بعد مرور ستة أعوام على الإطاحة به في ذروة الربيع العربي، أُطلق سراح الرئيس المصري السابق حسني مبارك الجمعة 24 مارس/آذار 2017، من مستشفى المعادي العسكري في القاهرة، الذي ظل محتجزاً فيه معظم الوقت، منهياً جهوداً طويلة وغير مثمرة، حول مساءلته عن حالات الفساد الذي استشرى خلال عقوده الثلاثة من الحكم، إلى جانب تجسيد حالات انتهاكات في حقوق الإنسان.
مبارك، ذو 88 عاماً، نقل من مستشفى المعادي العسكري، حيث كان يعيش تحت الحراسة في غرفة تطلّ على نهر النيل، إلى قصره في مصر الجديدة، بحسب ما نشرت صحيفة "نيويورك تايمز" الأميركية.
وقد ذكرت صحيفة المصري اليوم المصرية أن مبارك غادر مستشفى المعادي وعاد إلى منزله، حيث تناول إفطاره مع عائلته وعددٍ من الأصدقاء.
وصرّح محاميه فريد الديب للصحيفة أن مبارك يشكر كل من دعموه طوال مدة محاكمته.
وبرأت محكمة الاستئناف العليا في مصر مبارك، في الثاني من مارس/آذار 2017، من تهم التخطيط لقتل المتظاهرين، لتغلق بذلك قضية ظلت مفتوحةً لمدة طويلة، وأسفرت في البداية عن الحكم عليه بالسجن المؤبد عام 2012، بتهمة قتل 239 شخصاً في التظاهرات التي اندلعت ضد حكمه، بحسب ما ذكرت صحيفة "الغارديان" البريطانية.
كما كانت المحكمة قد برأته من قضيةِ فسادٍ منفصلة في يناير/كانون الثاني 2015.
في ذاك الوقت، بدا سقوط مبارك، علامة لبدء موجة من التغيير في العالم العربي، ما أدى إلى تحطيم فكرة النظام السياسي الراسخ، وطرح معادلة جديدة بأن حتى الزعماء الأكثر قوة، لن يكونوا محصنين من الملاحقة القضائية.
فكان الإفراج عنه الجمعة ساحقاً لآمال الكثيرين الذين آمنوا بالتغيير من جهة، وخيبة أمل كبيرة للمصريين الذين خاطروا بحياتهم من أجل الإطاحة به من جهة ثانية، حتى لو زعم بعضهم أن التحديات هي أكبر من مجرد رجل واحد.
بخوف ونوع من اللا مبالاة، اعتاد المصريون على مواجهة السلطة في بلادهم. وأسفرت سنوات محاكمة مبارك بالعديد من التهم في نهاية المطاف، إلى إدانته بقضية فساد واحدة بسيطة.
ويتوقع قليلون أن يؤدي إطلاق سراحه اليوم -وهو احتمال لا يمكن تصوره قبل سنوات- إلى احتجاجات كبيرة.
وكان مبارك، الرجل القوي الذي حكم مصر لما يقرب من ثلاثة عقود، يبدو دائماً في حالة من الضعف أثناء جلسات محاكمته؛ إذ كان يحضر على سرير متحرك ويرتدي نظارات سوداء، ولكن ظهوره في المحاكمة بحد ذاته، كان بمثابة نفي لما يتردد من إشاعات حول وفاته.
وكان لدى العجوز من الصحة الكافية، ليطل من نافذة غرفته ويلوِّح لمؤيديه المجتمعين خارج المستشفى في عدة مناسبات سابقة، مثل عيد ميلاده، وذكرى حرب مصر عام 1973 مع إسرائيل.
أما من شاركوا في الإطاحة بمبارك، فتعد تبرئته لحظة قاسية لديهم في تاريخ مصر الحديث. وجاءت ردود فعل البعض أشبه بنوع من الاستسلام، ولا سيما أن السنوات التي شهدتها البلاد منذ الإطاحة به، عمّتها الفوضى السياسية، ما جعل إطلاق سراحه أمراً حتمياً.
وقد أُطيحَ بمحمد مرسي، أول رئيس منتخب ديمقراطياً بعد مبارك، في انقلابٍ عسكري عام 2013.
لا شي اختلف
يرى الكثيرون أن أساليب القيادة التي انتهجها مبارك، موجودة لدى الجنرال عبد الفتاح السيسي الذي يتولى زمام الحكم في الوقت الحالي.
ويقول طارق الخطيب، الذي قُتِلَ أخوه في أحداث الثورة التي أطاحت بمبارك عام 2011، "لست حزيناً ولا محبطاً. ربما كنت سأستغرب لو سارت الأمور على نحوٍ مختلف. فمن الناحية السياسية، يسير كل شيء في هذا الاتجاه، وهو ما مهَّد الطريق لاستقبال لحظة إطلاق سراح مبارك باعتبارها لحظة عادية".
ويضيف الخطيب: "إن هذه رسالة واضحة لجميع المصريين مفادها أن لا أحد سيحاسب على أي فسادٍ أو قمع في هذا البلد، فالدولة وفيّة لرجالها وستظل كذلك. لا تحلموا بقيام ثورة مرةً أخرى".
