قدَّمت كوريا الشمالية استعراضاً عسكرياً مذهلاً أمس السبت 15 أبريل/نيسان، حين احتفل النظام بأهم أيام العام: "يوم الشمس"، الذكرى السنوية لميلاد كيم إيل سونغ مؤسس كوريا الشمالية.
كيم جونغ أون، حفيد المؤسس والقائد الحالي لكوريا الشمالية، أفصح بوضوح عن رغبته في اقتناء الأسلحة النووية والوسائل اللازمة لإلقائها على الولايات المتحدة. في خطاب رأس السنة الجديدة، قال كيم إن كوريا الشمالية تدخل "المرحلة الأخيرة" من تحضيراتها لإطلاق صاروخ باليستي عابرٍ للقارات قادرٍ على الوصول إلى بر أميركا، وفقاً لما جاء في تقريرٍ لصحيفة واشنطن بوست الأميركية.
لذا كان الخبراء يرتقبون الاستعراض الكبير يوم السبت، لكنهم صُدِموا لدى رؤية تنوُّعِ الصواريخ المعروضة التي يبدو أنها جديدة، وعددها الهائل.
تحدَّثنا إلى جيفري لويس، رئيس برنامج شرق آسيا بمركز جيمس مارتن لدراسات منع انتشار الأسلحة بولاية كاليفورنيا الأميركية، أو كما يصف نفسه "المهووس بالحد من انتشار الأسلحة"، عن الصواريخ المعروضة يوم السبت.
وهذه هي أبرز النقاط (أو أسوأها، بناءً على وجهة نظره).
هل كانت تلك صواريخ باليستية عابرة للقارات؟
لنبدأ من النهاية. في آخر الاستعراض الذي أُقيمَ أمس السبت، حرَّك الجيش الكوري الشمالي مجموعتين من حاويات الصواريخ هائلتي الحجم في أنحاء ساحة كيم إل سونغ باستخدام العجلات. كانت هذه هي الحاويات التي تحتوي الصواريخ، وليست الصواريخ نفسها. ربما تكون هذه هي الصواريخ الباليستية العابرة للقارات المصمَّمة للوصول إلى الولايات المتحدة، وربما لا شيء على الإطلاق.
يقول لويس: "لكن إن لم تكن تلك هي الصواريخ العابرة للقارات، فهي جسرٌ لصنع واحدة".
بدا أن واحدةً من الحاويتين حجمها مناسبٌ لصاروخ KN-08، وهو صاروخٌ ثلاثي المراحل تسميه كوريا الشمالية "هواسونغ 13". يُمكن لهذا الصاروخ، الذي يبلغ مداه النظري 7,500 ميل (12070 كيلومتراً)، الوصول إلى الولايات المتحدة من كوريا الشمالية.
وقال لويس في تغريدةٍ على حسابه على موقع تويتر: "هذا الشيء (على اليسار) يُشبه صاروخ DF-31 الصيني (على اليمين). الحاوية بحجم صاروخٍ باليستي عابرٍ للقارات، غير أن ما بداخلها متروكٌ للتخمين".
.@DaveSchmerler This thing (left) looks like a Chinese DF-31 (right). The canister is ICBM-sized, though what's inside is anyone's guess. pic.twitter.com/9eff9OusZ1
— Jeffrey Lewis (@ArmsControlWonk) April 15, 2017
وقال لويس عن الحاوية: "ردة الفعل الطبيعية هي: ما هذا بحق الجحيم؟ ربما هناك صاروخ KN-08 داخلها، ربما هو صاروخٌ جديد ما، أو ربما لا شيء. إنه لغز".
وأضاف أن المجموعة الثانية من الحاويات "العملاقة" بدت أشبه بحاويات الصاروخ الباليستي الروسي العابر للقارات Topol-M. "وما بداخلها يظل هو الآخر لغزاً".
وقال في تغريدةٍ أخرى على تويتر: "وهذا الشيء (على اليسار) يبدو مثل صاروخ Topol الروسي (على اليمين). مرة أخرى، لا فكرة لدينا عن محتوى الحاوية، إن كان داخلها أي شيءٍ من الأصل".
