح أشخاصٍ من حركته السياسية الناشئة لعضوية البرلمان، سعياً للحصول على أغلبيةٍ برلمانيةٍ جديدة من نوعها وسط الانقسام القائم بين اليمين واليسار.
أما إذا فازت لوبان بمقعد الرئاسة فلن يفوز حزبها على الأرجح بالأغلبية البرلمانية، وهو الأمر الذي سيضعف قدرتها على الحكم. لكنَّ حزبها يأمل في زيادة عدد نوابه في المجلس الذي يضم 577 مقعداً. وحالياً، تمتلك لوبان نائبين فقط في البرلمان.