كيف نجحت دبي في أن تقود الشرق الأوسط بإطلاق الشركات الجديدة؟.. إليك قصصاً شبابية وجدت ضالتها في الإمارة الخليجية

عربي بوست
تم النشر: 2017/03/23 الساعة 14:38 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2017/03/23 الساعة 14:38 بتوقيت غرينتش

في الشرق الأوسط قصتا نجاحٍ في عالم انطلاق المشروعات والشركات الصغيرة، فيهما عبرة وإشارات إلى توجهات القطاع المهمة؛ ففي فبراير/شباط 2016 أصبح موقع سوق.كوم (Souq.com) بدبي -لتجارة منتجات التجميل والصحة، فضلاً عن إلكترونيات أخرى– الأعلى والأكبر قيمة بين شركات الإنترنت في الشرق الأوسط.

وكانت جولة استثمارية أميركية قد وفرت تمويلاً قدره 275 مليون دولار، ما قدّر قيمة الشركة بمليار دولار، وفق تقارير صحفية وروايات ممن لهم دراية بالصفقة. ويُدرِجُ موقع سوق.كوم أكثر من 1.5 مليون منتج، كما يعمل في 7 بلدان؛ منها مصر والسعودية.

أما قصة النجاح الثانية، حسب تقرير لصحيفة فايننشيال تايمز البريطانية في ديسمبر/كانون الأول 2016، فجمع تطبيق "كريم Careem" لسيارات الأجرة والتاكسي 350 مليون دولار؛ في طليعتها استثمارات شركة الاتصالات السعودية Saudi Telecom Co، وشركة التجارة الإلكترونية اليابانية راكوتين Rakuten في المرحلة الأولى من أحدث جولاتها التمويلية التي قدّرت قيمتها بمليار دولار.

انطلاقة تطبيق كريم الهاتفي كانت عام 2012، وهو يعمل في 47 مدينة بـ11 دولة ويشغّل 150 ألف سائق. وكانت جولته التمويلية السابقة قد جمعت 72 مليون دولار.

في هذين المثالين إشارة إلى أن دبي باتت عاصمة انطلاق المشاريع في المنطقة، تدعمها نسبة نفاذ هواتف ذكية قدرها 78% (أي نسبة السكان المستخدمين لهواتف ذكية)، إضافة إلى التنوع السكاني والمنتجات المصرفية متعددة الاستعمالات وقوة خدمات الدعم المالي.

وحسب تقرير لموقع ماغنيت Magnitt في دبي الموجَّه لرواد الأعمال وأصحاب المشاريع والمستثمرين، فإن الإمارات العربية المتحدة تقود الشرق الأوسط في مجال إطلاق الشركات والمشاريع، فهي مهد 42% من شركاته الناشئة حديثة الانطلاق، تليها مصر بنسبة 12% ثم لبنان 9% والأردن 8%، فيما استُثنيت إسرائيل من الإحصاءات.

وقد نما تمويل المشروعات الناشئة حثيثاً في منطقة الشرق الأوسط خلال السنوات الـ3 الأخيرة، فوفقاً لتقرير آخر من موقع ماغنيت نفسه، فقد نما متوسط حجم الاستثمار من 0.8 مليون دولار عام 2014 إلى 2.8 مليون دولار عام 2016 (باستثناء كريم وسوق.كوم).

ومنذ عام 2015، أطلقت حكومات قطر والإمارات والسعودية حاضنات للشركات الناشئة، تدعمُ كلاً منها مجموعةٌ من مستثمري هذه الشركات، فضلاً عن مجموعات الأسهم الخاصة ومنصات التمويل الجماعي التي ترغب في تحقيق الدخل من سكان الشرق الأوسط البالغ تعدادهم 424 مليون نسمة.

يقول فارس الراشد الحميد، مؤسس "عقال"، وهي أول مجموعة استثمارية للمشاريع الريادية في السعودية: "يمكننا أن نرى كيف أن الحكومة تحاول سن قوانين تساعد أصحاب الشركات والأعمال".

