الصومال تزحف نحو حافة المجاعة.. تعرف على معاناة أُناس يريدون فقط البقاء على قيد الحياة (صور)

عربي بوست
تم النشر: 2017/03/11 الساعة 16:31 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2017/03/11 الساعة 16:31 بتوقيت غرينتش

على أرضٍ يابسةٍ فقيرةٍ قاحلة خارج المدينة الصومالية الصغيرة كانيبو، خَيَّم أكثر من 1000 شخص في ملاجئ مؤقتة وهم يحاولون البقاء على قيد الحياة، وقد دمّر الجفاف الحارق كل شيء فيما عدا أسلوب حياتهم الرعوي، ويهدد الآن بقتلهم.

هناك حوالي 6 ملايين شخص هنا في الصومال بحاجةٍ ماسّة للطعام لمنع تكرار مجاعة 2011، والتي قضّت على حياة ربع مليون شخص، وفقاً لما ذكرت صحيفة الغارديان البريطانية.

أمينة ضاهر، أمٌّ ثلاثينية، سافرت لمدة يومين وليلتين وصولاً إلى كانيبو، وذلك بعد هلاك البقية الباقية من ماشية الأسرة، وكانت بصحبة أبنائها الستة وأقارب آخرين.

وقالت أمينة، وهي تحمل الوعاء الفارغ الذي أكلت فيه الأسرة هذا الصباح آخر طعام تبقَّى لديه، والذي كان عبارةً عن كميات قليلة من الأرز مع آخر مؤنهم من المياه: "هناك أناس يأتون كل يوم مثلنا، حاملين مُقتنياتهم القليلة، لكن لا يوجد شيءٌ لنا هنا، لا يوجد ما نأكله، ولا مكان نذهب إليه".

أمينة هي واحدةٌ من ضمن كثيرين يقولون إنَّ المساعدات التي أتت قليلة أو معدومة. وفي حين يتفشى سوء التغذية الحاد والمرض بين أبناء المجموعة، تطرح أمينة سؤالاً بسيطاً: "أين هي المساعدة من حكومتنا أو من المجتمع الدولي؟".

تُعد الصومال واحدةً من ضِمن 3 دول معرَّضة لخطر المجاعة، في حين أُعلنت المجاعة بالفعل في أجزاءٍ من جنوب السودان، ليواجه العالم احتماليةً غير مسبوقة وهي حدوث 4 مجاعات في وقتٍ واحد.

إذ دفعت 3 سنوات متتابعة من الجفاف منطقتين في الصومال إلى حافة الطوارئ. وهذه المناطق محددة باللون الأحمر في خرائط أمن الطعام التي جمعتها وكالات الأمم المتحدة، وهي المرحلة الأخيرة التي تسبق درجة اللون الأغمق التي تدل على المجاعة.

وتتضمن المناطق المحددة بالأحمر مناطق واسعة ومكتظة بالسكان في جنوب الصومال، حيث تقع بعض الأحياء بها تحت سيطرة متمردين إسلاميين يدعّون "الشباب"، ما يجعل دخول هذه الأحياء مُعقداً.

وهناك مناطق أخرى محددة أيضاً باللون الأحمر، تمتد في ولايات جمهورية أرض الصومال التي أعلنت استقلالها الذاتي، وتشمل المنطقة التي تمكث فيها أمينة وأسرتها، في حين أن أمن أرض البنط لا تشكل مشكلة كبيرة.

كانت خضراء يوماً وتحولت لغبار

هنا، المراعي التي كانت خضراء يوماً تحولت إلى غُبار، وجثث الماعز والأغنام المنتشرة على قارعة الطرق دليل على حجم الأزمة.

ولا يحتاج الطبيب حمود محمد إلى خرائط بعلامات ليقيس حجم المشكلة، ففي عيادته الصغيرة خارج أكبر ثاني مدينة في أرض الصومال، برعو، تنتظر عشرات الأمهات بصبرٍ مع أطفالهم للحصول على التطعيمات، ورعاية ما قبل الولادة، وغير ذلك من العلاجات.

ويشير حمود بيده إلى جدولٍ على الحائط يُظهر الارتفاع المقلق لأعداد الأطفال الذين يعانون من سوء التغذية بشكلٍ متوسط وشديد.

ويقول حمود، الذي تُقّدم عيادته دعماً غذائياً من خلال مخططات تمولها اليونيسف، ووكالة الأمم المتحدة للأطفال، وبرنامج الأغذية العالمي: "نرى أطفالاً يعانون من سوء التغذية يأتون كل صباح، لكن أشد الحالات تأتي من الأسر الذين أُجبِرُوا على الانتقال إلى هنا مؤخراً بسبب الجفاف".

وتشمل العلاجات معجون الفول السوداني "Plumpy'nut"، الغني بالسعرات الحرارية والبروتين، والذي يُستَخدَم في مساعدة الأطفال الذين يعانون من الجوع على كسب الوزن.

وأضاف حمود: "المشكلة الأخرى التي يتسبب فيها الجفاف هي كيف يُعقِّد سوء التغذية الحالات الصحية الأخرى. فقد رأينا بالفعل انتشار مرض الحصبة وحالاتٍ أخرى تزيد الأمور سوءاً وتقلل من عمر الطفل".

ويعاني بعض الوافدين الجدد في المنطقة من الحزن أو الارتباك، ما يمنعهم من إيجاد المساعدة. وفي مهبط طائرات مدينة برعو، على مسافة تبعد 20 دقيقة مشياً على الأقدام، تقيم رودا محمد مع آلاف الأسر الأخرى.

