نعيش محاطين بالعديد من الأشياء، وكثيراً ما ننساق وننخدع ببريقها وجمالها، فنلهث وراء الحصول عليها، نتطلع لنيلها، ظانين أنها من النوادر، وعند الاقتراب منها نجدها بلا قيمة، فنصطدم بزيفها وألوانها المقيتة الباهتة، ونأسف ونتحسر على حالنا ونتجرع مرارة الندم، لماذا اقتربنا كل هذا القرب؟ لماذا لم نكتفِ بالنظر من بعيد؟
زماننا هذا هو زمن المظاهر الكاذبة بامتياز، تجد الناس في قمة الأناقة، في أبهى صورة، في أروع هندام، لكن الدواخل مقرفة.. قد تبهرك حياكة حديثهم، قد يغريك حضورهم، تعدد ثقافاتهم وهندسة كلامهم، قد يخيل إليك أن بينهم وبين المثالية والكمال خطوة، لا أخطاء تشوبهم، لا عيوب تمسهم، معصومين ومنزهين.. اقترب أكثر وانبش أعماقهم وستفاجأ بانهيار كل الصور التي نسجها خيالك، ستُصَدم من هول الفارق بين الظاهر والباطن، كل استنتاجاتك ستتهاوى أمامك، فبين ما يقولون ويفعلون.. قد تجد بحراً من التناقضات.
الاهتمام بالسطحيات أصبح آفة اجتماعية اكتسحت مجتمعنا العربي، بجل فئاته وغالبية طبقاته، فغدت الأقنعة الملونة بضاعة ملعونة بخس ثمنها.
ما يزيد الطين بلّة حين تجد الكثيرين يلهثون وراء المغريات بحماس منقطع النظير، حماس قد يعطل بصيرتهم ويجعلهم يلجأون للحصول على قروض مالية بدافع الارتقاء إلى مستوى جار ما، أو منافسة زميل بالعمل.. تتكاثر الديون لكن لا بأس، المهم هو الحفاظ على الصورة الاجتماعية.. أوَليس هذا النقص والتخلف بعينه؟ منذ متى كانت مكانة الإنسان وقيمته مبنية على أشياء زائفة؟ منذ متى صار الإنسان يحكم على الآخر وفق ماركة ساعته لا جوهره وحسن تعامله؟
اللمعان والبريق الحقيقي الذي يدوم أبد الدهر هو بريق النفوس، كلما كان الداخل صافياً إلا وانعكس على المحيا..
فمكياجك يا عزيزتي لن يقوى على تغطية قبح تصرفك ووقاحة أسلوبك، أما عن عجرفتك وقلة شهامتك يا عزيزي فلن يشفع لهما بريق حذائك.
الحياة تجارب، ومع كل تجربة هناك عِبرة، ستصقل فكرك وتزيدك نضجاً ودراية.. مصادفتك لأشباه البشر ودفعك لثمن سوء اختياراتك لا يعني أن الكل بهذا السوء والقبح.. الدنيا مثلما تزخر بالطالحين، يسودها الصالحون أيضاً، ذوو القلوب الطاهرة والأخلاق السامية والمبادئ القيمة.
ليس كل ما يلمع ذهباً.. إياكم وتوكيل المظاهر حكماً ومعياراً.. إياكم والتعلق بقشور الأمور وعدم السعي لاكتشاف جواهرها.. بشاشة الوجوه لا تعكس طيبة وصفاء النوايا.. العبارات والكلمات المنمقة قد يكمن بين حروفها سم وغل.. نحن في عصر اختلط فيه الحابل بالنابل.
فسلام على كل مَن عرفناهم وظلوا كما عهدناهم..سلام على كل الذين استوطنوا قلوبنا بكل صدق، دون أن يحدثوا فيها كسراً أو جرحاً.. سلام على كل مَن حافظوا على صورتهم في أذهاننا راقية كأول يوم صادفناهم.. أنتم للجمال الحقيقي عنوان.
ملحوظة:
التدوينات المنشورة في مدونات هافينغتون بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.