بعدما علم مسؤولو الأمن القومي في العراق عن سبب عدم إدراجها ضمن قائمة البلدان المحظورة من السفر إلى الولايات المتحدة، نقلوا الأمر إلى الرئيس – الذي وافق على مضض على مراجعة قراره التنفيذي.
هناك العديد من الأسباب التي تجعل أعضاء فريق الأمن القومي لدونالد ترامب يشعرون بالقلق جراء قرار حظر سفر مواطني 7 بلدان ذات أغلبية مسلمة إلى الولايات المتحدة.
فقد تم استبعاد هؤلاء المسؤولين من حضور المناقشات والمداولات وكان لديهم مخاوف حول إمكانية عدم إقراره من الناحية القانونية؛ ورفضوا بعض أحكام القرار، وخاصة إدراج العراق ضمن القائمة، رغم كونها حليفاً رئيسياً للولايات المتحدة في محاربة تنظيم الدولة الإسلامية، ضمن البلدان التي لا يتم السماح لمواطنيها بصفة مؤقتة بدخول الولايات المتحدة لتجنب إيواء الإرهابيين بها.
وحينما صدر قرار من المحكمة الفيدرالية بوقف القرار التنفيذي خلال فبراير/شباط، وجد فريق الأمن القومي في ذلك فرصةً لاختبار نفوذهم الجماعي. وخلال اجتماعات انعقدت في بغداد وواشنطن وميونخ، تحدث مسؤولون من بينهم وزير الدفاع جيم ماتيس ووزير الخارجية ريكس تيلرسون ووزير الأمن القومي جون كيلي حول قرار حظر السفر ووضعوا أسباباً تبرر إجراء تعديل بالقرار بما يواجه مخاوف ترامب من الإرهاب وبما يتفق بصورة أفضل أيضاً مع إستراتيجية الأمن القومي وقرارات المحكمة الفيدرالية.
وظلت مناقشاتهم سرية على مدار هذه العملية، سواء مع القادة العراقيين أو مع الرئيس الجديد، حتى لا تزداد ضغوط العامة على ترامب أثناء تشجيعهم له على اتخاذ الإجراءات.
وفي النهاية، وافق ترامب على إجراء تعديلات بقرار الحظر، أهمها استبعاد العراق من القائمة. وللمرة الأولى خلال فترة رئاسته القصيرة، يتحول ترامب من خياره المفضل إلى خيار آخر مختلف. ومع ذلك، فقد شكا على الفور من أن أمر التعديل قد تم تخفيف حدته.
وبعد أيام من موافقته، أخبر مؤيديه في أحد الاجتماعات الحاشدة في تينيسي أنه قبل خيار "رجال القانون"، رغم أن خياره الرئيسي كان هو الأفضل.
ويعد تدخل رئيس يفتقر إلى الخبرة، وخاصة الخبرة العسكرية أو خبرات الشؤون الخارجية، في قرارات مستشاريه المحنكين بمثابة أحد الأمور المجهولة بإدارة ترامب. وتوضح قصة حظر السفر أن الرئيس قد أثبت رغبته في الإنصات إلى مستشاريه الذين يسلكون توجهاً مختلفاً، رغم إيمانه وثقته القوية بقراراته الخاصة.
وقع ترامب على القرار التنفيذي بعد تولي الرئاسة بأسبوع واحد. وحظر القرار دخول المهاجرين السوريين لأجل غير مسمى، ومنع عملية الهجرة برمتها لمدة 90 يوماً من بلدان راعية للإرهاب هي إيران والعراق واليمن والصومال والسودان وليبيا وسوريا. وكانا الكونغرس وإدارة أوباما قد أوصيا بوجوب التعامل مع البلدان السبعة بصورة خاصة وفرض قواعد أكثر تشدداً على الأجانب الساعين لدخول الولايات المتحدة.
وتوجه ماتيس، الذي تضمنت مهام عمله بالبحرية الإشراف على الحرب في العراق وأفغانستان بصفته قائداً للقيادة المركزية الأميركية، إلى وزارة الدفاع في ذلك اليوم ليشهد توقيع ترامب على قرار التأهب العسكري. وقبل 15 دقيقة من بدء الاحتفالية، علم ماتيس أن قراراً آخر سيتم توقيعه، يتضمن منع سفر المترجمين العراقيين، الذين تحظى سلامتهم بأهمية قصوى لدى الجيش الأميركي في العراق، إلى الولايات المتحدة.
