مع دقات عقارب التاسعة صباحاً، يقف سيد خليفة – خمسون عاماً- فى شارع الألفي بمنطقة وسط البلد بالقاهرة، أمام أحد أبواب المجمعات الاستهلاكية -وهي محلات تابعة للحكومة تبيع المنتجات بأسعار أقل- لشراء كيلو من اللحم المجمد، المستورد من البرازيل، قبل زحام الناس ونفاد الكميات من المجمع.
لم يسمع سيد تقريباً بما حدث في البرازيل في 18 مارس/ آذار الجاري، عندما أوقفت السلطات هناك 33 مسؤولاً حكومياً عن العمل وسط مزاعم بأن بعضاً من كبرى شركات تصنيع اللحوم في البلد باعت لحوم أبقار ودواجن فاسدة على مدى سنوات. كما أغلقت السلطات 3 مصانع لحوم، في حين يجري فحص 18 مصنعاً آخر، وفقاً لموقع الـ "بي بي سي".
وتعد البرازيل أكبر مصدر للحوم الحمراء في العالم، وتحتل مصر المرتبة رقم 3 بين أكبر الدول استيراداً للحوم الأبقار البرازيلية، حيث استوردت 12.1 % من حجم اللحوم البرازيلية التي تم تصديرها خلال عام 2016.
الإجراءات البرازيلية أثارت الكثير من الشكوك المصرية حول مدى سلامة شحنات اللحوم التي دخلت البلاد طوال الفترات الماضية، خاصة مع ضعف الرقابة الغذائية في مصر، إلا أن المسئولين المصريين نفوا تماماً صحة تلك الشكوك.
وقف الاستيراد
وبعد يومين من انفجار الأزمة وفي 20 مارس، أعلن الدكتور إبراهيم محروس رئيس هيئة الخدمات البيطرية بوزارة الزراعة، أن الحكومة المصرية قررت إيقاف شحنات اللحوم القادمة من البرازيل لحين ورود الرد الرسمي من السفارة البرازيلية بالقاهرة على استفسار وزارة الزراعة حول طريقة ذبح الماشية والدواجن الحية في المجازر البرازيلية ومدى مطابقتها للمواصفات القياسية المصرية، وهو ما اعتبره الدكتور لطفي شاور، رئيس تفتيش على مجازر أحد المحافظات سابقاً، اعترافاً ضمنياً من الحكومة المصرية بدخول تلك اللحوم الفاسدة إلى مصر.
وقال في تصريحات لـ"عربي بوست": "لو كنا نمتلك الثقة في الإجراءات التي نقوم بها من تحاليل دقيقة وفحوصات للعينات القادمة من اللحوم المستوردة لما أوقفنا الاستيراد".
لكن مصر أعلنت السبت 25 مارس/ آذار، استئناف عمليات استيراد اللحوم والدواجن من الجهات المعتمدة من قبل الهيئة العامة للخدمات البيطرية بالبرازيل، وفق بيان رسمي.
وأكدت وزارة الزراعة المصرية في البيان ذاته ، أن "عملية الاستيراد تخضع لرقابة مزدوجة فى بلد المنشأ وفور وصول الرسائل (الشحنات) إلى الموانئ المصرية والتى من شأنها تقليل مخاطر دخول أى منتجات غير صالحة للاستهلاك الآدمى للبلاد".
وشكك شاور في صحة إجراء تحليل العينات في الموانئ قبل الإفراج عن الشحنات والسماح لها بدخول البلاد، وتساءل: "كيف يتم الحكم على صحة 100 صندوق في حين أنني لم آخذ عينات إلا من ثلاثة أو أربعة صناديق فقط"، مضيفاً أن المستوردين أصبحت لديهم خبرة فى التعامل مع عمليات الحصول على العينات في الموانئ المصرية، والتعامل مع اللجان التي تسمح بدخول الشحنة.
ماذا تعني عبارة "لحوم فاسدة"
أوضح شاور لـ"عربي بوست" أن الفساد كلمة شاملة، فهي لا تعني فقط وجود عفن على اللحوم، ولكن الفساد قد يكون "أن عبوة اللحوم بها إضافات، أو أن تكون الشحنة من لحوم ناتجة من حيوانات معالجة هورمونياً، ويمكن أن يكون بها خلل في طرق الحفظ، أو استخدام مواد كيميائية لتحسين المظهر، أو استخدام مواد مسرطنة".
