في شمال شرق القاهرة، يضج حي المطرية الشعبي بالضوضاء والفقر، حيث تتنافس المركبات النارية ذات الثلاث عجلات (التكاتك) مع العربات التي تجرها الحمير في الشوارع الضيقة القذرة. إلا أن هذا الأسبوع شهد سحب علماء الآثار لتمثالٍ بالغ طوله 26 قدماً، من إحدى البقاع الجرداء، وهو الكشف الذي يعتقد العلماء أنه قد يكون اكتشافاً عالمياً.
وكانت وزارة الآثار المصرية قالت أول أمس الخميس 9 مارس/آذار 2017، أنها اكتشفت تمثالين ملكيين بمنطقة سوق الخميس في المطرية بالقاهرة يرجع تاريخهما لنحو 3250 عاماً قبل الميلاد ويعتقد أنهما أكبر تمثالين مكتشفين بالمنطقة حتى الآن.
وأشارت إلى أن أحد التمثالين للملك سيتي الثاني، فيما يرجح أن التمثال الآخر لجده الملك رمسيس الثاني، وكلاهما من الأسرة التاسعة عشرة في مصر القديمة، بحسب وكالة رويترز.
صحيفة "نيويورك تايمز" الأميركية، قالت في تقرير لها الجمعة 10 مارس/آذار 2017، إن مصر ستكون محظوظة لو أن التمثال الثاني الضخم كان فعلاً لرمسيس الثاني، وهو أحد أشهر الحكام في مصر القديمة، مشيرةً في ذات الوقت إلى أن اللغز لن يُحل إلا الأسبوع القادم، حين تنتهي أعمال الحفر والتنقيب -كما يأملون-، ويصبح بإمكانهم البحث عن النقوش الموجودة على تمثال الكوارتز.
ونقلت الصحيفة عن ديتريش راوي، مدير فريق التنقيب المكون من علماء آثار مصريين وألمان، الذي عمل على البحث عن مجمع ضخم من المعابد في الموقع منذ عام 2012: "كانت هذه مفاجأة عظيمة. كان علينا تطهير المنطقة قبل أي أعمال تشييد مستقبلية، ولأن الآثار موجودة دون مستوى المياه الجوفية، فنوعية الحجر رائعة، كما أن لها قيمة فنية وتاريخية مدهشة".
وظهرت بوادر التمثال يوم الثلاثاء الماضي، حين كشف عمال الحفر الجزء السفلي من ذقن التمثال. ويوم الخميس، شاهد علماء الآثار وسكان المنطقة استخراج تاج التمثال المكسور من الأرض وهو مغطى بالماء والطين، بواسطة رافعة هيدروليكية. ولاحقاً، اتخذ الأطفال مواقعهم بجانب أجزاء التمثال للتصوير.
وجد الفريق أيضاً جزءاً من تمثال بالحجم الطبيعي من الحجر الجيري لـ سيتي الثاني، أحد الفراعنة الآخرين وحفيد رمسيس الثاني. ورحبت وزارة الآثارة المصرية بهذا الكشف الهام كذلك، بالرغم من أنه ليس الأول من نوعه في حي المطرية، الذي شُيِّد على أنقاض هليوبوليس القديمة بجوار النيل.
وعُثر على التمثالين فى محيط بقايا معبد الملك رمسيس الثاني الذي بناه في رحاب معابد الشمس بمدينة أون القديمة.
ومدينة أون هي مدينة الشمس لدى المصريين القدماء مدفونة تحت منطقة عين شمس تضم آثار معابد ومكتبات للفلسفة وعلوم الفلك والرياضيات، ويُجرى حاليا التنقيب في منطقة تبلغ مساحتها 26.800 متر مربع للبحث عن مزيد من الآثار بها، بحسب ما ذكرته وكالة الأناضول.
ووفقاً لـ"نيويورك تايمز" شارك في أعمال الحفر الحالية أكثر من 150 شخص، معظمهم من علماء الآثار والعمال المصريين، بالإضافة إلى عدد قليل من الخبراء الأوروبيين والأكاديميين الألمان. ويهرع علماء الآثار للكشف عن أكبر قدر ممكن من مجمع المعابد قبل أن تغزو أعمال البناء المحلية المنطقة، بالرغم من أن بعضها غير قانوني.
