إنّ عدد السور في القرآن الكريم هي 114 سورة، ومقسمة إلى: مكية (وهي السور التي نزلت قبل هجرة الرسول صلى الله عليه وسلم)، ومدنية (وهي السور التي نزلت بعد هجرة الرسول صلى الله عليه وسلم)، وعدد السور المدنية 20 سورة، والمختلف عليها إن كانت قد نزلت قبل الهجرة أو بعدها هي سبع سور: الرعد والرحمن والمطففين والقدر والبينة والزلزلة والإخلاص، والباقي هي سور مكية، وذلك بحسب ما ورد في كتاب "في ظلال القرآن" لسيّد قطب.
وأضاف قطب أن السور المكية تملك سوراً أطول من تلك الموجودة في السور المدنية، كونها عالجت موضوع العقيدة في النفوس، أما السور المدنية فتتميز سورها بقصر آياتها كونها عالجت مختلف القضايا الحياتية التي واجهها المسلمون، كما شملت أحكاماً لا تنتظر إلا اتباعها كون المسلمين أصبحوا مؤمنين ومستعدين لاتباع الأحكام النازلة من الله دون مجادلة أو تفسير أو تأخير.
ومن الأمثلة على المواضيع التي عالجتها السور المكية: الصبر على أذى المشركين، والدعوة بالموعظة الحسنة، والإخبار بقصص السابقين للتسرية عن الرسول الكريم والتي فيها عظة وعبرة، من أهمها أن النصر من سنة الله، وأنه من نصيب المؤمنين مهما كبر الظلم وعلا في الأرض، أما المواضيع التي عالجتها المدنية فهي: تكريم المرأة بتقرير وإعطاء حقها في الميراث والزواج، والإخبار عن المنافقين واليهود، وشرع قتال المشركين، وبيان أخبار بعض الغزوات مثل بدر وأحد وتبوك.
وفي كل السور المكية والمدنية، تكررت في الآيات الكريمة كلمة (الأمثال)، مثل قوله تعالى:
– "كَذَلِكَ يَضْرِبُ اللَّهُ الأَمْثَالَ" (الرعد: 17).
– "وَيَضْرِبُ اللَّهُ الأَمْثَالَ لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ" (إبراهيم: 25).
– "وَتِلْكَ الأَمْثَالُ نَضْرِبُهَا لِلنَّاسِ وَمَا يَعْقِلُهَا إِلاَّ الْعَالِمُونَ" (العنكبوت: 43).
– "وَتِلْكَ الأَمْثَالُ نَضْرِبُهَا لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ" – (الحشر: 21).
وتنقسم الأمثال التي ذكرها القرآن الكريم إلى ثلاثة – بحسب ما ذكرها كتاب (علوم القرآن) الصادر من وزارة الأوقاف والشؤون الدينية في سلطنة عُمان- وهي:
1- المصرّحة: وهي التي تظهر في الآية بكلمة (مثل)، فتكون الآية حينها واضحة بأن الله يضرب المثل كقوله تعالى في سورة البقرة: "مَثَلُهُمْ كَمَثَلِ الَّذِي اسْتَوْقَدَ نَاراً فَلَمَّا أَضَاءَتْ مَا حَوْلَهُ ذَهَبَ اللَّهُ بِنُورِهِمْ وَتَرَكَهُمْ فِي ظُلُمَاتٍ لا يُبْصِرُونَ (17)".
2- الكامنة: وهي الآيات التي تخلو من كلمة (مثل)، إلا أن مضمونها يبيّن أنه مثل متداول بين الناس، كقوله تعالى في سورة الفرقان: "وَالَّذِينَ إِذَا أَنفَقُوا لَمْ يُسْرِفُوا وَلَمْ يَقْتُرُوا وَكَانَ بَيْنَ ذَلِكَ قَوَاماً (67)"، ويقابلها المثل العربي: (خير الأمور الوسط). وقوله تعالى في سورة النساء: "مَنْ يَعْمَلْ سُوءاً يُجْزَ بِهِ (123)"، ويقابله في أمثال العرب: (كما تدين تدان).
