ترامب وميركل يستعدان للمواجهة بعد تجنبها عدة أشهر.. هذا ما يتوقع حدوثه في لقائهما المشترك

عربي بوست
تم النشر: 2017/03/11 الساعة 15:03 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2017/03/11 الساعة 15:03 بتوقيت غرينتش

عندما يرحب الرئيس ترامب بالمستشارة الألمانية أنجيلا ميركل في البيت الأبيض يوم الثلاثاء، 14 مارس/آذار، سيحمل هذا اللقاء منحى رمزياً مختلفاً عن أي لقاءٍ عقده الرئيس حتى الآن، إذ يواجه ترامب، أكبر مُخِل بالنظام الدولي، أنجيلا ميركل، المُدافعة الأخيرة عن النظام العالمي الليبرالي.

يتبنى الزعيمان وجهات نظر متباينة بشأن عددٍ من القضايا، مثل الهجرة والتجارة، ويتجنبان بعضها البعض منذ الانتخابات الرئاسية الأميركية. ولكن كلا الجانبين، بحسب بعض المسؤولين، مصمم على عدم السماح لهذا اللقاء الأول بأن يؤول إلى صراعٍ بين رؤى عالمية متنافسة.

وتدرس ميركل منذ فترة خطب ترامب وتصريحاته لتفهم طبيعة تفكير الرئيس الجديد. وذكر مسؤولون أميركيون أنَّ ترامب قد يأخذ مشورة ميركل بشأن كيفية التعامل مع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، الذي تعرفه أكثر من أي زعيمٍ آخر في الغرب بعد عشرات اللقاءات التي عقدتها معه لأكثر من 11 عاماً وهي في السلطة، وفقاً لما ذكرت صحيفة نيويورك تايمز الأميركية.

التهديد الذي تشكله روسيا بالنسبة لأوروبا يمكن أن يُوفِر لميركل وترامب نوعاً من الأرضية المشتركة. وفي هذا السياق تطلب إدارة ترامب من ألمانيا وحلفائها الآخرين في حلف شمال الأطلسي (الناتو) زيادة ميزانياتهم العسكرية، وهي رسالةٌ يبدو أنَّ الألمان يأخذونها على محمل الجد، حتى ولو كان إنفاقهم العسكري لا يزال أقل بكثير مما ترغب الولايات المتحدة.

وقال جوزيف جوفي، ناشر ورئيس تحرير صحيفة "دي تسايت" الألمانية: "يمكننا تقريباً أن نصف هذا الأمر بأنَّه صدفة، ففي الوقت الذي يدفع فيه ترامب الأوروبيين إلى تحسين أوضاعهم والوفاء بالتزاماتهم، أدرك الألمان بشكلٍ مستقل إلى حدٍّ ما أنهم يواجهون خطراً استراتيجياً على حدودهم الشرقية".

إلا أنَّه إذا تعاون ترامب وميركل معاً بخصوص الناتو، فإنَّهما يخاطران بمواجهة توتراتٍ جديدة بشأن التجارة؛ إذ يحتج المسؤولون في الإدارة الأميركية ضد الفائض التجاري الهائل لمصلحة ألمانيا في تجارتها مع الولايات المتحدة. وفي الإطار ذاته، اتهم بيتر نافارو، أحد كبار المستشارين الاقتصاديين لترامب، ألمانيا باستغلال شركائها التجاريين من خلال تخفيض قيمة اليورو لتعزيز صادراتها.

شراكة لا مواجهة

يورغن هارت، منسّق الحكومة الألمانية للعلاقات عبر الأطلسي، أوضح في مقابلة مع وكالة الأنباء الألمانية، نشرت، أمس السبت 11 مارس/آذار، أن الغاية من اللقاء الأول للمستشارة الألمانية أنجيلا ميركل بالرئيس الأميركي دونالد ترامب، هو بناء الثقة، وقال: "الأهم هو أن تنجح (ميركل) في إيضاح أنه من الممكن التحدث عن الاختلافات على أساس الشراكة، وليس من منطلق المواجهة"، مثل ادعاء أحد مستشاري ترامب بأن ألمانيا تتلاعب بعملة اليورو.