وكانت انطلاقة مجموعته "عقال" عام 2011، وهي تضم 350 عضواً ولها استثمارات قدرها 28 مليون ريال سعودي (7.5 مليون دولار أميركي) في 30 شركة. يتابع الراشد: "قضيتنا الرئيسية هي قلة استثمارات البنوك، فالبنوك حالياً لا تخصص سوى 2% من أموالها لتمويل المشروعات الصغيرة والمتوسطة، فيما أرى أنا أن الرقم ينبغي أن يقترب من 20%".

كذلك، يرى آخرون أن المسرّعات ذات الدعم الحكومي مثل StartAD في أبوظبي و"مسرعات دبي المستقبل" بدبي، من شأنها إكثار استثمارات أو أعداد الشركات الناشئة المستحدثة.

تقول زوي بليكمور التي أسهمت في تأسيس موقع Support Legal الإماراتي المزمع انطلاقه هذا الأسبوع، والذي يقدم خدمات قانونية للمقاولين وأصحاب المشاريع والشركات الناشئة الريادية بالمنطقة: "إن الحكومة هنا تعزز نمو الشركات الريادية والمشاريع الصغيرة والمتوسطة".

ويوافقها الرأي زميلها المؤسس المساهم باتريك روجرز، فيقول: "متى توافرت البنى والهياكل التي تخدم خيارات الأسهم والملكية الخاصة، يجد المستثمرون عندها سهولة أكثر في استخدام النظام والإبحار فيه بسلاسة".

وكان تقرير نشرته مؤسسة محمد بن راشد لتنمية المشاريع الصغيرة والمتوسطة، التي هي فرع من دائرة التنمية الاقتصادية بدبي، قد أظهر أن قيمة استثمارات الأسهم في المرحلة المبكرة بدبي عام 2014 بلغت 30 مليون دولار موزعة على 35 شركة استثمارية للمشاريع الريادية الناشئة، و3 حاضنات أو مسرّعات مع 13 شركة رأس مال استثماري.

دول الخليج تتفوق على أميركا

وتُظهر البيانات أن المستثمرين الذين يعيشون في دول الخليج الخالية من الضرائب هم أكثر توجهاً للاستثمار في الشركات الريادية مقارنة بأقرانهم في الولايات المتحدة حتى بالشركات المتماثلة في قيمتها المقدرة. فمستثمر الشركات الناشئة الذي يعيش بدبي ينفق 65 ألف دولار في المتوسط على كل صفقة مقابل 20% من الأسهم، مقارنة بمتوسط الالتزامات الأميركي البالغ 30 ألف دولار مقابل أسهم بـ10%.

وحسب عدد من أصحاب المشاريع والمستثمرين، فإن الشركات الكبيرة جيدة التأسيس مثل صناديق المشاريع "ومضة لرؤوس الأموال" و"بيكو لرؤوس الأموال" بدبي، وOasis500 في الأردن، ما زالت على رأس المستثمرين المرغوبين.

ففي عام 2015، أعلنت "ومضة لرؤوس الأموال" التي لها مكاتب في عمان وبيروت أيضاً إطلاق صندوق استثماري جديد بقيمة 75 مليون دولار؛ وتعدّ مشاريع ومضة في الشرق الأوسط الأكبر من نوعها في المنطقة، وهي تجتذب الاستثمارات من شركات عديدة؛ إحداها مؤسسة التمويل الدولية International Finance Corporation.

كذلك، تضم دبي منصات تمويل جماعي أصغر حجماً مثل يوريكا Eureeca، ومواقع تمويل شركات ناشئة مثل Venture Souq وEnvestors، ومجموعة الاستثمار الناشئ للنساء Women's Angel Investment Network، ومجموعة وومينا Womena للمستثمرات من النساء، وهي جميعها موجهة لكل أصحاب المشاريع، الناشئين منهم والمخضرمين ذوي الخبرة.

لكن نقص الإشراف الحكومي يتسبب في قلةٍ بالموثوقية، حيث لا توجد حالياً أي آلية في الإمارات العربية المتحدة لدراسة وتفحص مؤهلات المستثمرين أو أصحاب المشاريع الناشئة فيما خلا سيولتهم النقدية، والنقص ذاته موجود أيضاً في دول كالسعودية ولبنان والأردن. كذلك في الإمارات قانون جديد يحكم وينظم الإفلاس وشروطه، لكن اختباره ما زال قيد الانتظار.

