يحكى أنه في زمن قد ولَّى أو لعله لم يأتِ بعد، وعلى إحدى ضفاف نهر لا تجري فيه المياه، وممتلئ بالوحل والأوساخ، وقف رجل وحيداً يشير إلى آخر على الضفة المقابلة؛ لكي يتجرأ للعبور إليه عبر هذا المعبر الذي يعلو النهر، لم يجد منه أي استجابة، فكلما أشار له نحو المعبر أشاح الآخر بوجهه رافضاً فكرة المعبر كوسيلة للعبور إليه.
كان لديه إصرار على عدم استخدام هذا المعبر، وعلى ما يبدو كان لديه بديل آخر، لكن ما هو البديل للوصول سوى الخوض في النهر الراكد الممتلئ بالوحل والأوساخ؛ كي يصل إليه، وحتى إن فعل ذلك كيف ستكون هيئته عند الوصول، وكيف سيشعر هذا الواقف هناك ينتظره عندما يجده على هذه الحالة.
يفضل هذا الذي يريد العبور الخوض في هذا النهر، على أن يعبر من خلال هذا المعبر النظيف واللائق، ولكن ما السبب؟ ما الذي يجعله يفعل هذا؟ نظرة أخرى إلى المعبر نكتشف بعدها أن هناك لافتة على المعبر تقول وبوضوح "معبر سهل.. فقط لمن يؤمن بالاعتذار ويعترف بالخطأ ."
الآن تبدو الصورة واضحة، فذلك الرجل يشير للآخر كي يتخذ معبر الاعتذار سبيلاً للعبور إليه، ويأبى الآخر إلا أن يخوض في نهر ممتلئ بالوحل والأوساخ دفاعاً عن ذاته كي لا يعترف بالخطأ فيتوجب عليه الاعتذار، هكذا الحال إذاً، هكذا هو دوماً مع الكثيرين، وهو غير ذلك مع القليلين.
إنها نفس القصة التي رويت من قبل، وستظل تُروى في كل لحظة، على أمل أن تجد من يفهم، تبحث عمن يطبق بعدما يفهم، إنها قصة الاعتذار التي تنجم عن الاعتراف بالخطأ، وهي من الصفات التي يكرهها الإنسان بشدة، فالإنسان يؤمن بأن الاعتذار إهانة، والاعتراف بالخطأ هو انتقاص من ذاته.
في الكتاب الكبير الخاص بالإنسانية ذُكر أن من صفات الإنسان أنه يخطئ أحياناً ويصيب أحياناً أخرى، من لا يرى خطأ فعله ويتكبر عن الاعتراف بالخطأ تفادياً للاعتذار فهو بذلك يقر بخروجه عن قانون الإنسانية، لا أعلم هل يعي ذلك أم لا؟
اعتذروا وتقبلوا اعتذار الآخرين، فأنت إنسان إلا لو قررت أن تكون غير ذلك!
ملحوظة:
التدوينات المنشورة في مدونات هافينغتون بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.