وذكر هارت أن ميركل ستستغل "كافة الوقت" خلال زيارتها لواشنطن التي ستبدأ مساء يوم الاثنين المقبل في تأسيس تواصل شخصي مع ترامب ومستشاره الجديد للأمن القومي هربرت ريموند، ومواصلة الحوار البناء الذي أجرته مع نائب الرئيس الأمريكي مايك بنس خلال مؤتمر ميونيخ الدولي للأمن الشهر الماضي.

وأضاف هارت أن المستشارة ستركز على تمهيد الطريق لتعاون جيد، وقال: "أعتقد أن الرسالة الرئيسية ستكون رغبة ألمانيا والاتحاد الأوروبي في أن يكونا شركاء أمريكا"، موضحا أن الهدف أن تكون هذه الشراكة ليست فقط في السياسة الأمنية، بل أيضا في السياسة التجارية والاقتصادية، وفقاً لما ذكر موقع دويتش فيله الألماني.

تعتزم ميركل تغيير نظرة الألمان لما يرونه بالسياسة الحمائية الصارخة؛ إذ تصطحب وفداً من رؤساء الشركات، من بينها شركة "بي إم دبليو"، و"سيمنز"، وغيرها من الشركات الألمانية التي يعمل بها عددٌ كبير من الأميركيين. وسيتحدث الوفد عن برامج التدريب المهني لتدريب العمال الأميركيين.

وقال جاكسون جينس، رئيس المعهد الأميركي للدراسات الألمانية المعاصرة بجامعة جونز هوبكنز: "ستعود ميركل للألمان لتخبرهم: هل تعلمون أنّ هناك الآلاف من الأميركيين الذين يعملون لدى شركات ألمانية في الولايات المتحدة؟".

أظهر عددٌ قليل من القادة قدراً عظيماً من البراعة في التعامل مع القادة الأقوياء المتبجحين مثلما فعلت ميركل في تعاملها مع بوتين أو سيلفيو برلسكوني في إيطاليا، لكنَّها في تعاملها مع ترامب تواجه نوعاً مختلفاً من الرجال الذين يحركهم هرمون الذكورة، على حد قول جوفي، الذي أضاف قائلاً: "نحن أمام رجلٍ تحدث في حملته الانتخابية كما لو أنَّه ذاهب لتدمير النظام العالمي الليبرالي".

وقال ترامب في مقابلةٍ مع صحيفة بريطانية، في يناير/كانون الثاني، إنَّ ميركل ارتكبت خطأً "كارثياً" بالسماح لعشرات الآلاف من اللاجئين من سوريا وأماكن أخرى في الشرق الأوسط بدخول ألمانيا، إذ قال: "أُكِن لها احتراماً كبيراً وأحبها، لكنَّني أعتقد أن ذلك كان خطأً. الناس يخطئون، لكنَّي أعتقد أنه كان خطأً كبيراً حقاً".

وتمكنت ميركل أيضاً من إقامة علاقةٍ مثمرة مع الرئيس جورج بوش الابن، على الرغم من أنَّه، مثل ترامب، لم يكن يحظى بشعبيةٍ في ألمانيا، خاصةً في أعقاب الحرب على العراق. وقال بعض الخبراء إنَّ ذلك يمكن أن يكون نموذجاً لما ستكون عليه العلاقة بين ترامب وميركل.

المشي على حبلٍ مشدود

يصف جيفري راتكه، نائب مدير برنامج أوروبا بمركز الدراسات الاستراتيجية والدولية، العلاقة بين الزعيمين بأنَّها مثل "المشي على حبلٍ مشدود؛ فميركل تحتاج إلى علاقاتٍ قوية عبر الأطلسي، إلا أنَّها لا تريد أن تكون قريبةً جداً من الإدارة الأميركية".

