الثالوث النووي الذي قد يخفي إيران عن وجه الأرض.. ما لا تعرفه عن السلاح الأكثر غموضاً في العالم

عربي بوست
تم النشر: 2017/04/16 الساعة 07:40 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2017/04/16 الساعة 07:40 بتوقيت غرينتش

في بريدٍ إلكتروني مُسرَّب إلى العلن في سبتمبر 2016، ألمَحَ وزير الخارجية الأميركي السابق والجنرال المتقاعد كولن باول إلى أن إسرائيل تمتلك ترسانةً من "200 سلاح نووي". وبينما يبدو هذا الرقم مُبالغاً فيه، ليس هناك من شكٍ في أن إسرائيل لديها مخزونٌ نووي صغير لكنه قوي، ومنتشرٌ بين قواتها المسلحة.

وترمي الأسلحة النووية الإسرائيلية إلى العديد من الأهداف، بدءاً من حماية الدولة الصغيرة من الهزيمة في الحروب التقليدية، إلى ردع الدول المعادية من شنِّ هجماتٍ نووية وكيماوية وبيولوجية ضدها. وبغض النظر عن أي شيءٍ، يظل الهدف واحداً: منع تدمير الدولة اليهودية، وفقاً لما نشرته مجلة National Interest الأميركية.

سارعت إسرائيل إلى الانضمام للنادي النووي في خمسينيات القرن الماضي، وكان بن غوريون مهووساً بتطوير القنبلة كتأمينٍ ضد أعداء إسرائيل. ورغم طموح هذا الهدف بالنسبةِ لدولةٍ صغيرةٍ بدأت على أساسٍ فقير، لم تكن لدى إسرائيل أية ضماناتٍ أمنية مع دولٍ أكبر وأقوى، لاسيَّما الولايات المتحدة. كانت الدولة تعتمد على نفسها، حتى أنها كانت تشتري الأسلحة من السوق السوداء لتسليح قوات الدفاع الإسرائيلية الجديدة.

وأصدر بن غوريون تعليماته لمستشاره العلمي، إرنست ديفيد بيرغمان، بقيادة الجهود النووية السرية لإسرائيل، وتأسيس وترأس لجنة الطاقة الذرية الإسرائيلية. وأقام شمعون بيريز، الذي تولَّى بعد ذلك منصبي رئيس الوزراء والرئيس الإسرائيلي، اتصالاتٍ مع فرنسا المتعاطفة أسفرت عن موافقة الأخيرة على تقديم مُفاعلٍ نووي كبير يعمل بالماء الثقيل ومحطةٍ لإعادة معالجة البلوتونيوم تحت الأرض، والتي ستُحوِّل وقود المفاعل المُستهلَك ليصبح العنصر الرئيسي للأسلحة النووية. وبُني المفاعل في ديمونة في صحراء النقب.

اتفاق سري

وبحلول نهاية الستينيات، قيَّمت الولايات المتحدة الأسلحة النووية الإسرائيلية بأنَّها "محتملة"، وذهبت جهود الولايات المتحدة لإبطاء البرنامج النووي ودفع إسرائيل إلى الانضمام إلى معاهدة حظر الانتشار النووي سُدى. وأخيراً في سبتمبر/أيلول 1969، أُفيد بتوصُّل الرئيس الأميركي ريتشارد نيكسون ورئيسة الوزراء الإسرائيلية غولدا مائير إلى اتفاقٍ سري بأن تُوقِف الولايات المتحدة مطالبتها لإسرائيل بالتفتيش والامتثال لجهود حظر الانتشار النووي، مقابل ألّا تُعلن إسرائيل عن أسلحتها النووية أو تختبرها.

ولم تنتظر إسرائيل طويلاً حتى وقعت أولى أزماتها النووية. فقد أظهرت حرب يوم الغفران 1973 (حرب السادس من أكتوبر/تشرين الأول بالنسبة للعرب) تحقيق الجيوش العربية للمفاجأة الإستراتيجية، وأربكت القوات البرية الإسرائيلية في كلٍ من صحراء سيناء ومرتفعات الجولان. وقد وُضِعَت الأسلحة النووية الإسرائيلية في حالة تأهُّب وحُمِّلت على صواريخ أريحا 1 أرض-أرض وطائرات فانتوم إف-4. وكانت الهجمات الإسرائيلية المضادة القوية قادرة على قلب الوضع على كلتا الجبهتين، ولم تُستَخدَم الأسلحة في نهاية المطاف.

ولا يُعرَف الكثير عن الأسلحة النووية الإسرائيلية المُبكِّرة، خصوصاً ما يتعلَّق بقوتها التفجيرية وحجم المخزون منها. وكان الوضع الإستراتيجي، الذي كانت تتفوَّق فيه إسرائيل في الأسلحة التقليدية وعدم وجود خصوم نوويين لها، يعني أنَّ إسرائيل على الأرجح كانت تمتلك أسلحةً نووية تكتيكية أصغر لتدمير حشود الدبابات العربية المُهاجِمة، والقواعد والمطارات العسكرية. ومع ذلك، فإنَّ المسافة الصغيرة نسبياً بين إسرائيل وجيرانها كان يعني أنَّ صواريخ أريحا، التي يبلغ مداها 300 ميل (482.8 كم) فقط، كان لا يزال بإمكانها أن تضرب القاهرة ودمشق انطلاقاً من صحراء النقب.