تجلس رودا في صمت وهي تهز ابنة أخيها/أختها، أيان، الطفلة الشاحبة الضعيفة، التي تبلغ من العمر عامين، وترعاها رودا منذ وفاة والدتها وهي تلدها. وتعيش الأسرة، التي تتضمن 10 أطفال، على كميات عرضية من الأرز، وأحياناً الشاي الأسود فقط. وكانوا قد وصلوا إلى المنطقة منذ أسابيع قليلة، ولم يكونوا على دراية بالعيادة بعد.

تقول كيسي فرح عبدي، إحدى قريبات رودا، إنَّهم مشوا أياماً ليصلوا إلى هناك، وذلك عقب سماعهم إشاعةً عن أن سلطات جمهورية أرض الصومال ستجلب مساعداتٍ إلى المنطقة. وانتظروا، منتفعين من صِهْرِيجٍ من المياه، إضافةً إلى كمياتٍ من الأرز وتبرعات المجتمع من الشاي والسكر، إلا أنَّ المساعدة لم تأتِ بعد، كما أنَّ ماعزهم القليلة الباقية تموت ببطء.

وأضاف عبدي، وهو راعٍ يتحدث بهدوء وكان في السابق يتنقل مع الماعز عدة مرات في السنة بحثاً عن المراعي: "سمعنا من الناس أن العشب والماء سيتوفران هنا، لكن لا يوجد أي شيء. والآن، نحن نبحث عن الطعام ونحصل على التبرعات". وكان قلقه حيال مأزق أسرته الميؤوس منه مرسوماً على وجهه.

وقد أصدر العاملون في المجال الإنساني والمنظمات غير الحكومية تحذيراتٍ متكررة. وحذرت منظمة "إغاثة الطفولة" البريطانية غير الحكومية هذا الأسبوع أنَّ المجتمع الدولي فشل في تعلم الدروس التي أدت إلى آخر مجاعة، مؤكدةً أن كل علامات التحذير المبكرة التي تشير إلى حدوث كارثة مؤكدة واضحة.

وقال كيفين واتكينز، المدير التنفيذي للمنظمة الخيرية، في زيارةٍ له إلى أرض البنط هذا الأسبوع إنَّ حجم المعاناة أكبر من المرحلة التي كانت تعادلها في مجاعة 2011، مع ارتفاعٍ حاد في الوفيات من مرض الكوليرا والإسهال الشديد.

ويقول واتكنز، الذي نادى الجهات المانحة للمساعدات للتصرف بسرعة: "بالنظر إلى وزن الأدلة، وحجم المعاناة، وذكرى مجاعة 2011، فإن ردّ المجتمع الدولي على الأزمة التي تواجه أطفال الصومال لا يمكن الدفاع عنه ولا يُغتفر".

ويُقدر المبلغ المطلوب لإبقاء الناس على قيد الحياة والبدء في عملية التعافي هو 677 مليون جنيه إسترليني بحلول يونيو/حُزيران.

وذكرت منظمة "أكشن إيد" نقداً مشابهاً، أشارت فيه إلى أنَّ استغاثة الأمم المتحدة لعام 2017 لمساعدة الصومال تلقَّت 110 ملايين جنيه إسترليني من الدول المتبرعة، أي 11% من القيمة المطلوبة.

وقال مايك نويس، رئيس تنسيق الشؤون الإنسانية: "الجوع والمرض يعنيان أنَّ عدداً لا متناهي من أرواح الناس على المحك، ومع ذلك، وبهذا المعدل، فإنَّ الطعام لن يصل حتى يبدأ الناس في الموت".

ومن ضمن المساعدات التي في طريقها بالفعل، خصصت وزارة التنمية الدولية البريطانية 100 مليون جنيه إسترليني كجزءٍ من جهودها الأوسع لحل أزمة منطقة القرن الإفريقي، وذلك إضافةً إلى أكثر من 20 مليون جنيه إسترليني أرسلتها بالفعل منظمة اليونيسف من أجل أعمالٍ مثل فحص وعلاج الأطفال الذين يعانون من سوء التغذية، وإعادة تأهيل آبار المياه وبرامج التحصين.

أما بالنسبة للنداءات الأخرى المماثلة التي تحاول استباق المجاعة، فإنَّ النفوذ المالي للولايات المتحدة لم يظهر بعد. ففي حين أسهمت الولايات المتحدة بحوالي 855 مليون جنيه إسترليني لدعم تدخلات الإغاثة في القرن الإفريقي في 2016، فإنَّ برنامج المساعدات الغذائية الخاص بالوكالة الأمريكية للتنمية الدولية لعام 2017 يتكون من حوالي 171 مليون جنيه استرليني في أنحاء جيبوتي، وإثيوبيا، وكينيا، والصومال.

وعلى جانب أحد الشوارع التي تبعد نصف ساعة بالسيارة عن مدينة كانيبو، قال نور محمد إنَّ الأمر انتهى به إلى التوسّل من أجل الطعام في شوارع المدينة، واصطياد ظباء هزيلة في الليل. وأقامت أسرته وغيرها من الأسر هنا في الملاجئ القريبة من خزان تتسرب منه المياه، بعد أن مات قطيعه بالكامل، والذي كان يضم 25 جملاً و100 من الأغنام والماعز.

ويقول محارب قديم، يبلغ من العمر 56 عاماً، كان قد شارك في حرب استقلال أرض الصومال: "نحن فخورون بالدولة التي أصبحنا عليها، ومهما حدث فأنا فخورٌ بالجزء الذي قدمته في ذلك. ونحن لا نزال نتمتع بحريتنا. لكنَّنا الآن لدينا هذا الجفاف الذي أتى به الله. ليس لديّ أي إجابات أخرى".

-هذا الموضوع مترجم عن صحيفة The Guardian البريطانية. للاطلاع على المادة الأصلية اضغط هنا.

علامات:
تحميل المزيد