دارت معارك طاحنة، أمس الثلاثاء 21 مارس/آذار 2017، في شرقي دمشق بعد هجوم جديد لفصائل المعارضة على مواقع القوات الحكومية السورية، قبل يومين من جولة جديدة من المفاوضات في جنيف، الخميس، برعاية الأمم المتحدة توصلاً إلى حل للنزاع.
وشنَّت المعارضة إلى جانب جبهة فتح الشام، فجر الثلاثاء، هجومها انطلاقاً من حي القابون في شمال شرقي العاصمة، حيث تدور معارك على بعد نحو 10 كيلومترات من وسط دمشق، التي كانت في منأى نسبياً عن ويلات الحرب التي أوقعت أكثر من 320 ألف قتيل، منذ مارس/آذار 2011، وخلفت ملايين النازحين واللاجئين في الداخل والخارج.
وقال مراسل وكالة الأنباء الفرنسية إنه سمع دويَّ انفجار قوي نحو الخامسة والنصف صباحاً (3,30 ت غ)، تبعه قصف عنيف لم يتوقف مذاك الحين.
ورجح مدير المرصد السوري لحقوق الإنسان رامي عبد الرحمن، أن يكون الانفجار ناجماً "عن هجوم بسيارة مفخخة على موقع لقوات النظام بين حي جوبر والقابون".
وأفاد المرصد بأن "المعارك العنيفة تجدَّدت فجر اليوم في محاور المعامل وكراش والكهرباء ومحيط السيرونكس بحي جوبر وأطرافه… وتترافق الاشتباكات مع تنفيذ طائرات حربية غارات على محاور القتال، إضافة إلى القصف الصاروخي المتبادل والعنيف بين الطرفين".
وتحدث المرصد أيضاً عن تقدم للفصائل المقاتلة في منطقة صناعية بين جوبر والقابون.
ونقلت وكالة الأنباء السورية (سانا) عن مصدر عسكري، أن "وحدات من الجيش تتصدى لمحاولات تسلل مجموعات إرهابية من جبهة النصرة نحو منطقة المغازل شمالي جوبر، وتتمكن من تطويق المجموعات المتسللة وتقوم بتطهير المنطقة".
واشتدت المعارك قبل ظهر الثلاثاء، وارتفعت سحب الدخان الأسود فوق المنطقة.
وقالت لميس (28 عاماً) التي تعيش في شارع يبعد بضعة كيلومترات من منطقة القتال "نوافذ البيت والأبواب تهتز مع القصف. أنا خائفة من تقدم المسلحين. آمل أن ينتهي ذلك بسرعة".
قصف عنيف
وتنهمر الصواريخ المنطلقة من المناطق التي يسيطر عليها الجهاديون والفصائل المقاتلة على أحياء العباسيين والتجارة القريبة من حي جوبر ومن وسط العاصمة.
وأفادت "سانا" أن 12 شخصاً أصيبوا بجروح جراء القصف الصاروخي.
وشنت الفصائل الجهادية والمسلحة، الأحد، هجوماً مفاجئاً انطلاقاً من حي جوبر على حي العباسيين، وهي أقرب نقطة يصلونها من وسط دمشق منذ سنتين. لكن القوات الحكومية تصدت للهجوم مع تدخل سلاح الجو.
وهدأ القصف، مساء الإثنين، واستمر الهدوء ساعات عدة، وفتحت المتاجر أبوابها واستؤنفت حركة السير في دمشق.
وقالت عُلا، وهي طالبة إعلام تبلغ 22 عاماً وتقيم في حي العباسيين "شعرت بالتفاؤل بعد أن فتح الطريق وتمكنت يوم أمس (الإثنين) من الخروج من المنزل، واليوم أنا مكتئبة وأشعر كأنني في سجن. أغلقنا كل النوافذ وأقفلنا الباب جيدا، نخشى من الرصاص المتفجر أو شظايا قذائف الهاون. مشاعري لا توصف، كنت أتمنى أن يكون اليوم هادئاً، كنت أنوي شراء هدية لأمي منذ أيام وفشلت. اليوم لا أتمنى سوى أن يمضي هذا اليوم على خير وأن يحفظ لي أمي. هذا كل ما تبقى لي من حياتي وأحلامي وطموحاتي".
