في أحد أشهر السباقات في تاريخ الكائنات الحية يتنافس حوالي نصف مليار متسابق على جائزة واحدة، المسابقة عبارة عن جري حتى الموت بأقصى سرعة، مسافة 160 كيلومتراً، والجائزة عبارة عن كبسولة بيضاوية تطيل عمر الفائز من صفر إلى 100 سنة، بينما يموت كل المتسابقين الآخرين بلا استثناء على الطريق، وتتحلل بقاياهم على قارعته.
حسابياً، احتمالية فوز أي متسابق هي 0.000000002، وتلك
احتمالية ضئيلة جداً يرفض أي عاقل أن يراهن عليها، كما أن الجائزة نفسها غير مضمونة (0 إلى 100 سنة)، والفشل في الفوز يؤدي إلى نهاية بشعة، ولكن ورغم ذلك تصوروا أننا كلنا خضنا هذا السباق والكثير راهنوا على تلك الاحتمالية الشحيحة، أتدرون من هم المتسابقون؟ إنهم الحيوانات المنوية في رحم الأنثى.
وما هي المسافة؟ هي 16 سم تقريباً طول الرحم والأنابيب وصولاً إلى البويضة، وما الجائزة؟ هي البويضة وجنين تتراوح احتمالية حياته بين صفر ومائة سنة تقريباً (إذ إن الحمل ممكن أن يجهض بعد ذلك، والجنين ممكن أن يموت، والطفل كذلك قد يصاب ببعض الأمراض، ويموت في أي سنة من عمره، وقد يكمل حتى مائة عام وينجب، وهكذا في احتمالات كثيرة).
وما هي النتيجة؟ أنا وأنت ومليارات البشر منذ بدء الخليقة وإلى أن يرث الله الأرض ومن عليها، والسؤال هنا: لماذا صمم السباق بهذا الشكل؟ ولماذا كل هذا الإسراف والبذخ في صناعة الحيوانات المنوية؟ ألم يكن من الممكن أن يكتفي الذكر بحيوان منوي واحد يتم تخليقه ورعايته رعاية كاملة مثلما تكتفي الأنثى بصناعة بويضة واحدة كل شهر؟ وفي تلك الحالة لن يكون هناك ملايين الحيوانات المنوية الميتة والمشوهة والضعيفة والغير قادرة على الحركة، حيوان منوي واحد رشيق الحركة ممشوق القوام وسيم ليس به تشوهات أو نواقص، وبطاقة وموارد أقل ملايين المرات من تلك التي يتم استنزافها في خلق ملايين الحيوانات الأخرى، ثم لماذا تصر كل الحيوانات على خوض السباق، أليس هناك حيوان رشيد يتوقع النتيجة ويرفض أن يخوض السباق من البداية وينتحر في هدوء؟!
إن الطبيعة فرضت علينا واقعاً بشعاً في أرحام أمهاتنا لا نعلم تفسيره، لماذا يتم تخليق نصف مليار حيوان منوي مقابل بويضة واحدة؟ ولكن قد يستطيع علم الجينات حل جزء بسيط من اللغز، إن الطبيعة اختارت للبشر التناسل من خلال الانقسام الميوزي وليس الميتوزي كبعض الكائنات الأخرى؛ لأن الانقسام الميوزي يحدث فيه ما يسمى إنكليزياً cross over وهي التباديل والتوافيق بين الكروموسومات في الخلية الأم التي تصنع الحيوان المنوي؛ حيث يتم تقطيع شريط الكروموسومات في الخلية الأم إلى آلاف القطع في بداية الانقسام، ثم يحدث ارتباط عشوائي بين تلك القطع بعضها البعض، بحيث يكون الناتج هو حيوان منوي وحيد شريط الكروموسوم، أي ذو شفرة جينية مختلفة عن النصف مليار حيوان آخر تماماً في الترتيب الجيني، ومن ثم ربما أن الطبيعة تلعب بطريقة عشوائية ملايين المرات في جينات الخلية الأم على أمل أن يتصادف في مرة من تلك الملايين أن تنشئ شفرة جينية سوبر، تكون بمثابة نقلة نوعية في الحياة البشرية، وربما كان الانقسام الميوزي بتلك الطريقة، أحد أهم أسباب التطور البشري عبر التاريخ التي نتج عنها أجنة متطورة ذهنياً وجسدياً تمكنت من التناسل والتكاثر لتمكن البشر من السيطرة على الطبيعة وسيادة كل المخلوقات الأخرى.
ولكن أحياناً أخرى كثيرة يحدث العكس وتنتج شفرات مشوهة تؤدي إلى أجنة مريضة وأخرى مشوهة، ولكن الطبيعة قد تحاول تصحيح الخطأ بعد ذلك من خلال الإجهاض من رحم الأم أو الموت المبكر بعد ذلك.
أما لماذا اختارت الطبيعة خلايا الذكر لتقوم بتلك المهمة دون الأنثى، أي بمعنى لماذا لا تصنع الأنثى ملايين البويضات وتحقق الغاية من الانقسام الميوزي بينما يكتفي الذكر بصناعة حيوان منوي واحد؟
الإجابة قد تكون لأن البويضة ليست مجرد شفرة جينية إنما هي تحتوي بداخلها على الغذاء اللازم للزيجوت في مراحله الأولى على عكس الحيوان المنوي الذي يحتوي فقط على الشفرة الجينية، ومن ثم يمكن اللعب على طريقة الذكر دون الأنثى.
تلك محاولة لفهم طبيعة التناسل البشري مستوحاة من مؤلفات علماء البيولوجي، وعلى رأسهم داروين وريتشارد داوكنز وآخرون.
ملحوظة:
التدوينات المنشورة في مدونات هافينغتون بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.