أحدهما يمتلك مكتباً في الممر المؤدي لمكتب الرئيس مباشرةً داخل البيت الأبيض، والآخر انتقل مؤخراً ليشغل مكتباً في الدور العلوي. أحدهما زار العراق الذي مزَّقته الحرب مؤخراً كمبعوثٍ للرئيس، والآخر سيسافر إلى برلين قريباً لتلبية دعوة المستشارة الألمانية.
كلاهما لديه كرسيٌّ على الطاولة في أي اجتماعٍ يرغبان في حضوره، ويمكنهما الانضمام إلى طاولة العشاء مع أيٍّ من القادة الأجانب، كما يتمتعان بـ"امتيازِ الدخول دون موعدٍ مسبقٍ" إلى المكتب البيضاوي في أي وقت. وبعد تهميش دور ستيف بانون، أصبح جاريد كوشنر وإيفانكا ترامب أهم مستشاري الرئيس ترامب، في الوقت الحالي على الأقل، حسب تقرير لصحيفة نيويورك تايمز الأميركية.
كوشنر، 36 عاماً، المتزوج من إيفانكا ترامب، ليس لديه خبرة دبلوماسية أو حكومية سابقة، بيد أن ترامب جعل كوشنر رجله المحوري في السياسة الخارجية، حسب تقرير لصحيفة نيويورك ديلي نيوز.
ويعتقد الرئيس أيضاً أن كوشنر هو العضو الوحيد في إدارة البيت الأبيض القادر على التوسط فى عملية السلام في الشرق الأوسط بين العرب وإسرائيل.
وأفادت تقارير بأن السيد كوشنر وزوجته إيفانكا، ابنة ترامب، أقنعا ترامب بجعل بريبوس رئيساً لموظفي البيت الأبيض. وقيل إن كوشنر أقنع ترامب بجعل مايك بينس نائب الرئيس، بدلاً من كريستي، حسب صحيفة التليغراف البريطانية.
ونقلت التليغراف عن مجلة فانيتي فاير وصفها لكوشنر أنه عكس ترامب، حسن السلوك متحفظ مكتفٍ ذاتياً.
وهو أحد أشقاء أربعة ولدوا في نيوجيرسي لتشارلز وسيريل، ونشأوا في إطار التقليد اليهودي الأرثوذكسي الذي نشأته السيدة كوشنر. نجا أجداده، جوزيف وراي من الهولوكوست في بولندا وهاجروا في النهاية إلى الولايات المتحدة. عمل جوزيف، النجار، على مواقع البناء حتى حصل على ما يكفي من المال لتطوير قطع أرض مع شركاء.
وطوَّر والده تشارلز كوشنر أعمال البناء الوليدة، وفي الوقت الذي ولد فيه جاريد كانت العائلة غنية، وأصبح والداه من بين أبرز الممولين للسياسيين الديمقراطيين على الساحل الشرقي الأميركي.
وعندما ذهب جاريد كوشنر إلى جامعة هارفارد، قدَّم والده تبرعاً بقيمة 2.5 مليون دولار.
في عام 2005، تحطمت عائلته، إذ كان جاريد كوشنر 24 عاماً عندما اعترف والده بالتهرب الضريبي وعبث الشهود وتقديم تبرعات غير قانونية للحملات، وحكم على تشارلز كوشنر بالسجن لمدة عامين.
شركة عائلية
يُدير ترامب البيت الأبيض وكأنه شركةٌ مملوكةٌ للعائلة أكثر من أي رئيسٍ سابق، وبعد أن انقلب على بانون (كبير الاستراتيجيين المستعد للقتال دائماً)، حوَّل الرئيس اهتمامه إلى ابنته وصهره.
وأثار صعودهما السريع حفيظة المؤيدين المحافظين القلقين من التأثير المتزايد لشباب نيويورك المُتحضِّر، بينما يكتم بعض المعتدلين والليبراليين مخاوفهم من مسألة محاباة الأقارب، على أمل أن ينجح الزوجان في التخفيف من حدة طباع الرئيس المتقلبة.
ولكن وسط الأحاديث عن انقلابٍ ناعمٍ ضد بانون، نجح كوشنر وإيفانكا بالفعل في إحراز بعض الانتصارات الملموسة.
ونادراً ما تتحدث إيفانكا ترامب وكوشنر في أي من المناسبات العامة، أو يشاركا في مقابلات إعلامية مسجلة، منذ أن تولَّى ترامب منصبه، ولكن وراء الكواليس يمتلكان أذن الرئيس الموجود الآن في البيت الأبيض.