وعلى مدار الأعوام الستة الماضية، بُذِلَت جهودٌ لمعاقبة أفراد أسرة مبارك والمقربين منهم من رجال الأعمال الذين استفادوا من نظامه؛ إلا أنها كانت جهوداً يائسة. فقد أُطلِقَ سراح نجلي مبارك جمال وعلاء في أكتوبر/تشرين الأول 2015، مع إعلان القاضي بأنهما قضيا في الحبس مدة تكفي لمعاقبتهما على جرائم الفساد واختلاس المال العام.
كما عُيِّنَ أحمد عز الملقب بإمبراطور الحديد، نسبة لقضية "حديد الدخيلة" التي يحاكم بها، زعيماً شرفياً لأحد الأحزاب عام 2016، على الرغم من قضائه فيما سبق حكماً بالسجن ثلاث سنوات بتهم فساد.
وكان عز قد شغل منصب الأمين العام للحزب الوطني المنحل في عهد مبارك.
ويُنظر إلى السيسي وحكومته المدعومة من الجيش بأنهم ورثة الاستبداد من مبارك، رغم أن السيسي يصف الثورة التي أنهت حكم مبارك بأنها "نقطة تحوُّلٍ في تاريخ مصر".
وتقول ماهينور المصري، الناشطة والمحامية التي قضت 15 شهراً في السجن في ظل حكم السيسي: "أعتقد أن إطلاق سراح مبارك كان أمراً متوقعاً، لأن تلامذته هم من يحكمون البلاد الآن: نفس النظام، ونفس الفساد، ونفس الوحشية".
وتضيف ماهينور: "يمكنهم أن يطلقوا سراحه، ولكن صورته في عيون من آمنوا بالثورة ستظل صورة المجرم القاتل والأب الروحي للفساد. ربما تكون هذه جولة جديدة خسرناها، ولكننا سنواصل النضال لتغيير النظام غير الإنساني الذي يفرج عن المجرمين ويسجن الأبرياء".
إلا أن روح الأمل لدى كثيرين أُخر، كانت أقل مما هي لدى ماهينور.
"ننشد عدالة السماء"
ويقول محسن بهنسي، المحامي الحقوقي الذي شارك في عمل لجنة تقصي الحقائق حول الانتهاكات العسكرية أثناء ثورة يناير: "الآن ننشد عدالة السماء".
وقد رفضت محكمة الاستئناف العليا في مصر سابقاً طلبات مُقدَّمة من أهالي ضحايا الثورة لرفع قضايا ضد مبارك عن دوره في قتل المتظاهرين.
وانتهى تحقيقٌ رسمي إلى أن 846 شخصاً قُتِلوا وأُصِيبَ 6467 آخرين أثناء الثورة، أثناء قمع قوات الأمن المظاهرات التي خرجت في ميدان التحرير بالقاهرة.
فشل المؤسسات القضائية والقانونية
وتقول مي السعدني، الخبيرة القانونية لدى معهد التحرير لسياسات الشرق الأوسط في واشنطن: "إن تبرئة مبارك لها قيمة رمزية كبيرة، إذ تعكس فشلاً ذريعاً للمؤسسات القضائية والقانونية في مصر في محاسبة ولو مسؤول واحد عن قتل ما يقرب من 900 متظاهر إبان ثورة يناير. إن هذه البراءة مؤشرٌ لأزمة أكثر عمقاً للقضاء الانتقالي".
ويأتي الإفراج عن مبارك في ظل أزمة اقتصادية أعقبت سنوات من الاضطراب الاقتصادي وتدهور في الحالة الأمنية.
ويشكو المصريون من فراغ جيوبهم وخواء بطونهم مع تجاوز معدلات التضخم 30% وتشديد الحكومة إجراءاتها الاقتصادية إثر اقتراضها من صندوق النقد الدولي.
ويقول خالد داوود، أحد المعارضين السياسيين، الذي لم يكن مؤيداً للإسلاميين، لكنّه أدان القمع الدموي الذي حلّ بهم: "تحتل الأزمة الاقتصادية التي نعيشها وارتفاع الأسعار مكان الأولوية مقابل أي شيء آخر، والأمر نفسه ينبطق على الخوف من الإرهاب. هذا ما يشغل بال المواطن العادي، وليس مبارك".
ويضيف تعليقاً على المسيرات التي تخرج من آنٍ لآخر تأييداً لمبارك أمام مستشفى المعادي: "حين تنظر إلى المجموعة التي خرجت إلى الشوارع لتأييده، فلن تجد سوى 150 شخصاً أو حتى 200 كحد أقصى".
وسيحظى مبارك بامتيازات رئيس الدولة المتقاعد، بما في ذلك التدابير الأمنية اللازمة له. فيما من المرجح أن يعتري السيسي قلق إزاء ما يتطلع إليه مبارك بعد خروجه الآن، وفق صحيفة "نيويورك تايمز" الأميركية.
وتضيف الصحيفة، على الرغم من أن السيسي يتطرق دائماً في خطاباته إلى ثورة يناير 2011، ويعتبرها نقطة تحوُّلٍ تاريخية، إلا أن حكومته سمحت لرجال مبارك السابقين، بالعودة إلى حياتهم المدنية. في المقابل يقبع عشرات الآلاف من المعارضين بالسجون وآخرون في المنفى.
لكنّ السيسي، بسماحه الإفراج عن مبارك، يأمل ألا يكون قد رمى شرارة إلى منتقديه للخروج ضدّه، كما حصل العام الماضي، عند تنازله عن جزيرتي تيران وصنافير للسعودية، ما أدى إلى احتجاجات عارمة في الشوارع.