.@DaveSchmerler And this thing (left) looks like a Russian Topol (right). Again, no idea what's inside the canister, if anything. pic.twitter.com/uG5g5Oos53
— Jeffrey Lewis (@ArmsControlWonk) April 15, 2017
وقال: "تخميني هو أنّها عُرضت لتبليغ رسالة مفادها أن المزيد من الصواريخ الباليستية العابرة للقارات في الطريق، والمزيد من الصواريخ المعتمدة على الوقود الصلب".
صواريخ الوقود الصلب: من البحر والبر
عرض جيش كوريا الشمالية ستة صواريخ باليستية يُمكن إطلاقها من الغواصات، تسميها الولايات المتحدة KN-11 وتسميها كوريا الشمالية "بوكجوكسونغ 1" (أو "بولاريس 1").
ونشر ديف شمرلر، الباحث في مركز دراسات جيمس مارتن لمنع انتشار الأسلحة، صورةً على تويتر وعلَّق عليها قائلاً: "المزيد من الصواريخ الباليستية القابلة للإطلاق من الغواصات".
More SLBMs #JucheFest2017 pic.twitter.com/OVxrx6uhYJ
— Dave Schmerler (@DaveSchmerler) April 15, 2017
وأطلقت كوريا الشمالية واحداً من تلك الصواريخ من غواصة على مقربة من ميناء سينبو على الساحل الشرقي في أغسطس/آب الماضي، وطار حوالي 300 ميلٍ قبل أن يسقط في البحر داخل منطقة الدفاع الجوي الياباني، وهي المنطقة التي تتحكّم فيها طوكيو بحركة الطائرات.
وهذا ما وصفه كيم وقتها بـ"النجاح الأعظم"، وقال إن كوريا الشمالية "التحقت بركب القوى العسكرية المتقدّمة المزوّدة بالكامل بإمكانات شنّ هجوم نووي".
وتفاجأ الخبراء برؤية ستة صواريخ منها في الاستعراض العسكري.
قال لويس: "بدا وكأنّه صاروخٌ حقيقي. يُمكنهم تكبّد عناء تصنيع نسخة مثالية، لكن إن كُنت ستفعل هذا، فمن السهل عليك صُنع الصاروخ الحقيقي".
وعرضت كوريا الشمالية كذلك -للمرة الأولى- صاروخها KN-15، النُسخة الأرضية من صواريخها الباليستية القابلة للإطلاق من الغواصات، والتي تسمّيها كوريا الشمالية "بوكجوكسونغ 2" (أو "بولاريس 2"). وهي تعمل أيضاً بالوقود الصلب.
وقال ناثان هانت على حسابه على موقع تويتر: "صورة عالية الوضوح لناقلات صواريخ بوكجوكسونغ 2".
Nice HighRes of the Pukguksong-2 TEL's pic.twitter.com/iLVL0yujai
— Nathan J Hunt (@ISNJH) April 15, 2017
أطلقت كوريا الشمالية هذا الصاروخ للمرة الأولى في وقتٍ سابق من هذا الشهر، من قاعدة برية بالقرب من مدينة سينبو، موطن قاعدة غواصات معروفة.
لم يبدُ أن الصاروخ قد سافر مسافة كبيرة، ومع ذلك وصف المحللون هذا التقدم بأنه "مخيف"، بسبب عُنصر الوقود الصلب.
هذا ما قالته ميليسا هانام زميلة لويس وقتها "الوقود الصلب أمرٌ مهمٌ جداً لأنّه يُتيح إطلاقاً أسرع بكثير للصواريخ، وبطاقمٍ أصغر مما تحتاجه صواريخ الوقود السائل، ما يجعل اكتشافها بالأقمار الصناعية أصعب بكثير على الولايات المتحدة وكوريا الجنوبية واليابان".
نوعٌ آخر من الصواريخ الباليستية العابرة للقارات؟
وتحدَّث لويس عن تواجد صواريخ باللونين الأبيض والأسود بدت مُشابهة لصواريخ KN-08، العابرة للقارات، لكنّها أصغر قليلاً. وحُملت على مركبات صواريخ تُستخدم عادة مع صواريخ "موسودان" متوسّطة المدى.
