الحب في زماننا لم يضربه الخلاء، كما قال شوقي، هذا العصر، وليس بسكّير، كما ذكرت كوكب الشّرق، ولا هو بكثرة الدردشة حتى ساعات آخر الليل في مواقع التواصل الاجتماعي "فيسبوك، تويتر، إنستغرام…"، إنّ الحب يا أخي المواطن يكاد يكون صنم هذا العصر الذي يُحرق له البخور، وترتّل له الأناشيد في إطار ما يسمّى بالغزل، ويزمّر الزّامر، ويطبّل الطبّال وترقص الراقصة، وعمل الكباريهات ليل نهار لتمجيده؛ ليكون المعبود الأوّل والهدف الأوحد، والغابرة المُثلى للحياة التي بدونها لا تكون الحياة حياة.
إنّ الحب في نظر البعض هو الشّهوة؛ لأنّهم يرون الحب والشّهوة يلتقيان في لحظة الجنس، ورأينا رجلاً مثل فرويد يقول بأنّ الحب يخرج من ينبوع الجنس.
صحيح أنّ الحب والرّغبة قرينان، وأنّه لا يمكن أن تحب المرأة دون أن ترغبها، ولهذا ما تلبث نسمات الحب أن تُمازج جسد الشريك الحياتي فتتحوّل إلى إعصار شبيه بزلزال أكادير، يدفع بـ"الكوبل" إلى حضن بعضهما البعض، تحت وطأة شهوة عارمة ولذّة وقتية التي ما تكاد تشتعل حتّى تنطفئ، في حين نرى ذكريات الحب تُلازم صاحبها سنوات عمره، ولهذا السّبب بالذّات ما يرتبط الحب دائماً بالألم، وتحوّلت مقاصده لإشباع الرّغبات فقط بين الجنسين، ونسوا أنّها لحظة خاطفة، ما تلبث أن تنتهي بانتهاء غرضها، وفي هذا ادعاء كبير، ولهذا نرى الشّهوة يمكن أن تشتعل بدون حب، وأحياناً نرى الرّجل يطلب إشباع شهوته بالثّمن، ونرى المرأة تُزاول شهوتها بالحرفة، للأسف!
ولكن الحب كان، وكائن، وسيكون دائماً، امنحوا الحب لمن حولكم، اجعلوا من قلوبكم للكلّ نصيباً، حتّى لأعدائكم، أقبلوا على الحياة واتّخذوا الحب دستوراً تعيشون به ما تبقّى في مسيرة حياتكم؛ لأنه أرقى من اللّذة السّريعة وطلب المُتعة، وذلك العواء النّاتج عن الممارسة الجنسية الذي يُشبه عواء القرود في الغابة، سألني أحدهم يوماً عن الفرق بين الحب والشهوة، وكانت إجابتي كالتّالي: بكل بساطة الحب يريد دائماً أن يعطي، والشّهوة تريد دائماً أن تأخذ، الشّهوة تريد أن تشبع ذاتها فهي باستمرار تريد، وقد يكون الطّرف الآخر ضحيتها، وليس هذا.. إنّ الحب لا يكاد ينفك أبداً عن هذا الثالوث.. "الحب والجنس والقسوة".
وهو لهذا مقضي عليه بالإحباط وخيبة الأمل، ومحكوم عليه بالتّقلب من الضد إلى الضد، ومن النقيض إلى النقيض، فيرتد الحب عداوة وينقلب كراهية وتنتحر العواطف كل يوم مائة مرة، وذلك هو عين العذاب، ولهذا لا يصلح هذا الثالوث أن يكون أساساً لزواج، ولا يصلح لبناء البيوت، إنّ الرّحمة تحتوي على الحب بالضّرورة، والحب يكاد بالشّهوة ينقلب عدواناً، وليس في هذه الكلمات مصادرة للحب، أو إلغاء للشّهوة، وإنّما توكيد وبيان بأنّ ممارسة الحب والشّهوة بدون إطار من الرّحمة والمودّة هو عبث لا بد أن ينتهي إلى الإحباط، والرّحمة ليست ضعفاً وإنّما هي غاية القوّة؛ لأنّها استعلاء على الحيوانية والبهيمية والظُّلمة الشّهوانية، كن حاكم جسدك وسيده، ولا تندرج في عداد البهائم، أرجوكم لا تُزيّفوا أجمل ما في الحياة، الحب لا يُمكن أن يكون حرفة أو تجارة.
ملحوظة:
التدوينات المنشورة في مدونات هافينغتون بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.