ثالوث نووي

ولا تُؤكِّد إسرائيل أو تنفي امتلاكها لأسلحةٍ نووية. ويُقدِّر الخبراء عموماً أنَّ البلاد تمتلك ما يقارب ثمانين رأساً نووياً، وهو عدد يقل عن بلدانٍ مثل فرنسا، والصين، والمملكة المتحدة، غير أنَّه يبقى عدداً كبيراً بالنظر إلى عدم امتلاك خصومها لأي رأسٍ نووي. وتنتشر تلك الأسلحة في "ثالوثٍ" نووي إسرائيلي للقوات الموجودة في البر والجو والبحر، وموزَّعةً بطريقةٍ تردع أي هجومٍ نووي مفاجئ. (مصطلح الثالوث النووي يشير إلى إمكانية استخدام الأسلحة النووية من البر والبحر والجو).

وكانت أولى الأسلحة النووية الإسرائيلية على الأرجح قنابل مُسقَطة تحملها الطائرات المقاتِلة. ويُعتَقَد أنَّ طائرات فانتوم إف-4 كانت أولى أنظمة نقل وحمل تلك القنابل؛ فطائرات الفانتوم، باعتبارها طائراتٍ مقاتلة كبيرة قوية ذات مُحرِّكين، كانت على الأرجح هي أولى طائرات سلاح الجو الإسرائيلي القادرة على حمل الجيل الأول من الأسلحة النووية. ويُرجَّح أنَّ جيلاً أحدث وأصغر من القنابل النووية المُسقَطة يمكن إضافته لمقاتلات إف-15 آي وإف-16 آي. ورغم أن البعض قد يجادل بأنَّ القنبلة المُسقَطة قد عفا عليها الزمن وتوقَّف استخدامها في ضوء التقدُّم الإسرائيلي في تكنولوجيا الصواريخ، إلا أن الطائرة التي يقودها طيار تسمح بإلغاء الضربة النووية حتى آخر لحظة.

واعتمدت أولى الأسلحة النووية الإسرائيلية التي تُطلَق من البر على صواريخ أريحا 1 التي طُوِّرت بالتعاون مع فرنسا. ويُعتَقَد أنَّ صواريخ أريحا 1 قد أُخرِجَت من الخدمة، وعُوِّضَت بصواريخ أريحا 2 و3 الباليستية. ويصل مدى صواريخ أريحا 2 إلى 932 ميلاً (1450 كم)، في حين يصل مدى صواريخ أريحا 3 إلى 3106 أميال على الأقل (5000 كم)، وهي مُصمَّمة لوضع إيران والدول البعيدة الأخرى ضمن دائرة الخطر الوجودي.

ولا يُعرَف العدد الإجمالي للصواريخ الباليستية الإسرائيلية، لكنَّ تقديراتٍ لخبراء تضع الرقم عند 24 على الأقل.

ومثل باقي الدول النووية الأخرى، أفادت تقارير بنشر البحرية الإسرائيلية رؤوساً نووية في ما اتُّفِق عموماً على أنَّها أكثر الأنظمة البحرية قدرةً على النجاة (من أي هجوم): الغوَّاصات. وتمتلك إسرائيل 5 غواصات ألمانية الصنع من طراز دولفين، والتي يعتقد الخبراء أنَّها مُزوَّدة بصواريخ كروز تحمل رؤوساً نووية.

وتفيد تقارير بأنَّ صواريخ كروز التي قد تُستخدَم في حمل الرؤوس النووية تتمثَّل في صواريخ بوباي أرض-جو أو صواريخ غابرييل المضادة للسفن. ويضمن هذا ما يُسمَّى بـ"قدرة الضربة الثانية" (أي القدرة على الرد بعد التعرُّض لضربة نووية)، طالما أنَّ إحدى الغواصات تقوم بدورية، وتبقى بعض أجزاء الردع النووي الإسرائيلي حصينة في مواجهة ضربةٍ نووية أولى، ما يضمن لها القدرة على شن هجومٍ نووي مضاد.

وتُظهِر إقامة ثالوث نووي مدى الجديّة التي تتعامل بها إسرائيل مع فكرة الردع النووي. وعلى الأرجح لن تعلن إسرائيل نفسها قوةً نووية في أي وقتٍ قريب؛ إذ خدم الغموض بشأن ملكية الأسلحة النووية البلاد بصورةٍ جيدة للغاية. وضمنت خطة العمل الشاملة المشتركة لعام 2015 (أي الاتفاق النووي مع إيران) إلى جانب انعدام الاستقرار العام في الشرق الأوسط أنَّ إسرائيل ستبقى على الأرجح هي الدولة النووية الوحيدة في المنطقة في المستقبل المنظور، غير أنَّ انهيار الاتفاق أو ظهور بعض البرامج النووية الجديدة يمكن أن يغيِّر ذلك بسهولة. وفي الوقت نفسه، ستستمر سياسة التأمين القصوى الإسرائيلية.

– هذا الموضوع مترجم عن مجلة National Interest الأميركية. للاطلاع على المادة الأصلية، اضغط هنا.

تحميل المزيد