ولم تتم مشاورة الجنرال السابق، الذي وقف صامتاً بينما يوقع الرئيس على القرار.
ساعات على الهاتف
وقضى السفير الأميركي إلى العراق دوجلاس سليمان ساعات على الهاتف مع رئيس الوزراء العراقي حيدر العبادي في اليوم التالي، بينما كان يسعى للتعرف على نطاق الحظر بالكامل.
وأرسل سليمان برقية إلى وزارة الخارجية ذكر بها أن "تأثير القرار التنفيذي سوف يتم الشعور به بشكل غير ملائم هناك. وقال إن المشرع العراقي وضباط الجيش قد ذهلوا جراء إدراج العراق ضمن القائمة وحذر من أن ذلك "سيزيد من استياء العالم الإسلامي من الولايات المتحدة". ورفض سليمان التعليق على تفاصيل المناقشات، قائلاً إنه على اتصال مستمر مع المسؤولين العراقيين وواشنطن.
ووعد بريت ماكجيرف، منسق وزارة الخارجية لمبادرة قهر تنظيم الدولة الإسلامية، وعد العبادي بتسوية قضية إدراج بلاده ضمن قائمة حظر السفر، بحسب ما أورده شخص على دراية كاملة بالمحادثات.
وذكر ماكجيرف، الذي عينه أوباما واستبعده ترامب من إدارته، أن ماتيس سيزور العراق قريباً وطالب العبادي بعدم اتباع توصية البرلمان العراقي بحظر المواطنين الأميركيين من دخول العراق. ولكنه لم يفعل. ورفض ماكجيرك التعليق على ذلك.
وفي الولايات المتحدة، اجتاح المتظاهرون المطارات ورفضت الدعاوى القضائية قرار الحظر، بما في ذلك دعوى قضائية أقامتها ولاية واشنطن في بروكلين وأخرى في سياتل. وبعد مرور أسبوع على توقيع القرار، منع قاضي المحكمة الفيدرالية بواشنطن تنفيذ قرار الحظر على مستوى الولاية. وبعد انقضاء نحو أسبوع آخر، رفضت محكمة استئناف فيدرالية إلغاء القرار وإعادة تطبيق الحظر.
وفي يوم قرار الاستئناف، تحدث ترامب والعبادي هاتفياً لنحو 15 دقيقة. وتناول العبادي قرار الحظر في نهاية المحادثة الهاتفية، بحسب ما أورده شخص استمع إلى المكالمة، وأخبر العبادي ترامب بأن حظر سفر العراقيين سوف يؤدي إلى تقويض الهدف المشترك المتمثل في إقامة دولة عراقية آمنة ومزدهرة.
القرار سيؤثر على تدريب الطيارين
وأخبر العبادي ترامب أيضاً أن القرار التنفيذي سيؤثر على تدريب الطيارين وزيارات ضباط الجيش إلى الولايات المتحدة ودراسة الطلاب العراقيين بالجامعات الأميركية، بحسب ما أورده الشخص المطلع على تفاصيل المكالمة، مضيفاً أن الرئيس أجاب بأنه سيتحدث مع تيلرسون وسيجد حلاً لتلك المعضلة.
ولم يذكر ملخص البيت الأبيض للمحادثة أي مناقشات حول الحظر أو حول تعهد ترامب بالتوصل إلى حل لذلك.
وبعد أكثر من أسبوع، التقى العبادي بنائب الرئيس مايك بينس خلال مؤتمر أمني انعقد في ميونخ وطالب نائب الرئيس ضمن أمور أخرى بالتعبير لترامب عن استيائه بشأن قرار الحظر.
وأكد أحد مساعدي بينس لصحيفة وول ستريت جورنال أن العبادي قد أثار قضية استبعاد العراق من قرار الحظر خلال اجتماع ثنائي في ميونخ. وأنصت بينس ولكنه لم يقدم أي تعهدات إلى رئيس الوزراء، بحسب ما ذكره المساعد، ولكنه نقل مخاوف العبادي إلى الآخرين بإدارة ترامب بينما كان هناك قرار منقح يتم إعداده.
ولم يذكر الملخص العراقي للمحادثة أي معلومات حول المناقشات بشأن حظر السفر، كما لم يذكرها الملخص الصادر عن البيت الأبيض.
وأكد ماتيس للعبادي خلال زيارته للعراق بعد يومين أنه سيتم تصحيح الخطأ، بحسب ما أورده شخص مطلع على تفاصيل المناقشات.
