حققت المخدرات اختراقات نوعية في النسيج المجتمعي المغربي، وشكَّلت امتداداتها عامل تدمير لبنى المجتمع، خصوصاً بعد ارتفاع معدل التعاطي في صفوف النساء، هذا التطور رصد بعض جوانبه تقرير الهيئة الدولية لمراقبة المخدرات، الصادر الخميس 2 مارس/آذار 2017، الذي كشف عن بلوغ نسبة النساء والفتيات الغارقات في أتون المخدرات ثلث الأشخاص الذين يتعاطون المخدرات على الصعيد العالمي، وسجل التقرير وهو ينبه إلى المخاطر المحدقة بالجنس اللطيف أن عدد النساء اللواتي تعاطين المخدرات بالحقن بلغ 3.8 مليون امرأة على الصعيد العالمي، دون احتساب الطرق التقليدية وغير التقليدية في التعاطي.
إن تلك المعطيات تضعنا اليوم وجهاً لوجه أمام العوامل المؤدية إلى انتشار المخدرات في صفوف الجنسين، وفي صفوف الجنس اللطيف على وجه الخصوص، كما تضعنا أمام مسؤولية إيجاد الحلول الناجعة لمكافحة هذه الظاهرة الآخذة في الانتشار مخلّفة إفرازات سلبية على المجتمع، ولعل ما قد يساعد المجتمع المدني والدولة والمؤسسات في محاصرة تلك الظاهرة معرفة المسالك المؤدية إلى التعاطي، وقد لاحظ تقرير "إنسيب" أن تعاطي المخدرات يبدأ في مستهل سنوات المراهقة لعدة أسباب متنوعة، منها خوض تجربة جديدة، وتأثير الرفاق، والهروب من الواقع، والاسترخاء، إضافة إلى التعرض لاعتداء جسدي وجنسي في الطفولة، والاشتغال بالجنس، والاختلاط بأشخاص يتعاطون المخدرات بالحقن.
إن ما يبعث على القلق هو وجود حاضنة مساعدة ومشجعة على التعاطي بشمال إفريقيا، باعتبار هذه المنطقة تحولت خلال العقد الأخير من منطقة عبور نحو الدول العظمى إلى سوق للمستهلكين ومقصد لجميع أنواع المخدرات المتعاطاة، وهنا يسجل تقرير الهيئة الدولية لمراقبة المخدرات "وجود دلائل على أن إفريقيا سوق متنامية لجميع أنواع المخدرات المتعاطاة، على الرغم من أن بيانات تعاطي المخدرات وعلاج متعاطيها في إفريقيا لا تزال محدودة"، وهذه الملاحظة سجلها التقرير السنوي للمرصد الوطني للمخدرات والإدمان، الذي كشف عن استعمال 800 ألف مغربي للمخدرات، نسبة معتبرة منها نساء، وتعتبر "الكالا" و"الجّوانات" و"البولا الحمْرا"، أكثر أنواع المخدّرات التي يتعاطاها التلاميذ المغاربة المدمنون على المخدرات.
ويظهر أنه رغم المجهودات التي انخرطت فيها الدولة المغربية في إطار التزاماتها الدولية، فإن تلك الجهود غير كافية لمحاصرة الظاهرة، كما يظهر من خلال معطيات التقارير الدولية والوطنية أن قضية محاصرة المخدرات تعرف حالة مد وجزر، ويؤشر على ذلك تقرير مكتب الأمم المتحدة المعني بالمخدرات والجريمة، وتقرير الهيئة الدولية لمراقبة المخدرات، الذي أكد ازدياد معدلات مضبوطات راتنج القنب في المغرب سنة 2015؛ إذ بلغت 235 طناً بعد انخفاض أثناء الفترة 2012 – 2014، كما يؤشر على ذلك استمرار المغرب في تبوؤ صدارة الدول المصدرة للقنب إلى جانب أفغانستان التي أصبحت المخدرات وقود حربها الطاحنة منذ عدة سنوات.
في خضم كل تلك المؤشرات التي تمطرنا بها التقارير الدولية والوطنية حول المخدرات ونسبة التعاطي بين الجنسين، ما زالت المرأة فريسة لظاهرة آخذة في الاتساع، ويبدو أن كل العوامل التي تحدثنا عنها يمكن معالجتها متى توافرت الإرادة السياسية والمجتمعية التي تعلي من قيمة الإنسان، وتدني من قيمة أموال المخدرات، لكن يظهر أن هناك إكراهات موضوعية وذاتية تجعل يد الدول المنتجة للمخدرات والدول المستقبلة مكتوفة، حتى يخال لكل مطلع على التقارير الدولية المعنية بالمخدرات والجريمة أن الدول انهزمت في نزالها مع أباطرة المخدرات.
إن تخصيص الهيئة الدولية لمراقبة المخدرات فصلاً كاملاً من تقريرها للحديث عن الجنس اللطيف بين مخالب المخدرات ينم عن إدراك للمخاطر المحدقة بالنساء، وينم عن وعي بالتحولات الحالية في سوق الاتجار بالمخدرات، والتحولات الطارئة على خلية الأسرة ومفهومها، وهنا يسجل التقرير "انتشار معدل أعلى لتعاطي المخدرات بالحقن في صفوف النساء اللاتي يمارسن الجنس مع نساء أخريات مقارنة بغيرهن، كما يشيع تعاطي المخدرات بالحقن لدى المتحولات جنسياً".
وهنا لا بد من تسليط الضوء على هذا المعطى الجديد المتعلق بالميول الجنسية والتحولات الحالية في بنية الأسرة وعلاقاتها بالمخدرات، وما إذا كان الأمر يتعلق بتغييب العقل في مضمار الإحساس بعقدة "الذنب"؟ لكن الجواب عن هذا السؤال يتطلب دراسات علمية دقيقة.
ملحوظة:
التدوينات المنشورة في مدونات هافينغتون بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.