كان صاحب فندق من فئة 4 نجوم في مدينة باوتزن الألمانية شرقي البلاد، على شفا الإفلاس، عندما قرَّر تحويله إلى مأوى للاجئين، دون أن يدري أن القاطنين الجدد سيتسببون له بالمشاكل، ثم سكان بلدته الذين يتهمونه بجلب العنف إليها، والإساءة لصورتها.
ويبصق بعض سكان بلدته على الأرض عندما يقود بيتر راوش سيارته في المدينة، فيما يقول الرجل إنه تم منعه من دخول 3 محال تجارية على الأقل، كما يُغلق جيرانُه سماعة الهاتف عندما يسأل أحدهم عنه.
وفقد راوش منذ أن أصبح مديراً للمأوى عدداً من أصدقائه، فيما تعتبر إحدى صديقاته القلائل في هذه البلدة، أنَّ اللاجئين أنقذوه.
وكان المبيت في إحدى غرف الفندق يكلف 90 يورو، ولكن في مطلع 2014 حيث كاد يُفلس الرجل، شاهد إعلاناً في صحيفة محلية يظهر حاجة المدينة بشكل مُلحٍّ لمأوى لاجئين.
فرأى فيها راوش فرصته الأخيرة، فأغلق الفندق وافتتحه كمأوى، في الخامس عشر من شهر تموز/يوليو العام 2014، تملؤه الآمال في تحسن وضعه، وبدأ يكسب من هذا المأوى 13 ألف يورو في الليلة، ما يجعل المبلغ الكلي سنوياً يصل إلى قرابة مليون يورو.
وقد جاء خوف أهل بلدته من وجود مساكن إيواء للاجئين كي لا تتدهور أسعار أراضيهم، وزيادة الضجة والنفايات في الجوار، والخوف على زبائنهم في الصيف.
حتى راوش نفسه بعد أسابيع قليلة عندما شاهد سيارات الشرطة والإنقاذ أمام مأوى، ورجال تونسيون من المقيمين لديه ملقين على الأرض والغاز المسيل للدموع في أعينهم، بدأ يتساءل فيما إذا كانت فكرة تحويل فندقه إلى مأوى صائبة.
عامان ونصف العام مأوى للاجئين
وتقول صحيفة تاز، كيف كان يجلس الرجل "المكروه" من قبل الكثيرين في المدينة على حدّ وصفهم، خلف طاولته وهو يراقب شاشة تظهر ما تلتقطه 14 كاميرا مراقبة، لما يجري خارج الفندق وحركة اللاجئين داخله، إذ كان يخاف راوش أن يهاجم اليمينيون المتطرفون الفندق ويضرموا النار فيه.
وكان 40 تونسياً يقيمون لديه منذ افتتاحه المأوى، كلهم رجال، وكانت الأجواء عدائية، إذ تم تحطيم النوافذ والطاولات، وتكسير الأسرّة وغرف النوم، وبات راوش فاقداً للسيطرة على الوضع.
عناصر اليمين المتطرف كلما عبروا أمام الفندق يبدأون بالصياح قرب السور البالغ طوله 4 أمتار "ألمانيا للألمان" و"ليخرج الأجانب".
وفي إحدى الليالي تأزَّم الوضع، إذ ردَّ المقيمون في المأوى بالعربية والفرنسية على هؤلاء، وذهبوا إلى السور فاتصل أحد المسؤولين عن الأمن في المأوى بالشرطة، وأراد بعض المقيمين الاشتباك مع اليمينيين، فأعادهم مقيمون آخرون.
ثم مع وصول الشرطة أوقع المقيمون في المأوى "راوش" ورجل أمن، وفروا نحو المبنى، كما اشتبك بعضهم مع الشرطة، وهكذا شاهد "راوش" كيف تم استعمال الغاز المهيج ضدهم.
ويقول راوش، إنه لم يكن بريئاً حينها، إذ لم يكن صارماً بما فيه الكفاية وقتها، أما الآن فقد تغيَّر الأمر فمن لا يتخلص من نفاياته بالشكل المطلوب يشاهده بكاميرا المراقبة ويغلق شبكة الإنترنت لديه، ويفعل الشيء نفسه لدى الاستعمال المفرط للمدفأة أو عند إحداث شغب.
اشترى سيارة من مال اللاجئين
في الحادي والعشرين من شهر فبراير/شباط، من العام الماضي، تم حرق سقف مبنى في باوتزن، كان من المخطط أن يستضيف لاجئين، وفيما كان عمال الإطفاء يحاولون إخماده كان مخمورون واقفين إلى جانبهم، وهم يصفقون فرحاً. وفي أواخر الصيف الماضي ازداد عدد العمليات الأمنية للشرطة في "كورن ماركت"، الذي كان ملتقى للاجئين الشبان.
وفيما ركن سيارته من طراز "SUV" في موقف سيارات أمام بنك، اقترب زوجان منه وبدآ بالحديث بصوت عالٍ كي يسمعهما راوش، فقال الزوج "انظري هذا هو راوش، بالمال الذي يجنيه من اللاجئين بإمكانه شراء سيارة جديدة".
فتعامل راوش مع الأمر بهدوء، لأن ما قالاه صحيح من حيث المبدأ، فقد دفع كل ديونه، وبات باستطاعته التوفير لأجل تقاعده، واستثمار المال في المنزل القديم لوالدته المتوفاة في "الغابة السوداء" جنوب غربي ألمانيا، الذي ينوي الإقامة فيه عند تقاعده.
إنها المرة الأولى التي يكسب فيها المال من الفندق، وهي المرة الأولى التي يجد السعادة فيه، وهو يقدم القاطنين في المأوى لمراسلة الصحيفة، كشأن شاب إريتيري، القادم من جولة ركض طولها 20 كيلومتراً، الراغب في أن يصبح بطلاً أولمبياً، ويقدم راوش الرعاية له، على أن يرسل الشاب الميدالية الذهبية له من طوكيو.
وقال في اتصال هاتفي أخير مع "تاز" في شهر مارس/آذار الماضي، عن إمكانية الهجوم على المأوى، والارتياح باد عليه أنه يمكن أن يحدث غداً هجوم جديد، لكنه بات يعتبره جزءاً من مهنته.