مؤسس موقع ماغنيت Magnitt فيليب باهوشي، يؤيد هذا الرأي ويقول: "الأمر معقد بعض الشيء، فنقص النظم والضوابط التي تحكم الإعسار أو الإفلاس والملكية الأجنبية المباشرة للشركات أمرٌ لا يريح الناس دوماً. كذلك ثمة مخاطر جيوسياسية في بعض أنحاء المنطقة، فالطموح إلى التوسع والانتشار إلى البلدان الأخرى أمرٌ باهظ التكلفة وقد يستغرق حتى 12 شهراً".

تجزّؤ السوق العربية

يوافقه الرأي أيضاً عمار مرداوي، الرئيس التنفيذي والمساهم في تأسيس "ياقوت"، التطبيق والمكتبة الإلكترونية التي تتيح قراءة وتحميل الكتب العربية بشكل مجاني عموماً فيما عدا الكتب غالية الثمن؛ فيقول: "نحن متفائلون، لكني أرى أن منطقة الشرق الأوسط واحدة من أكثر المناطق المجزأة (غير المتكاملة) في قوانينها وتنظيماتها وعملاتها ومنتجاتها المختلفة، فهذا يؤدي إلى عدد من التعقيدات".

ولدى موقع ياقوت أكثر من 160 ألف مستخدم نشط في الشهر، كما أنه تطبيق الكتب الإلكترونية العربية الأكثر شعبية وانتشاراً على منصة Google Play، وفقاً لترتيب قوائم المنصة نفسها.

والتنقل من دولة إلى أخرى إشكاليةٌ بحد ذاتها، حيث يقول مرداوي إن "ما يسري في الخليج قد لا يسري في مصر؛ ففي مدن كدبي، الدفع الإلكتروني جزء من المشهد، أما في مصر فالدفع النقدي عند التوصيل هو طريقة الدفع الوحيدة الموجودة". ويتابع القول إن هذه العقبات الإضافية قد تثني المستثمرين، ما يقود إلى تزايد الطلب على رأس المال مقارنة بمقدار العرض المتوافر.

ولعل أحد الطلبات الشائعة بين من يودّون تأمين شركاتهم الاستثمارية، هو أن يطلبوا من أصحاب المشاريع تسجيل شركاتهم في مناطق جنات ضريبية معهودة "أوفشور" خارج البلاد مثل جزر العذراء البريطانية أو جزر الكايمان.

يقول سعيد شيلا المدير التنفيذي لمنصة SocialDice للتوظيف في دبي والتي أبصرت النور في رام الله بالضفة الغربية بفلسطين: "تكتشف أن أمامك الكثير من العمل كي تَحمِلَ المستثمرين على مساعدتك، فالاستثمار أمرٌ ليس سهلَ المنال في الشرق الأوسط، والشركات المؤسَّسة ما زالت تفضل الاستثمار في سوق المنقولات"؛ أي إن عدد الشركات الناشئة يزيد على عدد المستثمرين.

ويرغب مشغّلو منصات الاستثمار الإلكتروني بفضاء الإنترنت في تثقيف الزبائن الذين يُحجمون عن هذا النوع من الاستثمار ويقتصرون على الاستثمار في الملكيات، حيث يرونه قطاعاً أقل تقلباً وأكثر تماسكاً. تقول سونيا ويمولر، الشريك المؤسس في موقع VentureSouq لتمويل الأسهم في المرحلة المبكرة والذي يركز على مناطق الشرق الأوسط وإفريقيا والهند: "شعرنا بعدم تلبية احتياجات المستثمرين".

وفي موقع VentureSouq قرابة 650 عضواً، معظمهم محترفون في الثلاثينات والأربعينات من العمر، كما أن الموقع عقد مؤخراً جولته الاستثمارية الـ16 والتي تم فيها تقديم شركات ناشئة جديدة أمام المستثمرين الذين قد يرغبون في الاستثمار.

وتختم ويمولر بالقول: "هناك العديد من قنوات الدعم لأصحاب المشاريع، أما المستثمرون فلا يحظون بالدعم نفسه. نعتقد أن ذلك سيتغير، لكن هذا الأمر عملية يلزمها وقت".

– هذا الموضوع مترجم عن صحيفة The Financial Times البريطانية. للاطلاع على المادة الأصلية، اضغط هنا.

تحميل المزيد