تجنبت ميركل بشكلٍ متعمد مواجهة ترامب، وقالت إنَّها ستحكم عليه من خلال أفعاله وليس أقواله. ورفضت التلميح العبثي من وجهة نظرها، الذي يرى أنَّها كانت الحاضن الأخير لنظامٍ عالمي ليبرالي، وهي تسميةٌ من شأنها أن تضعها في خلافٍ مع ترامب.

وعندما أعلن ترامب في البداية حظر السفر المؤقت لمواطني 7 دول ذات أغلبية مسلمة في يناير/كانون الثاني، أوضحت ميركل لترامب بهدوء عبر الهاتف أنَّ اتفاقيات جنيف تلزم الدول باستقبال اللاجئين بسبب الحروب لأسبابٍ إنسانية.

وقال مسؤولون في البيت الأبيض في مؤتمرٍ صحفي يوم الجمعة، 10 مارس/آذار، إنَّهم يتوقعون محادثاتٍ "قوية" بين ترامب وميركل حول مجموعةٍ من القضايا، تشمل الاتحاد الأوروبي، وتمويل حلف الناتو، وصولاً لشؤون التجارة والحملة ضد تنظيم الدولة الإسلامية (داعش). وهناك درجةٌ غير عادية من التحضير لهذا اللقاء، مع النظر إلى أنَّه من غير المتوقع أن يُسفِر اللقاء عن أي تصريحاتٍ مهمة بشأن القضايا الاقتصادية أو الأمنية.

إلا أنَه بالنسبة للألمان لا يزال البيت الأبيض في ظل حكم ترامب يُمَثِل نوعاً من اللغز؛ إذ يتنافس اللاعبون الأيديولوجيون المتشددون، مثل نافارو، وكبير الاستراتيجيين، ستيفن بانون، مع اللاعبين الواقعيين الأكثر تقليدية، مثل غاري كوهن مدير المجلس الاقتصادي الوطني، والجنرال هربرت ماكماستر مستشار الأمن القومي.

وتكمن المشكلة في أنَّ ألمانيا، بصفتها عضواً في الاتحاد الأوروبي، لا يمكنها التفاوض قانونياً بشأن اتفاقياتها التجارية مع الولايات المتحدة من تلقاء نفسها. وأقر مسؤولٌ آخر كبير بالإدارة الأميركية، لم يرد الكشف عن هويته، هذه النقطة يوم الجمعة 10 مارس/آذار، قائلاً إنَّ أي اتفاقٍ تجاري جديد مع ألمانيا يجب التفاوض عليه مع الاتحاد الأوروبي. إلا أنَّ هذا المسؤول قال أيضاً إن ترامب قد يثير مسألة الفائض التجاري المستمر لصالح ألمانيا أثناء لقائه بالمستشارة الألمانية.

الموضوع الأكثر حساسية

وربما الموضوع الأكثر حساسية للزعيمين هو روسيا؛ إذ تُخيم التساؤلات حول العلاقة بين الحملة الانتخابية لترامب وروسيا على الرئيس الأميركي، في حين تستعد ميركل للترشح لانتخابات منصب المستشارية في ألمانيا في ظل التخوف من تدخل الحكومة الروسية في الحملات الانتخابية مثلما فعلت في الولايات المتحدة.

وما يُحَمِس المسؤولون الألمان هو أنَّ ترامب حتى الآن لم يمل جذرياً بالسياسة الأميركية تجاه موسكو. لكنَّهم يشيرون بتوترٍ إلى "بريتبارت"، الموقع الإلكتروني اليميني المتطرف الذي كان يديره عن قريب ستيف بانون، والذي يُشكِل منصةً مركزيةً في ألمانيا قد تسعى للتأثير على تصويت الناخبين. ويعلم المسؤولون الألمان أنَّ روسيا يمكنها أن تسبب الكثير من العبث، حتى دون مساعدة الولايات المتحدة.

وأضاف جينس قائلاً: "أعتقد أنَ الزعيمين سيتجاهلان مسألة روسيا لتجنب المشكلات".

– هذا الموضوع مترجم بتصرف عن صحيفة The New York Times الأميركية. للاطلاع على المادة الأصلية اضغط هنا.

تحميل المزيد