وصرَّح عددٌ من المسؤولين في الحكومة والمقربين من العائلة، أن تحرُّك الزوجين ضد بانون لم يكن مدفوعاً برغبةٍ في تعديل سياسةٍ معينةٍ، بقدر ما أجَّجَته الرغبة في التصدي لما اعتبراه سلسلةً من الإخفاقات المحرجة التي يُمكن أن تؤذي والد إيفانكا شخصياً، وتؤثر على العلامة التجارية لعائلة ترامب.
ويقول نيوت جينجريتش، المتحدث السابق باسم البيت الأبيض، وأحد حلفاء ترامب: "إذا نظرت إلى الأمر باعتباره نموذج أعمالٍ تقليدياً، فستجد أن ترامب يُفضِّل الاستثمار في الأشخاص الناجحين لأنهم يجنون المزيد من الأموال، وقد حقَّق كوشنر العديد من النجاحات بشكلٍ مستمر. وهو يقيّم العاملين بشكل دائم".
لا يمتلك أيٌّ من كوشنر وإيفانكا أية خبرةٍ حكومية. كوشنر، الذي يبلغ من العمر 36 عاماً كان يُدير الإمبراطورية العقارية التي ورثها عن أسرته، قبل أن يشتري صحيفة The New York Observer كمشروعٍ جانبي.
أما إيفانكا، التي تبلغ من العمر 35 عاماً، فقد نشأت مع إخوتها لتُدير شركة العائلة قبل أن تُطلق علامتها التجارية للأزياء، التي لاقت قبولاً وسط المستهلكين من فتيات المدن المتحضرات اللاتي يدعمن على الأغلب خصوم والدها.
كوشنر أظهر أنه كان منخرطاً، حيث توسَّع ملف أعماله ليشمل مجموعةً متنوعةً من القضايا، مثل السلام في الشرق الأوسط والعلاقات مع الصين والمكسيك وإعادة تنظيم الحكومة الفيدرالية بالكامل. وقد صارح رؤساء الشركات خلال العملية الانتقالية قائلاً: "كل شيءٍ يمُر من خلالي".
ومؤخراً، بدأ كوشنر المطالبة بإصلاح منظومة العدالة الجنائية، وهو الهدف الذي أيَّده ترامب كمرشحٍ رئاسيٍّ في آخر أيام حملته أثناء محاولاته لمنع الناخبين السود من التصويت لهيلاري كلينتون. لكن كوشنر سيواجه معارضةً قويةً من جيف سيشنز، وزير العدل الأميركي.
وينظر بعض الزملاء، مثل بانون ورينس بريبوس، رئيس موظفي البيت الأبيض، إلى قائمة المهام الطويلة التي يتولاها كوشنر بازدراءٍ هزلي. ووفقاً لعاملين في البيت الأبيض، رفضوا ذِكرَ أسمائهم لأن الحديث يدور عن كوشنر وإيفانكا، فإن مساعدي البيت الأبيض وصفوا كوشنر بعد زيارته الأخيرة للعراق بأنه "وزير الخارجية".
لكنهم أكثر قلقاً من إيفانكا التي وصلت مؤخراً للجناح الغربي، ولم تكن حتى الآن سوى لاعب احتياطي بالمقارنة مع زوجها الطموح. ورغم رفضها في البداية الحصول على دورٍ رسميٍّ داخل الحكومة، حصلت إيفانكا على مكتبٍ ومنصبٍ حكومي -دون راتبٍ مثل زوجها- مدفوعةً بقلقها من المصاعب التي تواجه والدها في الأشهر الأولى من حكمه.
ووفقاً للمساعدين، فهي ترى دورها بشكلٍ جزئيٍّ كمدافعةٍ عن سمعة الأسرة، كما أبدت قلقها أثناء وبعد الحملة الانتخابية من الأضرار المحتملة على المدى الطويل لصورة وسمعة شركة العائلة نتيجة الحياة السياسية لوالدها.
وعندما تتدخل إيفانكا، يستمع لها والدها، على الرغم من أنه لا يأخذ بنصيحتها دائماً. ووصف شخصٌ مُقربٌ من العائلة تأثيرها بـ"صمام الأمانٍ متأخر التأثير": في بعض الأوقات يذكر ترامب إحدى النقاط التي سمعها من إيفانكا، بعدها بعدة أيام دون ذِكرِ اسمها أو الإشادة بها.
