في القرن العاشر الميلادي، رست سُفن المسلمين على شواطئ المدينة الفرنسية المعروفة باسم سان تروبيه حالياً، وتحصنوا بالغابات الكثيفة في سلسلة جبال ماسيف دو مور، ثم انطلقوا إلى القُرى في منطقة بروفنس.
وبلدة فريجوس القريبة، كانت ميناءً رئيسياً أسسه يوليوس قيصر عام 49 قبل الميلاد دايلي بيست.
اليوم، فريجوس هي معقل حزب الجبهة الوطنية اليميني المتطرّف المُناهض للهجرة. وقائدته، مارين لوبان، تتصدّر بهامشٍ ضئيل سباقاً انتخابياً غير متوقع يُمكن أن يدفع بأوروبا كلّها في اتجاهٍ جديد مُخيف في حالة فوزها.
العرب والسُود سيفوقوننا عدداً
وقالت لوبان في مؤتمرِ انتخابي لـ"الجبهة الوطنية"، الأسبوع الماضي: "الخيار يوم الأحد المقبل بسيط. إنّه خيارٌ بين فرنسا الصاعدة مرة أخرى وفرنسا التي في طريقها للغرق".
وعند الاستماع إلى مؤيدي لوبان بفريجوس في الأسبوع المؤدي إلى الجولة الأولى من الانتخابات يوم الثالث والعشرين من أبريل/نيسان، ستشعر بأنّهم اليوم في خطرٍ، كما كانوا في خطرٍ قبل 11 قرناً.
إذ تقول فرانسواز بوييه، بائعة الخُضر في السوق الأسبوعي الخارجي والبالغة من العمر 67 عاماً، والمقيمة منذ أمدٍ بعيدٍ بفريجوس: "العرب والسُود انتقلوا لتوهم إلى هُنا وكأنَّهم أصحاب المكان، لكنّهم لا يريدون أن يكونوا فرنسيين، ولا يكترثون لفرنسا. وقريباً سيفوقوننا عدداً إن لم نتصرّف".
وقال بيير فاليس، البالغ من العمر 71 عاماً، إنّه ليس عنصرياً، لكنه لم يعُد يعرف بلدته أو وطنه. وأضاف: "إننا نفقد فرنسا، وإن تفوّهنا بكلمةٍ عن الأمر نُتّهم بالعنصرية. يحظى المسلمون بالاحترام أكثر منّا. وهذا مخيف. هل من العنصرية أن تحبّ ثقافتك وترغب في حمايتها والتأكّد من بقائها عند أحفادك؟".
المخطط أراد تدمير مسجد
انطلقت حملة لوبان في سبتمبر/أيلول الماضي من مدينة فريجوس، التي تطل على البحر المتوسط، وتحتوي على أكشاك بحرية تبيع البرغر في منتصف المسافة بين سان تروبيه وكان، وبها مركزٌ على البرّ أقيم على أطلال القنوات الرومانية القديمة.
وعُمدة البلدة، ديفيد راشلاين، هو مُدير حملة لوبان. وفاز راشلاين بالانتخابات في فريجوس حين وعد بتدمير المسجد الجديد الفخم المبنيّ في الضاحية الفقيرة التي يعيش فيها أغلب السكّان المسلمين. لكن محكمةً محلية أثارت سخط راشلاين، والكثير من سكان فريجوس، حين ألغت الخطة في فبراير/شباط، ليظلّ المسجد قائماً حتى اليوم.
ويحصل اليمين المتطرّف على أغلب التركيز الإعلامي بفريجوس، لكن السكّان المسلمين المكدّسين في مشروعات إسكانٍ على الطراز الأميركي على أطراف المدينة هم قوةٌ لها وزنها.
ويسير الرجال في الزي الإسلامي التقليدي (وقال لي أحد الرجال: "أرجوك لا تصفه بالسلفي!") ذهاباً وإياباً إلى مسجد الفتح من أجل أداء الصلوات الخمس.
مسلم: الناس ينظرون إلينا بريبة
أحد المسلمين بالمدينة هو محمد الصريخي، البالغ من العمر 31 عاماً، والذي وُلِدَ في فريجوس من أصلٍ مغربي. وبينما كانت طفولته منعزلة نوعاً ما، يقول محمد إنّه لم يختبر العنصرية المتطرفة إلا بعد الهجوم على مركز التجارة العالمي الأميركي في 11 سبتمبر/أيلول 2001.