تحيط البيوت ومواقع التشييد بمنطقة أعمال الحفر، حتى أنه في بعض الأحيان كان على العمال التخلص من القمامة وجثث الحيوانات أثناء الحفر، وفقاً لم قالته سليمة إكرام، أحد أفراد الفريق المصري. وأضافت أيضاً إنه بمجرد تشييد بنايات جديدة، فسيصبح المزيد من الحفر مستحيلاً، "إنه سباق ضد الزمن".
تبقى عملية التعرف على هوية التمثال معقدة، بسبب تحطمه وعدم العثور إلا على أجزاء متفرقة من الوجه. وفي هذا السياق، قال رئيس قطاع الآثار المصرية محمود عفيفي إن "التمثال الثاني من المرجح أن يكون للملك رمسيس الثاني وهو تمثال مكسور إلى أجزاء كبيرة الحجم من الكوارتزيت (نوع من الصخور الرملية)، ويبلغ طوله بالقاعدة حوالي ثمانية أمتار".
ويعتقد د. راوي أن التمثال ربما "تحطم على أيدي المسيحيين الأوائل أو حكام القاهرة المسلمين في القرن الحادي عشر، الذين استخدموا الحجر الجيري من المعابد القديمة لبناء تحصينات المدينة"، بحسب ما نقلته الصحيفة الأميركية.
في حين أشارت وكالة رويترز إلى أن المعبد الذي عُثر بمحيطه على التمثالين، يعتقد أنه كان من أكبر المعابد بمصر القديمة لكنه تعرض للتدمير خلال العصور اليونانية والرومانية، ونُقلت العديد من المسلات والتماثيل التي كانت تزينه لأماكن أخرى واستخدمت أحجاره في العصور الإسلامية في بناء القاهرة التاريخية.
وكان رمسيس الثاني حاكماً مهاباً، ليس فقط في مصر، بل عبر معظم العالم القديم. تمكن إبان فترة حكمه التي امتدت من 1279 حتى 1213 قبل الميلاد، من توسيع إمبراطوريته شرقاً حتى سوريا الحالية، وجنوباً حتى السودان. كما اشتهر بمشروعات التشييد الضخمة، ومن ضمنها معابد الشمس مترامية الأطراف، والمليئة بتماثيله، والتي اُكتشف أحدها تحت أحد أسواق القاهرة في 2006.
يمكن لاكتشاف هذا التمثال الضخم أن يحمل أصداء أدبية قوية أيضاً. إذ كان أحد تماثيل رمسيس الثاني المُحطمة موضوعاً لقصيدة (أوزیماندیاس، لبيرسي بيس شيلي، أحد الشعراء الرومانتيكيين الإنجليز من القرن التاسع عشر. (أوزیماندیاس هو الاسم اليوناني لرمسيس الثاني).
وتدور القصيدة حول اكتشاف تمثال مكسور في الصحراء، مكتوب عليه "اسمي أوزیماندیاس، ملك الملوك، ألقِ نظرة على آثاري، أيها العظيم، وايأس!"، وهي الصورة الشعرية التي تُستخدَم أحياناً لتصوير فناء الإنسان وزوال الإمبراطوريات.
وبحسب ما ورد في تقرير "نيويورك تايمز" بدأ شيلي كتابة القصيدة في عام 1817، عقب إعلان المتحف البريطاني حصوله على جزء من أحد التماثيل الأخرى لرمسيس الثاني، التي أخذها رحالة إيطالي من أحد معابد طيبة القديمة، في الأقصر حالياً.
ويوم الاثنين، سيبحث علماء الآثار على نقش في الجانب الخلفي من التمثال، لاكتشاف إن كان هو رمسيس الثاني بالفعل أم لا.
ويمكن لهذا الكشف أن يوفر أخباراً سعيدة يحتاج إليها قطاع السياحة المصري المتدهور منذ ثورة 2011 التي أطاحت بالرئيس حسني مبارك. شهدت السياحة المصرية تراجع عدد الزوار القادمين إلى مصر ليصل إلى 5.4 مليون سائح في عام 2016، مقارنة بحوالي 14.7 مليون في 2010، على الرغم من بعض الانتعاش الطفيف في الأشهر الأخيرة.
إذا تأكد أن هذا التمثال الضخم هو لرمسيس الثاني، يقول الخبراء إنهم سيجمعونه، تمهيداً لنقله إلى مدخل المتحف المصري الكبير، أكبر المتاحف الأثرية في العالم، والذي يجري تشييده بجوار أهرامات الجيزة، ومن المقرر افتتاحه العام المقبل.
– هذا الموضوع مترجم عن صحيفة The New York Times الأميركية. للاطلاع على المادة الأصلية، اضغط هنا.