وقال شقيقها إريك ترامب، إن صور الهجوم الكيماوي في سوريا أثارت حفيظتها، وربما يكون هذا ما شجَّع والدها على الانتقام.
كما دافع إريك عن تواجد أعضاء الأسرة في البيت الأبيض، مُعلِّلاً ذلك بأن أفراد الأسرة يكونون أكثر صراحةً وإخلاصاً.
وأضاف في تصريحه لإحدى الصحف: "الرائع فيما يتعلق بالأسرة هو أنهم يعملون بطريقةٍ مختلفةٍ قليلاً، وبين وقتٍ وآخر ستتمكن من أخذهم جانباً لتقول: "لا أقصد التقليل من احترامك، لكن أعتقد أن عليك إعادة التفكير في هذا الأمر، أو أنك تجاوزت الخطوط الحمراء في ذلك التصرف".
لكن يبدو أن الثورة الليبرالية المضادة في الكواليس التي يخشاها النقاد قد أسفرت بالفعل عن نتائجٍ متواضعة، حسب نيويورك تايمز.
ففي الأسبوع الماضي، وقَّع الرئيس على تشريعٍ يُمكِّن الولايات من قطع التمويل الفيدرالي عن مقدمي الرعاية الصحية للنساء اللواتي يقمن بالإجهاض، مثل جمعية تنظيم الأسرة الأميركية. بينما كانت إيفانكا وكوشنر يتزلجان على الجليد في كندا، وانهارت جهودهما في مجال الرعاية الصحية أثناء وجودهما على منحدرات أسبن.
تاريخ النفوذ العائلي
قبل ذلك، كان هناك الكثير من الأمثلة لاعتماد الرؤساء على أقاربهم في حكومتهم، وربما أبرزها بوبي كينيدي الذي كان بمثابة النائب العام لأخيه. غير أن المشرعين يرون أن الوضع الحالي لانخراط زوج ابنة ترامب لم يتم اختباره على الإطلاق، وربما يكون غير دستوري -وعلى أي حال ربما كان قد انتهك بالفعل- من خلال تفويض بيل كلينتون لزوجته للعمل في مجال الرعاية الصحية أثناء رئاسته، حسب تقرير التليغراف البريطانية.
وقديماً، أرسل جون آدامز، الرئيس الثاني للولايات المتحدة، ابنه جون كوينسي آدامز ليعمل كمبعوثٍ دبلوماسي له بروسيا. كما قامت إديث ويلسون بإدارة شؤون البيت الأبيض بعد إصابة زوجها وودرو ويلسون. وكانت إليانور روزفلت تُرسل التقارير إلى زوجها فرانكلين روزفلت من مختلف أنحاء البلاد، كما عملت ابنته آنا روزفلت كرئيسةٍ لموظفي البيت الأبيض في آخر أيامه.
وعيَّن دوايت آيزنهاور نجله جون آيزنهاور مُساعداً في البيت الأبيض. وعمل روبرت كينيدي كوزيرٍ للعدل في حكومة شقيقه، بينما لعبت نانسي ريغان دوراً أشبه بمديرة التوظيف في فترة حكم زوجها. وطلب جورج بوش الأب من جورج دبليو بوش أن يتخلَّص من رئيس موظفي البيت الأبيض.
يقول دوو ويد، الذي بحث في تاريخ أبناء الرؤساء بدايةً من جورج بوش الأب وكتب كتاباً بعد ذلك: "تاريخياً، من الشائع أن ينخرط جميع أفراد الأسرة في أعمال البيت الأبيض. لكن آل ترامب ليسوا جيدين في إخفاء مشاركة الأسرة مثل باقي الأسر الرئاسية، لكن الوضع يظل مشابهاً لمُعظم الرؤساء الذين يمتلكون أطفالاً بالغين".
كارل سفيراتزا أنثوني، وهو مؤرخٌ في مكتبة السيدة الأولى الوطنية، يرى أن إيفانكا يُمكنها أن تلعب دوراً حيوياً تجاه والدها، كما امتدحها على شفافيتها في تولي مهامها بدلاً من العمل خلف الكواليس، مُتوقِّعاً أن مشاركتها "ستُثبت كونها أعظم نجاحٍ في الـ100 يومٍ الأولى لرئاسة والدها".