وذكر عبد الباري الزيباري، رئيس لجنة العلاقات الخارجية بالبرلمان العراقي "الشيء الرائع هو أنه أصبح واضحاً أن المؤسسة الأميركية الرئيسية، بما في ذلك وزارات الدفاع والخارجية والأمن القومي، كانت تؤيد قرار استبعاد العراق من قرار الحظر".
وتحدث تيلرسون أيضاً مع العبادي بعد ثلاثة أيام عبر الهاتف وتعهد بأن تستمر الولايات المتحدة في دعم محاربة تنظيم الدولة الإسلامية وجهود الحفاظ على استقرار البلاد بمجرد القضاء على الجهاديين، بحسب بيان صحفي صادر عن مكتب العبادي. وما لم يذكره البيان هو أن تيلرسون قد استمع إلى مخاوف العبادي بشأن حظر السفر، وفقاً لما أورده شخص مطلع على تفاصيل على المكالمة. ووصف ذلك الشخص وزير الخارجية باعتباره "شخص يحسن الإنصات والتعاطف".
وذكر المتحدث باسم وزير الخارجية العراقي إبراهيم الجعفري أن الجعفري أخبر السفير الأميركي بعد قرار الحظر مباشرة أن العراق "لا تفهم السبب وراء مثل هذا القرار وأن العراقيين ضحايا الإرهاب وليسوا مقترفيه". وقال المتحدث أحمد جمال أن المحادثات مع المسؤولين الأميركيين بشأن إدراج العراق ضمن قائمة الحظر استمر على مدار أسابيع.
محادثات دفعته لتعديل القرار
ولم تتحدث الصحافة كثيراً عن فريق الأمن القومي التابع لإدارة ترامب؛ إلا أن تيلرسون وماتيس وكيلي قد زاروا المكتب البيضاوي لمرات عديدة. وخلال تلك الزيارات، تحدث كل منهم مع الرئيس من أجل تعديل قرار حظر السفر.
وفي 4 مارس/آذار، تحدث المدعي العام جيف سيشنز وكيلي خلال جلسة استغرقت نحو ساعتين مع ترامب في منتجع مرالاجو بولاية فلوريدا.
وخلال الاجتماع، تحدث سيشنز بصحبة رئيس أركانه مع الرئيس حول القرار التنفيذي الجديد المقترح، الذي تولى المكتب الاستشاري للبيت الأبيض صياغته بالتشاور مع مكتب الاستشارات القانونية بوزارة العدل.
وذكر تيلرسون خلال مناقشات أخرى أن العراق ليس ضمن القائمة لثلاثة أسباب رئيسية هي أنه: ليس دولة راعية للإرهاب ويضم سفارة أميركية تمارس أنشطتها ويتعاون بصورة دائمة مع الولايات المتحدة في تبادل المعلومات الأمنية منذ عام 2008.
وعلاوة على ذلك، كان السبب المنطقي وراء قرار ترامب بحظر السفر يتمثل في انقضاء بعض الوقت بما يسمح بتطوير منظومة فحص المسافرين. ومع ذلك، كان فحص العراقيين المسافرين أمراً سهلاً نسبياً نظراً لوجوب قيامهم بتقديم وثائق محددة للحصول على جواز السفر.
وأدى قرار حظر السفر الجديد المقترح إلى استبعاد العراق من القائمة، رغم موافقة بغداد على المطالبة بوثائق سفر معززة والموافقة على عودة أي مواطنين يتم ترحيلهم من الولايات المتحدة.
ولم يكن ترامب سعيداً بفكرة تعديل القرار. وفي اليوم السابق لموافقته على التعديل، أجرى محادثة ملتهبة مع مستشاره العام دون ماكجان بالمكتب البيضاوي حول ما اعتبره الرئيس تخفيفاً من حدة قراره، بحسب ما أورده أشخاص مطلعون على هذا الشأن. وفي اليوم التالي، انضم ماكجان إلى مجموعة المستشارين بمنتجع مارالاجو لتناول العشاء ومراجعة مشروع القانون.
وبعد انتهاء اجتماع مارالاجو، أيد ترامب القرار المنقح على مضض.
ووقع ترامب على القرار المنقح بالمكتب البيضاوي في 6 مارس/آذار. ولم يحضر التوقيع أي من الصحفيين. وقام السكرتير الصحفي شون سبايسر بالتقاط الصورة الوحيدة التي توثق تلك اللحظة الهامة.
هذا الموضوع مترجم بتصرف عن صحيفة Wall Street Journal الأميركية. للاطلاع على المادة الأصلية٬ اضغط هنا.