وتتواجد الفصائل المقاتلة والجهاديون حلفاؤها في 5 أحياء بدمشق. ففي شمال شرقها يسيطرون على غالبية حيي القابون وتشرين، وفي الشرق يتقاسمون السيطرة مع قوات النظام على حي جوبر. وتتواجد الفصائل المقاتلة في حي برزة شمالاً وحي التضامن جنوباً، لكن هذين الحيين تسودهما هدنة مع قوات النظام.
وأعلنت جبهة فتح الشام في شريط فيديو سيطرتها على معمل للنسيج، وبثت صوراً تُظهر مقاتليها يدوسون صوراً للأسد ويكسرون الزجاج على صور لوالدة الرئيس الراحل حافظ الأسد.
وقال "فيلق الرحمن"، الفصيل الإسلامي المشارك في الهجوم، في بيان إنها "المرحلة الثانية من المعركة"، مؤكداً السيطرة على مواقع جديدة.
ويشارك النظام السوري الذي يحظى بدعم حليفه الروسي في المفاوضات من موقع قوة، بعد تحقيق عدة انتصارات منذ 2015، ولا سيما استعادته مدينة حلب، ثاني أكبر مدن البلاد في 2016.
وليل الثلاثاء-الأربعاء أعلنت هيئة تحرير الشام أنها بدأت هجوماً على مواقع قوات النظام في ريف حماة الشمالي، حيث "بدأت دبابات الهيئة باقتحام صوران ومعردس وقرى أخرى في الريف الشمالي لحماة، ويتبع الدبابات مدرعات الانغماسيين".
وأضافت الهيئة على لسان المتحدث باسمها عماد الدين مجاهد، إن "جنودنا في صوران حرروها خلال ساعات، كما تمت السيطرة على الخطوط الدفاعية الأولى لمعردس ولله الحمد، ولا تزال المعارك مستمرة والتقدم مستمر بفضل الله".
من ناحيته قال مدير المرصد رامي عبد الرحمن إن "هيئة تحرير الشام فجرت عربتين مفخختين، وسط تقدم لهيئة تحرير الشام واقتحامها بلدة صوران وقرية معردس وسيطرتها على كامل بلدة صوران وأجزاء من قرية معردس، بتمهيد صاروخي من قبل الفصائل المقاتلة، بالإضافة لسيطرتها على 8 حواجز ونقاط في محيط صوران"، مشيراً إلى أن "بلدة صوران هي من أهم الخطوط الدفاعية للنظام بين محافظتي حماة وإدلب".
مفاوضات السلام
أوقعت معارك الأحد والإثنين 72 قتيلاً، 38 في جانب القوات الحكومية وحلفائها، و34 في جانب الفصائل المسلحة وفق المرصد السوري.
وتجددت المعارك قبل جولة جديدة من المفاوضات بين ممثلين عن النظام السوري والمعارضة، من المقرر أن تبدأ الخميس في جنيف برعاية الأمم المتحدة.
وأعلنت الأمم المتحدة، الثلاثاء، أن وفدي الحكومة السورية والمعارضة أكدا حضورهما.
وقالت متحدثة باسم الأمم المتحدة "جميع المدعوين الذين حضروا الجولة الأخيرة (من المحادثات) في شباط/فبراير أكدوا حضورهم" الجولة المقبلة.
وسيترأس الجولة الخامسة من المحادثات رمزي عز الدين رمزي، نائب المبعوث الخاص إلى سوريا ستافان دي ميستورا.
ويلتقي دي ميستورا اليوم الأربعاء في موسكو وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف، على أن يتوجه أيضا إلى أنقرة.
وتعتبر روسيا حليفة النظام السوري، وتركيا الداعمة لفصائل مقاتلة، عرابتي وقف إطلاق النار في سوريا، الذي تم خرقه منذ دخوله حيز التنفيذ، في ديسمبر/كانون الأول.
وقال رئيس الوفد الحكومي بشار الجعفري، الإثنين، في مقابلة إن "الهجمات الإرهابية الأخيرة في دمشق وغيرها في سوريا تستهدف الضغط على الحكومة قبل جنيف".