سعت رئيسة وزراء بريطانيا تيريزا ماي، ووزير الخارجية بوريس جونسون، الإثنين 3 أبريل/نيسان 2017، إلى تهدئة التوتر بين المملكة المتحدة والاتحاد الأوروبي بشأن أزمة جبل طارق، رافضين فكرة التصعيد العسكري، ومشيرين في الوقت ذاته إلى أنَّ المحادثات لحل الأزمة ستُقابل بحسن النية الذي تنتهجه المملكة تجاه القضايا الأمنية.
فبعد تصريحات وزير الخارجية الإسباني، التي قال فيها إن قلق بريطانيا بشأن جبل طارق يوضح أنَّ "شخصاً ما في المملكة قد بدأ يفقد أعصابه"، سعت ماي إلى التراجع عن الخطاب العدائي الذي تلى إصدار الاتحاد الأوروبي مسودة قواعد التفاوض، والذي كان من ضمنه مقارنة الزعيم المحافظ السابق مايكل هوارد الأزمة الحالية بحرب جزر فوكلاند بين بريطانيا والأرجنتين عام 1982. وقالت ماي إن بريطانيا ستنتهج المحادثات والمفاوضات لحل الأزمة، بحسب ما ذكرت صحيفة "الغادريان" البريطانية.
في الوقت نفسه، جهَّز جونسون لاجتماعٍ مع نظيره الألماني سيغمار غابرييل، حيث سيؤكد فيه أنَّ منطقة جبل طارق لا يجب أن تكون ورقة مفاوضات، وسيعد بألَّا تستخدم بريطانيا قضايا الأمن والدفاع للضغط في تلك الأزمة.
وفي اجتماعهما بلندن، سيوضح جونسون لغابرييل أنَّ بريطانيا تريد شراكة متميزة وقوية مع الاتحاد الأوروبي بعد انفصالها عنه.
وأشار مصدرٌ بوزارة الخارجية البريطانية، أنَّ جونسون سيؤكد في الاجتماع أنَّ انفصال بريطانيا عن الاتحاد الأوروبي "لا يجب أن يكون انفصالاً تاماً كالطلاق، وأنَّ الطرفين يجب أن يتناقشا بإيجابية حول الأمر".
وكان الصحفيون على متن طائرة رئيسة الوزراء البريطانية المتجهة إلى الأردن في رحلةٍ تستغرق ثلاثة أيام، قد وجهوا لها سؤالاً مباشراً عما إذا كانت المملكة المتحدة على استعداد لإعلان الحرب على إسبانيا. وهو السؤال الذي قوبل بالضحك من قبل ماي.
وقالت: "ما نقوم به مع جميع الدول الأوروبية في الاتحاد الأوروبي هو الجلوس والحديث معهم. سوف نتحدث معهم عن أفضل صفقة ممكنة للمملكة المتحدة ولبلدانهم، بما في ذلك إسبانيا. بالتأكيد سوف يتم الأمر من خلال المحادثات".
وفي المؤتمر الصحفي بداونينغ ستريت، الذي عُقد صباح الإثنين، 3 أبريل/نيسان 2017، استبعد المتحدث باسم رئيسة الوزراء إرسال قوة لحماية جبل طارق، على غرار ما حدث مع أزمة جزر فوكلاند سابقاً، وقال "لن يحدث ذلك".
ولكنه رفض إدانة اللورد مايكل هوارد لاقتراحه، الأحد 2 أبريل/نيسان، أنَّ المملكة المتحدة يجب أن تُهدد باستخدام القوة لحماية جبل طارق كما فعلت رئيسة الوزراء السابقة مارغريت ثاتشر عندما قامت الأرجنتين بغزو جزر فوكلاند.
ورداً على سؤالٍ حول تصريحات هوارد، وما إذا كانت لهجة تصريحاته مجدية أم لا، أكد المتحدث باسم رئيسة الوزراء في البداية على دعم الحكومة البريطانية لجبل طارق. ثم احتج بأنَّ هوارد كان يحاول فقط إظهار "عزم" المملكة المتحدة.
في غضون ذلك، وبعد حديثه مع فابيان بيكاردو، رئيس وزراء جبل طارق، دعا المسؤول عن ملف خروج بريطانيا من الاتحاد كير ستارمر الحكومة البريطانية إلى إظهار تصميمها على موقفها، والحرص على أن تتضمن أي اتفاقية تجارية جديدة منطقة جبل طارق.
وحثت إسبانيا الحكومة البريطانية على التزام الهدوء في المفاوضات حول مستقبل جبل طارق. وقال وزير الخارجية الإسباني ألفونسو داستيس إنَّ "شخصاً ما في المملكة المتحدة يفقد هدوءه، وليست هناك حاجة لذلك".