ويقول محمد، المتحدّث باسم المسجد: "بعدها بدأ الناس ينظرون إلينا بريبة، وازداد الأمر سوءاً. أحزنتنا رؤية التغيّر والغضب تجاهنا. لكن في الوقت نفسه، لستُ واثقاً بأن فوز مارين لوبان سيكون سيئاً إلى الدرجة التي يظنّها الناس. نحن نتحلّى بالإيمان".
لكن، هناك أسباب واضحة للقلق، خاصةً حالياً في الوقت الذي رفعت فيه قوات الأمن الفرنسية استعداداتها تحسباً لهجومٍ إرهابي يقلب موازين الانتخابات. ويوم الثلاثاء، أعلنت السُلطات إحباط هجومٍ خطط له تنظيم "الدولة الإسلامية" في مارسيليا، على بُعد 150 كم من الساحل.
والشهر الماضي، حُكِمَ على محمد خان وزير، المواطن الأفغاني البالغ من العمر 30 عاماً، وأحد المقيمين في فريجوس، والذي سمّى ابنه الصغير "جهاد"، بالسجن 18 شهراً، وذلك بعد تهديده بإطلاق النار على قُضاةٍ فرنسيين ببندقية كلاشينكوف بعد أن سئم من انتظار حصول ابنه على جواز السفر الفرنسي.
إذ ذهب الطفل، البالغ من العمر 3 أعوام، إلى منطقةٍ تُسيطر عليها "الدولة الإسلامية" في الشرق الأوسط بصحبة والدته. وبعد عودتهما، اعتُقلت الأم في باريس ووُضع الطفل في دار رعاية. وهُنا غضِب وزير، والذي كان يعمل إماماً في السابق، وبدأ يُطلق التهديدات بينما يزور ابنه في مركز الرعاية.
لكنَّ الكثير من مسلمي فريجوس، مثل الصريخي، يهوّنون من وجود الحركات الإسلاموية في البلدة. ويبدو أن محاولاتهم ما زالت بعيدة عن النجاح.
نأى إمام مسجد فريجوس، البالغ من العمر 29 عاماً، عن الحديث في باديء الأمر؛ لأنّه -كما قال- يشعر بأنَّ المسلمين يُساء فهمهم كثيراً. إلا أنَّه وافق؛ لأنّه شعر بأهمية أن يعرف الناس أنَّ المسلمين في فريجوس ليسوا غاضبين، حتى مع التهديد بتدمير مسجدهم.
وقال عبد الحميد، الذي لم يرغب في استخدام اسمه الأخير: "يجب أن تبقى هادئاً دوماً. فقبلنا، عانى نبينا محمد معاناةً أكبر بكثير من معاناتنا. وتعرض للضرب، وقُذف بالحجارة، واتُّهِمَ بالجنون، وأُهين. لكنَّه بغض النظر عن كل شيء صبر واحتسب. وكان يفضّل الصبر على القتال. ونحن نتحلّى بالإيمان، والإيمان أساس ديننا. وواجبنا الوحيد هو طاعة ربّنا. وهذه الطاعة تأذن لنا بالصبر. ونعرف أنَّ الجنة تنتظرنا، لهذا نصبر حتى وإن ناصبنا الناس العداء، وسنطبّق تعاليم ديننا ولن نُزعج أحداً".
وربّما يكون إمام فريجوس صابراً، لكن هُناك قطاعاً من سكان فريجوس لا يحظى بأي انتباه، وهؤلاء هم المعارضون لـ"الجبهة الوطنية"، والخجِلين من الارتباط بها.
من هؤلاء، جان بول راديجوا، البالغ من العمر 67 عاماً، ورئيس جمعية محلية تُحارب العُمدة حالياً بشأن خططه لتطوير مناطق حساسة من البلدة بيئياً. ويحتقر راديجوا أفكار لوبان ومؤيديها.
وقال: "أصبحت فريجوس قرية اختبار، أو معملاً إن شئت، لتجارب (الجبهة الوطنية). فالجبهة تعِد الشعب الفرنسي بحياة أفضل، وبمغادرة الاتحاد الأوروبي، وإنهاء التعامل باليورو. لكن كلّها أوهام. أفكارها أضغاث أحلام لأناسٍ يرغبون في العودة إلى خمسينات القرن الماضي. إنَّ فوز مارين لوبان بالانتخابات سيكون كارثة".
– هذا الموضوع مترجم عن موقع The Daily Beast الأميركي. للاطلاع على المادة الأصلية، اضغط هنا.