3- المرسلة: وهي مشابهة للكامنة، إلا أنه لا يقابلها عند العرب أي مثل متداول بينهم، كقوله تعالى:
– "أَلَيْسَ الصُّبْحُ بِقَرِيبٍ" (هود: 81).
– "قُلْ كُلٌّ يَعْمَلُ عَلَى شَاكِلَتِهِ" (الإسراء: 84).
– "هَلْ جَزَاءُ الإِحْسَانِ إِلاَّ الإِحْسَانُ" (الرحمن: 60).
– "عَسى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئاً وَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ" (البقرة: 216).
من هنا نرى الحكمة الإلهية في ضرب الأمثلة وما فيها من تصوير فني لتقريب المفهوم للعقل البشري القاصر، وبالتالي يسهل إدراكه وفهمه لكلام الله عز وجلّ.
كما يوجد في القرآن تصوير حسي وتجسيم لقصص واقعية ووصف لمشاهد واقعة، فالقصص مادة لتربية النفوس ولتقرير الحقائق وسنن الكون والوجود. ويقول سيّد قطب في كتابه (التصوير الفني في القرآن): إنّ الأداة المفضلة في القرآن هي التصوير الفني وما فيه من تجسيم ورسم ونغمة وتطويل وقصر في الآيات وإحياء للجماد بما يتفق مع السياق؛ ليعطي أكبر الأثر على القارئ والمستمع من الفكرة الواحدة، وفيما يلي بعض الأمثلة على ذلك:
1- بلاغة رسله في الحوار والسرد: مثل بلاغة سيدنا موسى في حواره مع فرعون في سورة الشعراء بقوله: "قَالَ رَبُّكُمْ وَرَبُّ آبَائِكُمْ الأَوَّلِينَ (26)"؛ أي رب العالمين هو رب فرعون الذي هو عبد من عبيده وليس بإله كما يدّعي في قومه.
2- البلاغة في وصف ضعف وعجز الطغاة عند مواجهة الحق الذي هو نفسه لا يختلف في أي زمان ومكان، تماماً كما فعل فرعون في الرد على موسى عندما سأله فك أسر بني إسرائيل وتحريرهم من استعبادهم له بقوله في سورة الشعراء: "قَالَ لَئِنْ اتَّخَذْتَ إِلَهَاً غَيْرِي لأَجْعَلَنَّكَ مِنْ الْمَسْجُونِينَ (29)"؛ أي سجنه لإسكات الحق لعجزه عن قهره.
3- البلاغة في التعبير والوصف الذي يعكس حالات نفسية مثل الخوف والقلق والغضب، ومحاولة إلهاء الطغاة العامة عن الحق المبين كما في قصة فرعون في سورة الشعراء: "قَالَ لِلْمَلأ حَوْلَهُ إِنَّ هَذَا لَسَاحِرٌ عَلِيمٌ (34) يُرِيدُ أَنْ يُخْرِجَكُمْ مِنْ أَرْضِكُمْ بِسِحْرِهِ فَمَاذَا تَأْمُرُونَ (35)".