ولكن أحد المقربين من رئيس الوزراء الإسباني ماريانو روجاي قال لصحيفة الغارديان البريطانية، إنَّ الرسالة الأساسية لسكان منطقة جبل طارق هي أنَّه "إذا أردتم أن تكونوا جزءاً من السوق الموحدة، فهناك طريقة واحدة".
وقال إستيبان غونزاليز بونز، زعيم الوفد الإسباني في البرلمان الأوروبي، إنَّ "انفصال بريطانيا عن الاتحاد الأوروبي سيكون سيئاً جداً بالنسبة لاقتصاد منطقة جبل طارق. فكل الأعمال التجارية الموجودة بالمنطقة سترحل إلى أندلوسيا، وربما مالطا".
ولم يرد ذكر جبل طارق فى رسالة ماي إلى رئيس المجلس الأوروبي دونالد تاسك، الأسبوع الماضي، لتفعيل المادة 50 من معاهدة لشبونة، التي تعني رسمياً طلب مغادرة الاتحاد الأوروبي (بريكست)، إلا أنَّ مسودة قواعد التفاوض التي أصدرها الاتحاد الأوروبي رداً على رسالة الانفصال، يوم الجمعة، أشارت إلى أنَّ منطقة جبل طارق يمكن إدراجها فقط في اتفاقية تجارية بين لندن والاتحاد الأوروبي في حال موافقة إسبانيا.
وتحدثت ماي، الأحد 2 أبريل/نيسان، إلى فابيان بيكاردو، وأخبرته أنَّ الحكومة البريطانية "لن تُبرِم أبداً اتفاقاً ينقل سكان جبل طارق تحت سيادة دولة أخرى بعكس رغباتهم التي يعبرون عنها بحرية وديمقراطية".
وفي طريقها إلى الشرق الأوسط للقيام بزيارةٍ للأردن والسعودية لمدة ثلاثة أيام، وهي أول زيارة خارجية في مجال التجارة والأمن تقوم بها رئيسة الوزراء منذ بدء العملية الرسمية لخروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي، أكدت ماي مجدداً التزامها بالتوصل "لاتفاقٍ جيد" بخصوص جبل طارق.
وقالت: "موقفنا من جبل طارق لم يتغير، وسنعمل على التوصل لأفضل اتفاق تجاري ممكن للمملكة المتحدة، وأفضل اتفاق ممكن لسكان جبل طارق، وسنعمل مع حكومة جبل طارق، كما فعلنا على مدى الشهور القليلة الماضية، لضمان الوصول لأفضل اتفاق لكلانا".
وأضافت: "من الواضح أنَّه ستكون هناك 27 دولة عليها الموافقة على هذا الاتفاق، ولكنَّني واثقة عندما يتعلق الأمر بالموافقة عليه فإنَّهم لن يضعوا في الاعتبار فقط ما إذا كان الاتفاق جيداً بالنسبة للمملكة المتحدة، ولكن الشيء المهم بالنسبة للدول الـ27 هو أنَّ الاتفاقيات التجارية المجدية لبريطانيا ستكون مجدية لهم كذلك. وأعتقد أنَّه، في نهاية المطاف، ما يهمهم هو الاتفاق الذي سيستفيدون من ورائه".
وأشارت ماي إلى أنَّها لم تغفل ذكر منطقة جبل طارق، على الرغم من غيابها عن رسالة الإخطار الخاصة بالمادة 50 التي وقعتها، وتابعت قائلةً: "لقد كنت واضحةً جداً في تصريحاتي أمام البرلمان بشأن دعمنا المستمر لجبل طارق".
وكانت مصادر في داونينغ ستريت قد قللت من خطورة الفقرة الواردة في مسودة قواعد التفاوض، التي سيتم توسيعها خلال الشهر القادم، بيد أنَّ مسؤولي الاتحاد الأوروبى قالوا لصحيفة الغارديان البريطانية، نهاية الأسبوع الماضي، إنَّ بروكسل فوجئت بأنَّ ماي لم تذكر جبل طارق في رسالتها المؤلفة من ست صفحات، التي تقضي ببدء العمل رسمياً لمدة عامين في إجراءات خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي.
وفى حديثٍ لهيئة الإذاعة البريطانية (BBC) يوم الأحد، 2 أبريل/نيسان، نفى بيكاردو استبعاد حكومته من هذه الإجراءات، وقال إنَّه كان قد تلقى تعهداتٍ بأنَّ المملكة المتحدة لن تسمح أبداً باستبعاد جبل طارق من اتفاقياتها التجارية مع الاتحاد الأوروبي.