لفتت الرحلة الطويلة للعاهل السعودي سلمان بن عبد العزيز عبر آسيا، والتي تمتد على مدار شهر، الأنظار؛ نظراً لمداها الواسع. يجوب أقوى ملك في العالم 7 دول آسيوية برفقة حاشيةٍ يتجاوز عددها الـ1000 شخص، من بينهم 25 أميراً و10 وزراء. وذكرت تقارير أن وزن حقائب السفر الخاصة بالحاشية المصاحبة للملك بلغ 506 أطنان.
وخلال الأسبوع الحالي، قرر الملك سلمان مدَّ إقامته في منتجعٍ فاخرٍ بجزيرةِ بالي الإندونيسية ذات المناظر الخلابة -وربما كان هذا قراراً سهلاً- قبيل توقفه لزيارة اليابان والصين.
وبدأ الملك السعودي رحلته بزيارة ماليزيا، حيث شهد توقيع اتفاقات نفطية مُربحة، وكان هدفاً على ما يبدو لمحاولة اغتيال فاشلة هناك قبيل زيارته لسلطان دولة بروناي.
ولهذه الرحلة تداعيات ضخمة بالنسبة للسياسات الإقليمية وواشنطن. يعي السعوديون جيداً احتياجهم لتنويع اقتصادهم، الذي يعتمد بشكل كبير على صادرات النفط، وهم حريصون على جذب استثمارات من الاقتصادات الآسيوية الكبرى، بالإضافة إلى نشر عطاياهم بتلك الدول. كما أنهم يرون جنوب شرقي آسيا، والتي يوجد بها كثافة سكانية ضخمة من المسلمين السُّنة، كنطاق يسمح بممارسة نفوذهم.
ففي وقت تلتف فيه قبضة الغموض والشلل السياسي حول الدول الغربية، يبدو تحول السعودية صوب آسيا أمراً منطقياً للغاية. كتب الدبلوماسي الأميركي جيرالد فيرستاين في مجلة فورين أفيرز: "لا يوجد شك في أن الرسالة الضمنية لجولة الملك تحمل إشارة، مفادها أن السعودية ستحافظ على سياستها المرنة عند تعاملها مع الولايات المتحدة الأميركية".
لكن، ربما كان اختيار السعودية إحدى مناطق امتداد نفوذها في آسيا أمراً مفاجئاً: إنها جزر المالديف، التي سيزورها سلمان في طريق عودته إلى الرياض.
ربما كانت الدولة، المكونة من مجموعة جزر في المحيط الهادي، تمتلك تعداداً سكانياً صغيراً (400 ألف نسمة)، لكنها دولة ممتدة عبر المحيط؛ إذ تترامى أطرافها على مساحة 1000 كيلومتر عبر أهم طرق النقل البحري في العالم.
وتحوم تكهنات حول خطة سعودية لإنفاق مليارات الدولارات في منطقة فافو المرجانية والمكونة من 26 جزيرة.
جادلت حكومة جزر المالديف، بقيادة الرئيس عبد الله يمين، بأن الاتفاق سيؤدي إلى ضخ استثمارات في قطاع البنية التحتية وبناء المشروعات السكنية في دولةٍ مهددةٍ بخطر ارتفاع مستوى سطح البحر. بينما يُصر المعارضون على أن الحكومة تسلم جزءاً من الدولة لمستثمرين أجانب؛ من أجل تحقيق مكاسب شخصيةٍ.
رفض بيان حكومي، صدر خلال الأسبوع الحالي، هذه الادعاءات؛ إذ جاء به: " ترفض الحكومة بشكلٍ قاطعٍ ادعاء أن الجزيرة المرجانية قد بيعت لكيانٍ أجنبيٍ". لكن لم يكشف عن الكثير من التفاصيل بشأن الخطط المتعلقة بمستقبل الجزيرة المرجانية أو طبيعة الصفقة الاستثمارية المُبرمة.
خلال رحلته إلى واشنطن، قال قيادي المعارضة محمد نشيد لصحيفة واشنطن بوست الأميركية: "أجد صعوبةً في تصديق أنها مجرد مؤسسة تجارية ذات أهدافٍ صريحةٍ. يجب عليك عادةً إقامة مناقصة مبنية على أسسٍ شفافةٍ وصائبةٍ، لكن الرئيس يمين اختار إبرام الصفقة في الخفاء".
مر نشيد، الذي يعيش بالمنفى في لندن، بسنوات سجن كمعارضٍ سياسيٍ قبل اشتراكه في إسقاط النظام الدكتاتوري، الذي امتد حكمه على مدار 3 عقود.
تبع هذا فترة من الاضطراب والفوضى، فاز خلالها نشيد بالانتخابات الرئاسية. لكنه أُعيق من قِبل المعارضين السياسيين وانتهى به المطاف في السجن مرة أخرى على خلفية اتهامات عديدة. ونجحت جهود فريق دولي من المحامين، من بينهم أمل كلوني، في الإفراج عنه لأسبابٍ صحيةٍ وحصوله على حق اللجوء ببريطانيا.
لكن نشيد لم يتخلَّ عن مطامعه السياسية وقد عبر عن قلقه بشأن التأثير الخليجي على بلاده؛ إذ قال: "إن عدم تمتُّعنا بالديمقراطية وحرية التعبير عن الرأي أمرٌ سيئ، لكن خسارة جزيرة مرجانية وخسارة سيادة الدولة أمرٌ آخرٌ. أنا على يقين بأن شعب جزر المالديف يشعر بقلقٍ بالغٍ وأنهم قد يفكرون في الكيفية التي يمكن بها مقاومة هذه الخطط".
ويمتد القلق إلى أبعد من مجرد الدور السعودي في صفقة الجزيرة المرجانية. تعد المالديف دولة للمسلمين السُّنة بشكلٍ حصريٍ. وخلال السنوات الأخيرة، بدأت جذور التطرف الديني المُقلق تضرب بالجزيرة، التي اشتهرت على مدار التاريخ بكونها أحد أهم مراكز الاقتصاد الحر في العالم الإسلامي. سافر نحو 200 إلى 300 مواطن مالديفي إلى سوريا للانضمام إلى الجماعات الجهادية، وهو عدد يعد كبيراً مقارنة بإجمالي تعداد السكان في المالديف.
ليست السعودية القوة الخارجية الوحيدة المُهتمة بجزر المالديف؛ إذ تراها الصين أيضاً محوراً هاماً ضمن رؤيتها لإنشاء "طريق الحرير البحري الجديد" الذي يشق الطريق لوصول مصالح التجارة والطاقة الصينية إلى الشرق الأوسط. سعت بكين على نحوٍ مستمرٍ إلى بسط نفوذها في المحيط الهندي وتعميق علاقاتها بحكومة يمين.
يرى نشيد أن لبكين دوراً في مشروع السعودية بالجزيرة المرجانية وأنها قد تستغل النفوذ المتزايد للمملكة في المالديف لتحييد نفوذ منافسها الإقليمي الهند. وخلال العام الماضي، منحت حكومة المالديف شركة صينية حكومية عقد إيجار مدته 50 عاماً لجزيرةٍ غير مأهولة بالسكان تقع بالقرب من العاصمة ماليه.
يقول نشيد: "لا نريد أن نقع وسط حرب باردة بين الدول".
لكن بحيرات المالديف ذات الشُّعب المرجانية الفيروزية، قد تصبح ساحة لمشاهدة لعبة جديدة وهامة في آسيا كبيرة.
– هذا الموضوع مترجم بتصرف عن صحيفة The Washington Post الأميركية. للاطلاع على المادة الأصلية، اضغط هنا.