4- التقابل التصويري، مثل ذكر الجبال والأنهار في سورة النمل: " أَمَّنْ جَعَلَ الأَرْضَ قَرَاراً وَجَعَلَ خِلالَهَا أَنْهَاراً وَجَعَلَ لَهَا رَوَاسِيَ (61)"، وقوله في ذات السورة: "وَوَقَعَ الْقَوْلُ عَلَيْهِمْ بِمَا ظَلَمُوا فَهُمْ لا يَنطِقُونَ (85)"، فيأتي وصف القوم بالوجم والصمت وربط اللسان بعد ذكره تعالى للدابة التي ستظهر في آخر الزمان لتكلّم البشر: "وَإِذَا وَقَعَ الْقَوْلُ عَلَيْهِمْ أَخْرَجْنَا لَهُمْ دَابَّةً مِنْ الأَرْضِ تُكَلِّمُهُمْ أَنَّ النَّاسَ كَانُوا بِآيَاتِنَا لا يُوقِنُونَ (82)"، وأيضاً ذكر الماء العذب والمالح الأجاج في سورة فاطر: "وَمَا يَسْتَوِي الْبَحْرَانِ هَذَا عَذْبٌ فُرَاتٌ سَائِغٌ شَرَابُهُ وَهَذَا مِلْحٌ أُجَاجٌ (12)".
5- التناسق في السياق القرآني مثل قوله تعالى في سورة النمل: "أَمَّنْ يَبْدَأُ الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ وَمَنْ يَرْزُقُكُمْ مِنْ السَّمَاءِ وَالأَرْضِ أَئِلَهٌ مَعَ اللَّهِ قُلْ هَاتُوا بُرْهَانَكُمْ إِنْ كُنتُمْ صَادِقِينَ (64)"، يقول سيّد قطب في تفسير ذلك إنه تعالى ذكر الرزق من السماء والأرض بعد بدء الخلق وإعادته لارتباطهم بذلك، فالأرض تتصل بالبدء كونها التي يعيش عليها الإنسان، ومنها يُبعث ويُحاسب على هذا الرزق، ومن السماء ينزل المطر إلى الأرض، وإليها يُبعث الإنسان للجزاء.
6- الحديث عن أخبار الغيب من حال أهل النار وأهل الجنة، فرحمة الله تكشف المصير مع التفاصيل وبسرد صريح مباشر واضح، فيكون لدى الإنسان فرصة للإيمان قبل فوات الأوان، قال تعالى: "إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي مَقَامٍ أَمِينٍ (51) فِي جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ (52) يَلْبَسُونَ مِنْ سُندُسٍ وَإِسْتَبْرَقٍ مُتَقَابِلِينَ (53) كَذَلِكَ وَزَوَّجْنَاهُمْ بِحُورٍ عِينٍ (54) يَدْعُونَ فِيهَا بِكُلِّ فَاكِهَةٍ آمِنِينَ (55)" سورة الدخان، وفي وصف حال أهل النار قوله تعالى: "ثُمَّ إِنَّكُمْ أَيُّهَا الضَّالُّونَ الْمُكَذِّبُونَ (51) لآكِلُونَ مِنْ شَجَرٍ مِنْ زَقُّومٍ (52) فَمَالِئُونَ مِنْهَا الْبُطُونَ (53) فَشَارِبُونَ عَلَيْهِ مِنْ الْحَمِيمِ (54) فَشَارِبُونَ شُرْبَ الْهِيمِ (55) هَذَا نُزُلُهُمْ يَوْمَ الدِّينِ (56)" سورة الواقعة.
7- حاسة التذوّق الجمالي العالي، كما في قوله تعالى: "أَلَمْ تَرَى أَنَّ اللَّهَ أَنْزَلَ مِنْ السَّمَاءِ مَاءً فَأَخْرَجْنَا بِهِ ثَمَرَاتٍ مُخْتَلِفاً أَلْوَانُهَا وَمِنْ الْجِبَالِ جُدَدٌ بِيضٌ وَحُمْرٌ مُخْتَلِفٌ أَلْوَانُهَا وَغَرَابِيبُ سُودٌ (27)" سورة فاطر. يقول قطب: إن ذكر تعداد ألوان الصخور وتنوعها في اللون الواحد بعد ذكر ألوان الثمار توقظ في القلب حاسة ذوق جمالية عالية، والتي كانت ترى قبل ذلك الجبال على أنها مجرد جماد من صخور صماء، وذات الشيء بالنسبة إلى لون الثمر؛ على أنه مجرد لون، فهذه الآية تنبّه الإنسان إلى الالتفات إلى جمال صنع الله في كل من الجبل والثمر.
