عندما قررت التنازل لشيء ظناً منّي أنني سأخسر مبادئي مقابل أن أكسب شيئاً ما، اعتقدت أنه سيحل محل مبادئي، وجدت نفسي تنازلت مقابل لا شيء، وأنني خسرت أكبر خسارة وهي نفسي، وتعويضها كان شيئاً أصعب بكثير من صعوبة التنازل نفسها.
كم من التنازلات علينا أن نقدم لأجل هذه الحياة، أو لأجل أن نحصل على ما نريد، ستجد أن الحياة كلها عبارة عن تنازلات، وستجد نفسك مجبراً على التنازل، وسترى أن الكثير أصبح بلا مبادئ للوصول لما يريد دون الشعور بألم التنازل، فستجد أن التنازل أصبح شيئاً عادياً، وصحيحاً، المرور فيه هو الطريق للوصول، والعناد هو الوقوف للأبد في مكانك ممكساً بمبادئك التي لن تنفع.
وقتها ستدرك أن الحياة دون تنازلات هي حياة خاسرة تماماً، وستقتنع بأن عليك أن تقدم تنازلات لكي تأخذ ما تريد، وفي هذه الحالة لن تشعر بأنك خاسر أو ستشعر بأن تنازلك مقابل شيء أردته يخفف من وقع التنازل، وستتعايش مع الموضوع لطالما أنك لم تخرج خاسراً لكل شيء ورابحاً على الأقل بالهدف الذي تنازلت لأجله.
ولكن ليست كل التنازلات متشابهة، فهناك نوع من التنازل مهما فعلت لن تكسب، وستكون الخاسر الأكبر، وستجد أنك في اللحظة التي قررت التنازل فيها قد قمت بالتنازل عن كل شيء دون أن تدرك ذلك، وستكتشف أنك لم تعد تملك شيئاً حتى نفسك، وهنا ستعرف المعنى الحقيقي لكلمة تنازل والخسارة دفعة واحدة، عندما تتنازل لأجل شخص هو عندما تقرر أن تفقد نفسك للأبد، ولن تكتشف ذلك في وقتها، بل ستكتشف ذلك بعد مرور الوقت وبعد انتهاء فرصة النجاة، فجأة ستجد أنك كنت تخسر منذ اللحظة التي قررت فيها التنازل لأجل ذلك الشخص.
فالشخص الذي كان معاكساً لمبادئك أو شروطك أو لما تريد منذ البداية هو شخص لا يستحق التنازل لأجله، فلا تتنازل لأجل شخص؛ لأنك ستصبح بلا قيمة، وستخسر قيمتك في عيون نفسك قبل عيون من تنازلت لأجلهم، فلا تغمض عينيك وتتنازل لأجل الآخرين دون أن ترى الخطأ الذي ترتكبه، فتنازلك لأجل البشر هو التنازل الحقيقي، هو أن تقرر النزول من مكانك إلى مكان أدنى مما كنت تتوقع، وستجد نفسك في مكان لم تكن تريد يوماً أن تكون فيه، فلا تتنازل لأجل البشر.
سماحُنا لهم بالدخول في حياتنا هو باب قمنا بفتحه لهم بأنفسنا، لحظة فتحه قمنا بفتح باب التنازلات غير المتناهية، مبادئ تسقط تباعاً، خسارات متتالية غير معدودة.
ما تملكه ومقتنع به لن يتغير إذا تركته وذهبت لمكان آخر، وهكذا هو التنازل تماماً، فنظن بأننا عندما نتنازل سنتغير، ولكن ما سيحصل هو أننا لن نشعر سوى بالخسارة بالرغم من أننا كسبنا ما تنازلنا لأجله، فسيبقى في داخلنا أثر لذلك الشيء الذي تنازلنا عنه، وسنبقى للأبد نعيش بحسرة خسارتنا التي كنا نحن سببَها.
ملحوظة:
التدوينات المنشورة في مدونات هافينغتون بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.