لكن كريس ويبيل، مؤلف كتاب "الحُجّاب: تاريخ رؤساء موظفي البيت الأبيض"، يرى أن تواجد الأقارب في الجناح الغربي قد يؤثر على تسلسل القيادة. وأضاف: "قد يُصبح الأمر كارثياً عندما يُمارسون نفوذهم ويزداد تأثيرهم على حساب رئيس موظفي البيت الأبيض".
مؤيدو ترامب غاضبون
ولم تنخرط إيفانكا وزوجها حتى الآن في أعباء الأعمال الحكومية اليومية، ولم يسبق أن عملا لمدة 18 ساعةٍ يومياً كما يفعل بانون الذي لا يكلّ.
لكنهما يمتلكان حلفاءً أقوياءً رغم ذلك، مثل غاري كون، مستشار الاقتصاد الوطني، ودينا باول، المستشارة المساعدة لشؤون الأمن القومي. ومن المتوقع أن يُصبح كون، الديمقراطي، رئيس موظفي البيت الأبيض مستقبلاً. أما دينا، الجمهورية المخضرمة في حكومة بوش خلال مدته الرئاسية الثانية، فإنها تعمل كمساعدةٍ في جميع أرجاء الجناح الغربي.
وبينما يتعرض كون لهجومٍ من اليمين، تحظى دين بالثناء من المحافظين أمثال توم كوتون، النائب الديمقراطي من ولاية أركنساس. وتعمل دينا وإيفانكا بالتعاون مع كيلين كونواي، مستشارة البيت الأبيض، التي تظل من الوجوه المفضلة في أوساط القاعدة الشعبية للجمهوريين. ولعله من الواضح أن ستيفين ميلر، المستشار السياسي لترامب، قد تخلى عن بانون حليفه في السابق.
وعمل ميلر بالتعاون مع إيفانكا على القضايا المتعلقة برعاية الأطفال وغيرها منذ بداية الحملة الانتخابية، ويرى زملاؤه أنه يحاول التقرُّب من إيفانكا وكوشنر ليحصل على المزيد من الحرية في السعي وراء سياسات مناهضة الهجرة التي تُثير اهتمامه.
وهذا التحول الكبير يُثير المخاوف بين مؤيدي ترامب. وسخر سكوت ماكنول، رئيس التحرير المؤسس في مجلة ذا أميركان كونسيرفاتيف (المحافظون الأميركيون) من ابنة الرئيس وصهره، واصفاً إياهما بـ"أبناء مدينة نيويورك البراقين من ذوي الحكمة المتوسطة وأسلوب الحياة الفاره، واللذين لم يسبق أن اضطرا لوضع سياسةٍ خارجيةٍ معقدةٍ أو الدفاع عنها طوال حياتهما".
وفي مقالٍ منشورٍ له على أحد المواقع، أضاف ماكنول: "أنا لم أصوت لصالح السياسة الخارجية التي تتوافق مع تفضيلات جاريد وإيفانكا، ناهيك عن سياسةٍ تؤثر عليها صورٌ معروضةٌ على التلفاز ساهمت في تحريك مشاعر الرئيس".
ويقول مقربون من إيفانكا، إن التوقعات بتأثيرها على والدها ودفعه نحو اليسار في القضايا الاجتماعية لن تصب في صالحه. وأضافوا أنها تشاركه آراءه الاقتصادية المحافظة، لكنها لم تدخل البيت الأبيض لتكون محاربةً في القضايا الاجتماعية.
ويرى جينجريتش أن كوشنر نجح في دوره لأنه: "لا يحاول التعبير عن رغباته مطلقاً. فهو مهتمٌ بالاستماع إلى ترامب حتى يفهم رغبات ترامب ويُنَفِّذ ما يرغب حماه في تحقيقه".
ويعمل كوشنر كعينين وأذنين للرئيس داخل البيت الأبيض وخارجه. وتقول كاثي وايلد، رئيسة منظمة بارتنرشيبس لمدينة نيويورك، التي كان كوشنر يعمل في مجلس إدارتها: "جاريد يتواصل دائماً مع الدوائر الخارجية البعيدة عن ترامب باستمرار للحصول على ردود الأفعال. وهذا يمنح الناس شعوراً بإتاحة الفرصة للتأثير على ما يحدث داخل البيت الأبيض".
ويُحافظ كوشنر على هدوئه في الوقت الذي يخاف فيه الآخرون من مزاج ترامب المتقلب. وخلال الحملة الانتخابية.