8. دقة التعبير وإيجازه، كما في قوله تعالى: "رَبُّ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا وَرَبُّ الْمَشَارِقِ (5)" سورة الصافات، يقول قطب إن لكل نجم مشرقاً ولكل كوكب مشرقاً مختلفاً عنه، وهناك بالتالي مشارق عديدة في هذا الكون التي لا تقتصر على كوكب الأرض.
9- يظهر في بعض السور المكية نوع آخر من البلاغة يتمثّل بابتداء بعض السور بأحرف لا تملك معنى مفهوماً مثل:
– "المص (1) كِتَابٌ أُنزِلَ إِلَيْكَ فَلا يَكُنْ فِي صَدْرِكَ حَرَجٌ مِنْهُ لِتُنذِرَ بِهِ وَذِكْرَى لِلْمُؤْمِنِينَ (2)" سورة الأعراف.
– "الر تِلْكَ آيَاتُ الْكِتَابِ الْحَكِيمِ (1)" سورة يونس.
– "الم (1) تَنزِيلُ الْكِتَابِ لا رَيْبَ فِيهِ مِنْ رَبِّ الْعَالَمِينَ (2)" سورة السجدة.
ويرى قطب في معنى هذه الأحرف أنها تحدٍّ للبشر من أن يصوغوا منها كلمات كالموجودة في آيات القرآن الكريم، وتشكيل جمل بها قوة خفية وتعبير إعجازي في المعنى، واستخدام للألفاظ بشكل يجعل لها سلطاناً وإيقاعاً على النفس والقلب والحس؛ إذ إن الفرق بين القرآن الكريم وأي كتاب آخر هو تماماً كالفرق بين خلق الله وما يصنعه البشر في أي شيء، فهم لا يملكون ولن يصلوا لكمال خلق الله في أصغر الأشياء من ألوان للطير والزهر والثمر وغيرها.
ومن الجدير بالذكر قيام أحد الباحثين مؤخراً بمحاولة تفسير هذه الأحرف، وهو الباحث لؤي الشريف المهتم بمجال اللغات السامية، فبرأيه أن أبجدية اللغة العربية مأخوذة من أبجدية اللغة السريانية، وبالتالي فإن الأحرف التي ذكرها القرآن لا تملك أي معنى في اللغة العربية، وإنما تملك معنى في اللغة السريانية، فمثلاً:
– "الم": تعني (اصمت)، وهي ذات اللفظ الذي استخدمه النبي داود في خطبه عندما كان يريد قول شيء مهم، ومذكور ذلك في الزبور والتوراة.
– "الر": تعني (تبصّر) أو (تأمل بقوّة)، ونجد أن الآيات التي تلت هذه الأحرف تتطلب التبصّر والتأمل، مثل قوله تعالى: "الر كِتَابٌ أَنزَلْنَاهُ إِلَيْكَ لِتُخْرِجَ النَّاسَ مِنْ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ بِإِذْنِ رَبِّهِمْ إِلَى صِرَاطِ الْعَزِيزِ الْحَمِيدِ (1)" سورة إبراهيم.
– "طه": وتعني (يا رجل)، الهاء حرف نداء، والطاء تعني رجل.
– "كهيعص" أي: (هكذا يعظ).
ومن العلماء من أفاد بأن الأحرف هي لشد انتباه القارئ وزيادة فضوله لمعرفة ما سيأتي بعد هذه الأحرف. هذا كله والله تعالى أعلم، فهي مجرّد اجتهادات علمية تحتمل الصواب وتحتمل الخطأ، وللقارئ أن يميل إلى ما يراه مناسباً لأي منها.
ملحوظة:
التدوينات المنشورة في مدونات هافينغتون بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.
مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.