جار المأذون “4”

في تلك الأثناء يمر الشيخ مصطفى في طريقه إلى المسجد بصحبة تلميذه النجيب مروان، لا تكاد تدرك أيهما يقود الآخر، فالشيخ جريء في مشيته يخطو وكأنه يبصر، يقول العوام إنه يرى بنور الله، ويتنادرون فيما بينهم على فعلاته التي تشيّب الرأس كما يدعون.

عربي بوست
تم النشر: 2017/04/10 الساعة 04:11 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2017/04/10 الساعة 04:11 بتوقيت غرينتش

في تلك الأثناء يمر الشيخ مصطفى في طريقه إلى المسجد بصحبة تلميذه النجيب مروان، لا تكاد تدرك أيهما يقود الآخر، فالشيخ جريء في مشيته يخطو وكأنه يبصر، يقول العوام إنه يرى بنور الله، ويتنادرون فيما بينهم على فعلاته التي تشيّب الرأس كما يدعون.

فهو يجيد ركوب الدراجة، ويتزن ولا يقع، كما أنه يتحرك داخل المسجد بسهولة وكأنما يبصر، قيل إنه يعد الخطوات من باب المسجد إلى ميضأة الوضوء ومنها إلى محراب المسجد، كما أنه يلضم الخيط في الإبرة لزوجته كما تروي لجاراتها.

ومع هيبته وثقل شخصيته الأثيرة، فهو خفيف الظل، لا يخلو مجلسه من مرح، سريع البديهة، طيب المجلس وحسن المعشر.

صوته كروان، وكأنما أوتي مزماراً من مزامير داوود يحفظ القرآن عن ظهر قلب، وربما لو أدركك حسن طالعك وأمسكت بيده كي يقودك إلى بيته، لسمعت همهماته، ترتيلاً جميلاً للقرآن لا يقطعه إلا سلام المحبين في الطرقات.

يبادر الجلوس بالسلام والرحمة والبركة، كاملاً غير منقوص، فيرد مولانا ويرد الحاضرون، ورغم تداخل أصواتهم، فإنه علم كل الحضور وحياهم واحداً بعد الآخر.

* اتفضل يا شيخ مصطفى أصب لك شاي "يبادره مولانا مرحباً".

– فيرد الشيخ المبصر: لا.. أوان المغرب خلاص، ع الأبواب.

* ليا عتب عليك يا شيخ مصطفى، بقي ضاق بك المصحف فلم يحفظ مسعد منه إلا آيات التعدد؟!

يضحك الشيخ مصطفى ويعلو صوته ثم يقول:

– استدرجني والله يا مولانا، أتاني يريد أن يحفظ القرآن، قلت له تبدأ بقصار السور؟ أم من الفاتحة فالبقرة؟ فقال: لا.. من أول سورة النساء.

حتى إذا وصل إلى قوله جل شأنه "فانكحوا ما طاب لكم من النساء مثنى وثلاث ورباع".. قال حسبك، أعود إليك بعد تطبيقها!

ولا رجعش تاني من يوميها.

يدخل الكل في نوبة ضحك، يشعلها مولانا بقوله: سيأتيك مسعد بعد أن يكمل زوجاته أربعاً.

بينما يضحك الكل، وكز الشيخ تلميذه مروان، ومضوا إلى المسجد.

يُرفع الأذان.. يسود الصمت، فبين خاشع لنداء الحق، وبين مستحسن لعذب الأداء، قطعة فنية فريدة زمنها دقيقتان ليس إلا، تسمعها خمس مرات في اليوم، لو كان الأمر بيدي، لأتيت ببقية المؤذنين في مساجدنا طلاباً يتعلمون كيف يرفع نداء الحق.

فى مسجدنا، لا يسمح لأحد بالتقدم إلى الأذان إلا بعد أن يستأذن الشيخ مصطفى أولاً، ثم يسمع منه الأذان ويجيزه، ولا أذان بدون إجازة.

يصدح الشيخ المبصر بصوت الحق معلناً دخول وقت المغرب: الله أكبر الله أكبر.. تملأ جنبات السماء، فتستنهض أهل الأرض إلى نداء رب عظيم.

يقوم مولانا من مجلسه مستنهضاً همم ضيوفه في غير خجل ولا كسل، يلبون نداء الحق.

ـــــــــــــــــــــ

بينما أوقف سيارتي حذاء الرصيف المقابل لبيتي بعد شقاء يوم طويل، انتبهت إلى تلكم المرأة سليطة اللسان كالحرباء، تقبض بتلابيب ثيابه من قفاه، وصوتها غليظ كريه.

– رايح تتجوز عليا يا شايب يا عايب، انت مفكرني نايمة على وداني يا عرة الرجالة يا صنف واطي يخاف ما يختشيش.

ومين الصايعة اللي عاوزها تبقى ضرتي؟ جتك القرف لمامة بتجيب اللمامة اللي شبهك.

ينظر حوله للشارع الذي طالما أصبح وأمسى على صفيح ساخن من جراء عراك زوجته ويحاول تهدئتها منعاً للفضايح.

* وطي صوتك يا سعدية الناس اتلمت علينا.

– وانت اللي زيك يهمه الفضايح يا مفضوح، والنبي لأفرج عليك خلقه.

(يتبع)

ملحوظة:

التدوينات المنشورة في مدونات هافينغتون بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.

تحميل المزيد