أغلب ما يشير إليه الخبير المصري لا يمكن رؤيته بالعين المجردة، وبالتالي لا يكفي النظر بالعين المجردة للحكم على صحة اللحوم، على حد قوله.
الفساد بدأ بعد ثورة يناير
"حتى يناير ٢٠١١ كان الاستيراد يتم بإرسال لجان من الأطباء مع المستوردين إلى دولة المنشأ للإشراف على عملية استيراد اللحوم سواء لمراقبة الذبح على الشريعة الإسلامية، والتأكد من تطبيق الجودة في الموافقة الاشتراطية مثل السن والوزن، للتأكد من تحديد صلاحية اللحوم للاستهلاك الآدمي، وكانت هذه اللجنة الطبية توقع على كل صندوق مستورد من اللحوم"، بحسب شاور.
إلا أنه تم وقف إرسال تلك اللجان بعد ثورة يناير، معتبراً أن ذلك فتح باب الغش على مصراعيه، وأضاف أن بعض مستوردي اللحوم بدأوا "باستقطاب بعض علماء الأزهر للموافقة على الطرق التي تستخدم للذبح في هذه الدول مثل البرازيل وهي استخدام الصدمات الكهربائية أو الميكانيكية في عمليات الذبح، وهذه الصدمات تخالف الذبح بالشريعة الإسلامية بالتسمية والتكبير عليها".
وأوضح شاور أننا أمام مشكلتين في اللحوم البرازيلية المستوردة، أولها أن بعض الشركات لا تلتزم بقواعد التصدير باعتراف الحكومة البرازيلية نفسها، وهو ما ينعكس على الدول التي ليست لديها التكنولوجيا العلمية لفلترة واستخلاص اللحوم الصالحة للاستخدام الآدمي، والثانية أننا أمام لحوم مذبوحة بطرق لا تتوافق مع الشريعة الإسلامية وتعتبر نتيجة لذلك لحوماً محرمة.
"عربي بوست" حاول التواصل مع رئيس هيئة الخدمات البيطرية في وزارة الزراعة، للتعليق على تصريحات الدكتور لطفي شاور، ولكنه لم يرد.
الفحوصات لدينا تكفي
بعد أزمة اللحوم البرازيلية الفاسدة، بدأ الحديث داخل أروقة وزارة الزراعة المصرية عن أن الحل يتمثل في عودة اللجان التي تم إيقافها بعد ثورة يناير، وفقاً لما كشفه أحد المصادر لـ"عربي بوست"، إلا أن شريف عاشور -أحد مستوردي اللحوم- اعترض على تلك الفكرة ووصفها بأنها غير مجدية، "لأن وقوف شخص على عملية الذبح لا يمكنه من متابعة كل ما يجري داخل المجازر في دولة المنشأ".
واعتبر أن الفحوصات والتحاليل التى تجريها ثلاث جهات مصرية عند وصول الشحنة للموانئ تكفي للتأكد من صلاحية الشحنة للاستخدام الآدمي.
وأوضح عاشور لـ"عربي بوست" أن تلك البعثات تمثل عبئاً على المواطن لأن المستورد يتحملها مالياً، ما يرفع كلفة اللحوم المستوردة ويؤدي إلى رفع سعر المنتج، والذي وصل إلى 60 جنيهاً للكيلو (حوالي 4 دولارات)، مما أثر على حركة البيع.
واستبعد عاشور أن يكون أي من اللحوم الفاسدة دخل البلاد، مشيراً إلى أن الجهات المصرية الثلاث التي تفحص الشحنات وهي: الخدمات البيطرية والرقابة على الصادرات ووزارة الصحة، يأخذون عينات من الشحنة ويقومون بتحليلها، ولا يمكن السماح بعبور شحنات غير مطابقة للمواصفات، واعتبر أن قرار وقف الاستيراد قرار احترازي مؤقت، مشيراً لضرورة إنهائه قبل شهر رمضان، حتى لا تحدث أزمة في السوق لنقص المعروض، خاصة في ظل تراجع الكميات التي تدخل مصر من 20 – 25 ألف طن شهرياً، قبل تعويم الجنيه، إلى 5 آلاف طن شهرياً فقط.
