ومن كأسك ستشرب

أمسك قلمك، وانفث سُمَّك، واغدر بمن نصحك، وخُن من ائتمنك، وعض يداً مدت لك أياماً وكانت لك عوناً، لا تقلق، فأنت مثل كثير صرتم -للأسف- القاعدة، ومع أن لكل قاعدة شواذاً، لكن لا تبتأس، فالشاذ لا يقاس عليه.

عربي بوست
تم النشر: 2017/04/14 الساعة 04:30 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2017/04/14 الساعة 04:30 بتوقيت غرينتش

أمسك قلمك، وانفث سُمَّك، واغدر بمن نصحك، وخُن من ائتمنك، وعض يداً مدت لك أياماً وكانت لك عوناً، لا تقلق، فأنت مثل كثير صرتم -للأسف- القاعدة، ومع أن لكل قاعدة شواذاً، لكن لا تبتأس، فالشاذ لا يقاس عليه.

الخيانة مُرةٌ يا صاح، لكن من كأسك يوماً ستشرب، فكما تدين تدان، وخذ هذه بين قوسين (ابن الأصول لا يخون).

"1"

حكت العرب أن قوماً خرجوا إلى الصيد في يوم حار، فبينما هم كذلك؛ إذ عرضت لهم أم عامر "وهي الضبع"، فطاردوها، فاتبعوها حتى ألجأوها إلى خباء أعرابي.
فقال: ما شأنكم؟ قالوا: صيدنا وطريدتنا .
قال: كلا، والذي نفسي بيده لا تصلون إليها ما ثبت قائم سيفي بيدي (لأنها استجارت به).
فرجعوا وتركوه، فقام إلى لقحة فحلبها وقرب إليها ذلك، وقرب لها ماء، فأقبلت تلغ من هذا مرة، وتلغ من هذا حتى عاشت واستراحت.

فبينما الأعرابي نائم في جوف بيته؛ إذ وثبت عليه، فبقرت بطنه، وشربت دمه، وأكلت أحشاءه، وتركته.

فجاء ابن عم له فوجده على تلك الصورة، فالتفت إلى موضع الضبع فلم يرها، فقال: صاحبتي والله، وأخذ سيفه ورمحه وكنانته واتبعها، فلم يزل حتى أدركها فقتلها، وأنشأ يقول:

ومن يصنع المعروف في غير أهله ** يلاقي الذي لاقى مجير أم عامر
أدام لها حين استجارت بقربه ** قراها من ألبان اللقاح الغرائر
وأشبعها حتى إذا ما تملأت ** فرته بأنياب لها وأظافر
فقل لذوي المعروف هذا جزاء من غدا ** يصنع المعروف مع غير شاكر

"2"

إن الخيانة أمر مذموم في شريعة الله، تنكرها الفطرة، وتأباها النفس السوية، ولا تستسيغها حتى الحيوانات العجماوات، والخيانة كلمة تجمع كل معاني السوء التي من الممكن أن تلحق بإنسان، قال تعالى: "إن الله لا يحب الخائنين"، وقال: "وأن الله لا يهدي كيد الخائنين"، وقرن الله بين الخيانة والكفر في قوله: "إن الله لا يحب كل خوان كفور".

وهي من علامات النفاق، كما في حديث آية المنافق ثلاث، ومنها "وإذا اؤتمن خان"، وأشد الناس فضيحة يوم القيامة هم الخائنون، مصداقاً لقوله صلى الله عليه وسلم: "إذا جمع الله الأولين والآخرين يوم القيامة يُرفع لكل غادر لواء، فقيل هذه غدرة فلان بن فلان".

ومن شؤمها تعوذ منها رسول الله -صلى الله عليه وسلم- كما في الحديث: "اللهم إني أعوذ بك من الجوع، فإنه بئس الضجيع، وأعوذ بك من الخيانة فإنها بئست البطانة".

"3"

جرت سنة الله أن الكل مكيل له بمكياله، وأن من سل سيف البغي قُتل به، وكما تدين تدان.

كم تجرع الناس ألماً جراء خيانة الخائنين، لكن الله لا ينسى، والأيام دول، فالحق مردود لا محالة، والخيانة تكون أقسى إذا كانت ممن لا تتصور خيانته.

وأغدر الناس من يغدر بمن آمنه وصحبه، وإذا كان الشرع حذر من رد الخيانة بمثلها "ولا تخن من خانك"، فما بالك بمن أسلمك واستأمنك.

ملحوظة:

التدوينات المنشورة في مدونات هافينغتون بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.

تحميل المزيد