ونقلت وكالة أنباء يونهاب الكورية الجنوبية في يناير/كانون الثاني، عن مسؤولين عسكريين، إن كوريا الشمالية بنت صاروخين باليستيين عابرين للقارات طولهما أقل من 50 قدماً. يجعلهم هذا أقصر من الصاروخين المعروفين، واللذين تتراوح أطوالهما بين 60 و65 قدم.
قال لويس "أظّن أن هذه هي الصواريخ المُشار إليها".
تطوّر تكنولوجي آخر
لم يكن لويس وفريقه واثقين من أحد أنواع الصواريخ المعروضة، المطلية بالطلاء التمويهي والمحمولة على متن دبابة. قد يكون صاروخ "سكود" واسع المدى أو صاروخ رودونغ، بمدى يصل إلى 800 ميل.
لكن ما تأكّدوا منه هو اشتمال الصاروخ على جُنيح، ما يعني أنّ جسم الصاروخ يُمكن التحكّم به في طريقه إلى السقوط – بعبارة أخرى، يُمكن المُناورة بالرأس الحربي ناحية الهدف المطلوب.
يقول لويس إن كان صاروخ سكود واسع المدى هو "صاروخ سكود الخارق"، فإن هذا "صاروخ سكود الخارق جداً".
وقال لويس على موقع تويتر: "مركبات إطلاقٍ مجنزرة جديدة لما يبدو أنّه صاروخ سكود أو نودونغ. هذا الصاروخ سيتطلّب فحصاً متأنياً. ويشتمِل أسطح تحكّم على جسم الصاروخ كذلك".
A new tracked launcher for what looks like a Scud or Nodong. This one will take a careful examination. Control surfaces on the RV, too. pic.twitter.com/c3INJaf1Tp
— Jeffrey Lewis (@ArmsControlWonk) April 15, 2017
أخبارٌ هامشية هذا العام
ثم هناك حاويات الصواريخ على سطح المركبات المجنزرة والتي عرضتها كوريا الشمالية في بداية الاستعراض العسكري. بدت هذه صواريخ كروز مضادة للسفن، وهي النسخة الكورية الشمالية من صاروخ Kh-35 الروسي.
يقول لويس: "في أي عامٍ آخر، كان امتلاك كوريا الشمالية صواريخ كروز دفاعيّة ساحلية وعرضها لنا للمرة الأولى ليجعلنا نقول (واو!). لكن هذا العام، مع كل تلك الأشياء الأخرى، لا يكترث أحدٌ لشيءٍ مداه 100 أو 200 كيلومتر فقط (62 إلى 125 ميلاً)".
ويضيف في تغريدةٍ على موقع تويتر: "هذه الناقلة المجنزرة جديدة، لكن الحاويات تُشبه كثيراً حاويات صواريخ الكروز من طراز Kh-35. استخرج التشابهات والاختلافات".
This tracked transporter is new, but the canisters look a lot like those associated with the Kh-35 cruise missile. Compare/contrast. pic.twitter.com/wrV1MmFgWj
— Jeffrey Lewis (@ArmsControlWonk) April 15, 2017
لكن انتظر، هناك المزيد
إن لم يكن كل هذا كافياً، إليك مشاهد أخيرة. عرضت كوريا الشمالية عدداً كبيراً من المركبات الناقلة خلال الاستعراض العسكري، الكثير منها دبابات محلية يُمكن لكوريا الشمالية تصنيعها على أرض الوطن بدلاً من استيرادها عن طريق الصين.
يعني هذا أن كوريا الشمالية تتنامى قدرتها على تحريك الصواريخ وإطلاقها من أي مكان، باستخدام مركبات إطلاق الصواريخ المتحرّكة التي تفضّلها الآن على القناطر قديمة الطراز.
كما يقول لويس "إنهم يريدون إخبارنا بأن برنامجهم الصاروخي تقدّم كثيراً".
– هذا الموضوع مترجم عن صحيفة Washington Post الأميركية. للاطلاع على المادة الأصلية اضغط هنا.