المواطن توقف عن الشراء بسبب الأسعار
"يوجد في مصر نحو 50 مستورداً للحوم، مسئولين عن تغطية كل منافذ البيع في الجمهورية بالإضافة إلى إمداد المطاعم، والفنادق، والمصانع المتخصصة باحتياجاتها من اللحوم، موضحاً أن 97% من اللحوم المستوردة في مصر تأتي من البرازيل"، كما يقول محمد الشافعي رئيس شعبة اللحوم باتحاد الصناعات.
الشافعي، في حديثه لـ"عربي بوست"، يعتقد أن قرار وقف الاستيراد من اللحوم البرازيلية كان لابد منه للتأكد من صحة ما تم الإعلان عنه بوجود لحوم فاسدة، خاصة أن عدداً كبيراً من الدول الأوروبية اتخذ الإجراء نفسه.
إلا أنه نفى في الوقت ذاته أن يكون قد دخل البلاد أي من تلك اللحوم الفاسدة في ظل الرقابة الشديدة على الشحنات، على حد وصفه، واستبعد أن يتسبب هذا القرار في حدوث نقص في المعروض من اللحوم في السوق المصري نظراً لتراجع الإقبال على شراء اللحوم بسبب ارتفاع أسعارها سواء المستوردة منها أو المحلية.
الجهات الرقابية: ليست لدينا لحوم فاسدة
من جهته نفى إسماعيل جبر رئيس هيئة الرقابة على الصادرات والواردات، أن تكون هناك شحنات من اللحوم الفاسدة قد دخلت مصر، مضيفاً في تصريحات لـ"عربي بوست" أنه كجهة رقابة مسؤولة عن فحص الشحنة بمجرد وصولها الموانئ المصرية والسماح لها بالعبور من عدمه.
وأوضح جبر أن الفحص يتم أولاً بفحص شهادة المستورد وأوراقه، ثم القيام بفحص ظاهري للشحنة، "وفي حالة وجود أي شيء بها لا يتم السماح بدخولها الميناء، أما إذا كانت سليمة فيتم الدخول تحت التحفظ حتى يتم إجراء الفحوصات اللازمة والتأكد من مطابقتها للمواصفات المصرية".
وأشار جبر إلى أن تلك الإجراءات تتم مع أي جهة مستوردة سواء كان المستورد من القطاع الخاص، أو الحكومة، أو حتى القوات المسلحة، وقال إنه لا يعنيه اسم المستورد ولكن تعنيه صلاحية الشحنة من عدمها.
وتستغرق إجراء الفحوصات فى الجهات المعنية بتحليل العينات نحو 15 يوماً، كما قالت لـ "عربي بوست" د. مايسة حمزة مدير الرقابة على الأغذية في وزارة الصحة، "تكون خلالها الشحنة تحت تحفظ وزارة الصحة حتى يأتي تقرير الفحص، إما بسلامة الشحنة فيتم السماح لها أو عدم صلاحيتها، وهنا يكون القرار للمستورد إما بإعدام الشحنة أو إعادتها مرة أخرى من حيث أتت".
البيع لم يتأثر
ورغم الضجة التي أثيرت حول سلامة اللحوم البرازيلية فى العالم بالكامل، فإن المبيعات فى مصر لم تتأثر كما يرى إبراهيم طه العامل في أحد المجمعات الاستهلاكية. "يصل المجمع يومياً حوالي 30 صندوقاً يحتوي الواحد منها على 30 كيلوغراماً، يتم بيعها جميعاً قبل منتصف اليوم الذي يبدأ العمل فيه من التاسعة صباحاً حتى السادسة مساء".
يضيف طه أن الإقبال مستمر على اللحوم البرازيلية "رغم ارتفاع سعرها بعد تعويم الجنيه ووصولها إلى 48 جنيهاً للكيلو بعد أن كانت بـ 29 جنيهاً. الإقبال عليها لم يتأثر نظراً لارتفاع سعر اللحوم الأخرى".
ولا يتم السماح ببيع أكثر من ثلاثة كيلوغرامات للشخص الواحد خوفاً من شرائها بهدف التجارة وتحقيق هامش ربح على حساب المواطنين.
وهناك جولات يومية للجان التفتيش التابعة لوزارة الصحة للتأكد من صلاحية اللحوم الموجودة بالمجمع، "وهناك زبائن معتادون على شراء اللحوم البرازيلية منذ عدة سنوات ولم يشتكوا يوماً منها"، كما يضيف طه.